رياض الأطفال في اليمن.. ندرة وثقافة غائبة

رياض الأطفال في اليمن.. ندرة وثقافة غائبة

22 مارس 2015
اليمن.. عندما يكون التعليم نوعا من الترف (العربي الجديد)
+ الخط -
بالكاد وجد سليم الشامي روضة أطفال قريبة من منزله الجديد، وذلك لندرة مثل هذه الرياض المتخصصة في منطقة السنينة، غربي العاصمة اليمنية صنعاء، رغم الكثافة السكانية في المنطقة وقربها من أحد أشهر شوارع المدينة. 
يقول الشامي: "كنت على استعداد للبحث عن منزل آخر لو لم أجد روضة أطفال قريبة من المكان، فأنا حريص على أن أدخل ابنتي ذات السنوات الأربع لتكتسب مهارات ذهنية قبل الدراسة الأساسية".

ويعاني كثير من الآباء صعوبة في إيجاد رياض ومدارس معنية بتأهيل الأطفال في سن مبكرة (3 ـ 6 سنوات)، أو ما تسمى بمرحلة التعليم قبل المدرسي، لندرتها ولانعدام الوعي الرسمي والمجتمعي بمثل هذا النوع من التعليم، الأمر الذي ينعكس سلباً على أعداد الأطفال الملتحقين برياض الأطفال والذين لا تتجاوز نسبتهم 1% من إجمالي عدد الأطفال في سن الملتحقين بالمدرسة والذين يبلغ عددهم سنوياً أكثر من ثلاثة ملايين طفل، بحسب تصريحات رسمية.
وبالرغم من إقرار وزارة التربية والتعليم بالأهمية البالغة لهذا النوع من التعليم، كما جاء في اللائحة التنظيمية لرياض الأطفال والتي جرى اعتمادها في وقت متأخر في 17 مايو/ أيار 2011 بقرار وزاري رقم (255)، لكن عملية التعليم بمرحلة الطفولة المبكرة ظلت غائبة عن برامج وخطط الحكومات المتعاقبة حتى اليوم، الأمر الذي ساعد على عدم انتشار ثقافة التعليم المبكر للأطفال لدى غالبية الأسر اليمنية.

ترف
ويتعامل كثير من أولياء الأمور مع التعليم ما قبل المدرسي على أنه إجراء ترفي وغير ضروري ولا تتعامل معه سوى الأسر الغنية لتدليل أبنائها. يقول عبد الكريم الخولاني، أب لثلاثة أطفال، وهو أحد الآباء الذين لا يعيرون لمثل هذا النوع من التعليم اهتماماً: "لديّ ثلاثة أطفال، أحدهم في الصف الثاني الأساسي ولم أدخله روضة قبل المدرسة، لأن مثل هذه الرياض فقط لأبناء المسؤولين والتجار"، مشيراً إلى أنه بالكاد يستطيع تلبية متطلبات المدرسة وليس مستعداً لتغطية تكاليف رياض الأطفال الباهظة.

أما سهام علي (ممرضة)، فقد اضطرت إلى إلحاق طفلتها ذات الأربع سنوات بروضة إلى جانب المستشفى الذي تعمل به، كونها هي وزوجها خلال فترة الصباح في أعمالهما ولا يستطيعان ترك طفلتهما وحدها. إلا أن سهام تشكو من ارتفاع تكاليف دراسة ابنتها في الروضة والتي تصل إلى أكثر من 90 ألف ريال يمني (450 دولاراً) سنوياً.
ويرى نبيل الحكمي أن التعليم قبل المدرسي مهم للغاية للطفل باعتباره مرحلة تأسيس صلبة تساعد الطفل على اكتساب السلوكيات الإيجابية التي ربما لا يستطيع الأهل توفيرها لانشغالهم أو لعدم امتلاك الخبرة. يقول: "أحرص كل الحرص على إدخال أبنائي رياض أطفال لتساعدني في بناء شخصيتهم بشكل صحيح وغرس القيم الحسنة فيهم ومعالجة العادات والسلوكيات التي يكتسبونها من محيطهم".

ولا تخلو رياض الأطفال من بعض التحديات وأوجه القصور، بحسب جودة المدارسة ومكانتها. وهنا يعبّر الحكمي عن استيائه قائلاً إن "بعض المربيات متميّزات في تلقين الأطفال الحروف والأرقام والحكم والأدعية أو أي مواضيع يحتويها المنهج، لكنهن غير متمكنات في مجال التربية، ويعجزن عن معالجة أي سلوكيات خاطئة عند الأطفال"، مؤكداً بأنه اضطر أخيراً لإخراج ابنته من إحدى الرياض ونقلها لأخرى لهذا السبب.

