الحدائق العلمية والتكنولوجية

الحدائق العلمية والتكنولوجية

13 مايو 2015
تساهم الحدائق العلمية والتكنولوجية في سد الفجوة الرقمية(Getty)
+ الخط -
يشهد القرن الواحد والعشرون توسعاً كبيراً للتقدم العلمي والتكنولوجي، من حيث الإنتاجات الابتكارية، متمثلة في الزيادة المضطردة للإنفاق المحلي الإجمالي للبحث والتطوير، والتي وصلت إلى ما يفوق 220 مليار دولار عالمياً سنة 2014، ارتفاع منسوب المنشورات العلمية إلى ما يقارب مليوناً ونصف مليون منشور، وكذلك تزايد براءات الاختراع إلى حدود 300 ألف براءة اختراع في نفس السنة.

وترجع هذه النجاحات العلمية إلى تحول النسق الاقتصادي من الاعتماد على الميزة النسبية للإنتاج التجاري إلى الميزة النسبية للإنتاج التكنولوجي، وتبني الاختيارات التكنولوجية لتطوير الصناعات، واستعمال العلم والتكنولوجيا للارتقاء بالدول في مدارج التنمية.

وعلى هذا الأساس، تبرز تحديات عديدة في مواجهة الطفرة الاقتصادية الناتجة من التطور التكنولوجي تكمن في الفجوة الرقمية العميقة بين دول الشمال والجنوب في ما يخص امتلاك التكنولوجيا وجذب العقول البشرية. وعلى هذا النحو، نجد دولاً توجه مؤسساتها وأفرادها إلى الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا بكفاءة وفعالية تساعدها على الرفع من الإنتاج وتحسين نوعية المنتج، ودولاً أخرى تعيش فوضى التكنولوجيا عبر استهلاك غير عقلاني وتأخر مهول في مواكبة المستجدات العلمية.

ومما تجدر الإشارة إليه، أن دول الشمال ذات الدخل المرتفع لا يمثل سكانها إلا 15% فقط من إجمالي سكان العالم، بينما تستحوذ على 90% من السوق العالمية لإنتاج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الأمر الذي تترتب عليه عواقب وخيمة تجعل دولاً كثيرة تعيش فقراً معلوماتياً، وتراجعاً علمياً، وتصحراً معرفياً يعيق المسيرة الاقتصادية ويضيع الفرص التنموية.

وفي هذا السياق، تعتبر الحدائق العلمية والتكنولوجية إحدى الآليات الرئيسية لسد الفجوة الرقمية بين الدول وإحداث تقارب علمي ومعرفي مرتكز على نقل الخبرات التقنية، وتبادل التجارب البحثية والفكر التشاركي بين المؤسسات، وذلك من خلال شراكات بين الجامعات، والمراكز البحثية، والأقطاب الصناعية، والمختبرات العلمية، فضلاً عن المؤسسات الاقتصادية والتجارية.

ومما يجب التوقف عنده، أن الحدائق العلمية تجاوزت مفهوم القرن السابق، حينما ارتبطت بتلك المباني التي تقوم بأنشطة تقنية عالية وتنسج علاقات مع مؤسسات أخرى؛ بغرض تسويق وترويج التقنيات الحديثة، فحالياً، تتجلى الحديقة العلمية في تنظيم مؤسساتي يتكون من رأسمال بشري متخصص يسعى لخلق الثروة من خلال الابتكار والاختراع. وتكون بذلك الحديقة المعرفية فضاء للقيام بأبحاث علمية عبر تنشيط المعارف والتكنولوجيا بين مؤسسات البحوث عامة ومؤسسات الدعم والتمويل، وكذلك إنعاش تنمية الابتكار عبر تسهيل إنشاء الشركات التكنولوجية والحاضنات الابتكارية، وكذلك مشاتل المعرفة، والتي تشكل في المجمل اللبنة الداعمة لكيان الحديقة العلمية عبر ترسيخ الروابط العملية مع بقية الشركاء.

وفي هذا الصدد، تعتبر الحدائق العلمية تطوراً ممنهجاً لمفهوم المناطق الصناعية الذي ذاع صيته في القرن الماضي، وكانت أبرز تلك المناطق موجودة في الولايات المتحدة الأميركية، وكانت أول حديقة أبحاث هي حديقة منلو بولاية كاليفورنيا Menlo Park, California، تبعتها حديقة ستانفورد للأعمال Stanford Industrial Park بولاية كاليفورنيا في جامعة ستانفورد في وسط وادي السيلكون Silicon Valley of Northern California، وأبرزها حديقة مثلث البحوث في ولاية نورث كارولينا Research Triangle Park, North Carolina.

ولقد انتشر في ما بعد التوصيف الجديد للحدائق العلمية والتكنولوجية إلى دول أخرى، ونسجل على سبيل المثال: حديقة جامعة هريوت-وات بالمملكة المتحدة Heriot-Watt University، حديقة كرالا تكوبارك بالهند Kerala Techopark، حديقة كازوسا أكاديميك بارك باليابان Kaszusa Academic Park ومديـنة التقنية الحيوية بكندا La Cité de la Biotech, Montrea.

وأخيراً، تواجه الحدائق العلمية تحديات مختلفة تشمل توفير البنية التحتية الملائمة لإنشائها، وجلب العقول العلمية المتفوقة، ودعماً من القطاعين العام والخاص لتؤدي مهمتها الرئيسية في احتضان المنشآت الصغرى، عبر تقديم الدعم المباشر والخدمات التكوينية، وكذلك مرافقة هذه المنشآت بالنصح والإرشاد وتتبع إنجازاتها بهدف تحويل هذه الشركات الناشئة إلى شركات كبرى تعزز الاقتصاديات المحلية.
(باحث وأكاديمي مغربي)

إقرأ أيضا: 12 كتاباً لتصبح مليارديراً

المساهمون