وتعيدها "النصرة"

17 مارس 2016
عناصر من جبهة النصرة يمزقون علم الثورة (مواقع التواصل)
+ الخط -
مشهد أول نهاري:
ملثّم يحاول انتزاع علم الثورة من يد متظاهر في مدينة معرة النعمان بريف إدلب، ثم ملثم آخر ينتزع ميكرفونا من يد ناشط تعرفه الناس.


مشهد ثانٍ نهاري:
اشتباكات بالأيدي.. ثم شاب يهرب خوفا من قبضات مقنّعين يركضون خلفه، ويقول إنهم من جبهة النصرة.

مشهد ثالث إلكتروني:
هجوم شرس من خلف الشاشات على جبهة النصرة وصل حد مساواة أبو محمد الجولاني بالأسد.

هذه مشاهد حقيقية من تلفزيون واقع الثورة السورية، سبقها بأيام تصوير مشاهد مماثلة في مدينة إدلب بنفس الأبطال ونفس المنتج ونفس الإخراج.

الحلقة الأخيرة في دراما مدينة إدلب انتهت باتهام جيش الفتح أميرا من "جبهة النصرة" بمخالفة القرار وقمع المظاهرات من طرف واحد، لكن الجبهة حمّلت جميع فصائل الفتح المسؤولية، وهذا قول وافقه القاضي العام في الجيش عبد الله المحيسني.

هذا الضبابية في تلك الحلقة تكشفها أحداث المعرة، فالنصرة وحدها ودون غيرها تصدت لموقعة العلم، إنما الفانتازيا السورية تأبى إلا أن تعود وبقوة في مظاهرات مدن سرمدا وحارم ودركوش المجاورات لمعرة النعمان، إذ تختلط أعلام النصرة هناك بعلم الثورة في ود وصفاء.

في تفسير هذا التناقض، تـرجح فرضية أن النصرة نصرات، وكل حسب أميره وكل أمير حسب مفتيه، ليصبح دور الجولاني ضمن هذه الخيوط كقطبة مزدوجة محل شك بعد اليوم.

في الجبهة كما هو واضح حتى الآن، يمين ويمين اليمين وهناك من هو على وشك أن يصبح أقصى اليمين، وفي ضوء هذا التصنيف تعرضت النصرة في عامي 2014 و2015 لانشقاقات متتالية من عناصر يمّموا وجوههم شطر تنظيم الدولة، كما عانت الجبهة من ضعف الدعم الخارجي بالرجال والمال بعد سطوع نجم أبو بكرالبغدادي، يضاف إلى هذا ما تلقته النصرة في خواصرها الرخوة من طعنات على يد بعض فصائل الجيش الحر.

كل ما سبق دفع بقادة الجبهة لمحاولة التكتل على ما تبقى لديهم من عناصر، وهم ليسوا بالقليلين، والمزايدة عليهم أحيانا في الغلو خوفا من تفلّتهم، ولعل المظهر الأهم لهذا التكتل هو رفض الجولاني الانشقاق عن القاعدة والتخلي عن فكرة السلفية الجهادية العالمية لصالح المحلية.

كل ما قيل لا يعني أن المسؤول عن قمع مظاهرة معرة النعمان هم المتطرفون داخل النصرة وهم المهاجرون، فليس مستبعدا أن يكون القامع نصراويا معتدلا وسوريّاً وابن إدلب أيضا، لكنه ذو رأس حار مثله مثل كل من حمل السلاح ثم وجد نفسه فجأة يتقلّد أمر العامة، وأمور الناس لا يديرها إلا صاحب الرأس البارد.

أبو محمد المقدسي، أحد منظري السلفية الجهادية، يعلّق على موقعة العلم اليوم قائلا: اللهم ارفع راية التوحيد - يقصد راية النصرة -، ونكّس رايات التنديد - يقصد علم الثورة -.

قول المقدسي المسموع الكلمة في بطاح النصرة يشير إلى اقتراب مواجهة حاسمة داخل صفوف الجبهة بين من هم على هديه وبين من يرون أن معارك السلفية العالمية كانت مع طواحين الهواء أو كانت معارك مسبقة الصنع في أغلب الأحيان.

(سورية)
المساهمون