مشكلات وتحديات
ينحصر تدريس تخصص رياض الأطفال في كليتي التربية بمحافظتي إب وتعز، جنوبي غرب اليمن، لكن لا يجد الخريجون من هذا القسم فرص عمل عديدة بعد تخرجهم، وحين يجدها البعض تكون بمرتبات منخفضة، الأمر الذي يدفع الكثيرين منهم إلى البحث عن أعمال خاصة أخرى.
ونتيجة المعاناة في الحقوق والمرتبات، فإن هذا ينعكس أحياناً على أداء المعلمين. فبحسب كلام أروى عبد الحفيظ، باعتبارها تعمل كمربية للأطفال في إحدى الرياض بمحافظة تعز، تقول: "أتقاضى مبلغ 30 ألف ريال (150 دولاراً)، كراتب نهاية كل شهر مقابل عملي، وهذا المبلغ تافه أمام ما نبذله من جهد في التعامل مع الأطفال"، مشيرة إلى أن كثيراً من العاملين في هذا المجال يتعرضون للاستغلال من "أصحاب المدارس والرياض، وهذا ما جعل البعض لا يقومون بأداء واجبهم بالشكل المطلوب".
كما أنه لا توجد في اليمن مناهج محددة مقرة من وزارة التربية والتعليم في مراحل الروضة والتمهيدي، بيد أنه جرى أخيراً وضع دليل يساعد المربيات على تحديد ما الذي يمكن تدريسه. وتعتبر وزارة التربية هذا الأمر حلاً مؤقتاً، حيث يتم العمل حالياً على إصدار منهج موحد للرياض الحكومية والخاصة.
ويبدو أن الأمر الأكثر صعوبة يكمن في إيجاد مربيات متخصصات للأطفال في سن الثلاث إلى أربع سنوات (الفئة الصُغرى)، كون هذه المرحلة تحتاج إلى مربيات ذوات كفاءات عالية وقدرة على التعامل مع الأطفال، وهذا ما يجعل بعض المدارس تتجنب تأهيل الأطفال في هذا السن، وتقبل الأطفال ما فوق هذا السن، أو ما تسمى بمرحلة التمهيدي أو الفئة الوسطى والكبرى (كيجي 1 ـ كيجي 2).

عقبات وأرقام
يعزو محمد الذاري، مدير الإدارة العامة لرياض الأطفال في وزارة التربية والتعليم، عدم انتشار رياض الأطفال في اليمن، إلى عدة أسباب على رأسها عدم قدرة الدولة على توفير بنية تحتية مناسبة لهذا النوع من التعليم، مثل المباني والمقاعد وأدوات الترفيه، بالإضافة إلى الكادر المؤهل والأموال اللازمة. وبالرغم من أن الحكومة اليمنية فتحت المجال أمام الاستثمار في التعليم بما فيه التعليم المبكر، إلا أن الإقبال على هذا النوع من الاستثمار ليس بالشكل المطلوب، بحسب تصريحه لـ"العربي الجديد".
ويقول الذاري: "لا تستطيع الدولة تلبية متطلبات التعليم الأساسي والثانوي، وهناك ازدحام شديد في المدارس، ويوجد أطفال في سن التعليم خارج المدارس، وبالتالي فمن الصعب اليوم على الدولة العمل في مجال التعليم المبكر"، مؤكداً بأن وزارة التربية والتعليم عملت أخيراً على وضع اللوائح والأدلة التي ترسم المبادئ الأساسية للعمل في هذا المجال، على أمل توفر الدعم اللازم لتفعيل ما يتم وضعه من خطط لتوسيع نطاق التعليم المبكر في أنحاء الجمهورية.

توتر سياسي وانزعاج أبوي
ويتردد بعض الآباء في إلحاق أبنائهم بهذه الرياض رغم إيمانهم بأهميته نتيجة التوتر السياسي والضعف الأمني وزيادة حالات الاختطاف وانتشار الحركات المسلحة واندلاع المواجهات المسلحة في المدن وخارجها بين الفترة والأخرى.
ويبلغ عدد رياض الأطفال في اليمن 211 روضة حكومية و600 خاصة، تتوزع في مختلف أنحاء الجمهورية وتستوعب 21.477 طفلاً، بحسب الإحصائيات التي حصلت عليها "العربي الجديد" من وزارة التربية والتعليم.

ومن الجدير بالذكر أن اليمن من أوائل دول المنطقة التي انتهجت أسلوب التعليم المبكر في بداية الستينات من القرن الماضي، حيث أنشأت رياض الأطفال الخاصة إبان الاستعمار البريطاني في جنوب اليمن بهدف خدمة أطفال الجالية الأجنبية، واقتصر وجودها في عدن كمركز رئيسي للسلطة الاستعمارية. ولم يزد عددها على ثلاث رياض فقط في تلك الفترة، لكن الأمر تطور بعد الاستفلال عام 1967، حيث بدأ الاهتمام بإنشاء رياض الأطفال والتوسّع فيها، وهو الأمر الذي يفسّر تميُّز مدينة عدن بهذا النوع من التعليم مقارنة بالمحافظات الأخرى بما فيها العاصمة صنعاء، التي بدأت بالاهتمام به في مطلع الثمانينيات.

دلالات

المساهمون