وشهد البرلمان الموريتاني صباح اليوم جلسة عاصفة عرفت تبادل الاتهامات بين نواب الأغلبية الحاكمة وبعض نواب المعارضة. وقد رفض النواب بأغلبية كبيرة مقترحاً تقدمت به النائبة المعارضة، المعلومة بنت بلال، لإدخال تعديلات على مشروع القانون المقدم من طرف الحكومة. وصوّت نواب حزب "تواصل" المعارض (16 نائباً) ضد مشروع القانون إضافة إلى نواب حزب "التحالف الشعبي التقدمي"، فيما صوت بقية النواب لصالح مشروع القانون وهم من أحزاب الأغلبية الحاكمة.ومن المتوقع، حسب الدستور الموريتاني، أن يصادق مجلس الشيوخ في وقت لاحق على التعديل الدستوري، ليعود مشروع التعديل الدستوري إلى الرئيس الذي سيبتّ بعدها في ما إذا كان سيطرحه على الشعب في استفتاء عام أم يعرضه على مؤتمر برلماني (غرفتي البرلمان)، وإذا حصل على الثلثين ستيم اعتماده بشكل نهائي.
وينص التعديل الدستوري الجديد على إلغاء مجلس الشيوخ واستبداله بمجالس جهوية مكلفة بالتنمية المحلية تعزيزاً للامركزية، كما تقول الحكومة، إضافة إلى تغيير العلم الوطني بإضافة شرطتين حمراوين أعلى وأسفل العلم الحالي للإشارة إلى دور المقاومة الوطنية خلال فترة الاستعمار. كما ينص التعديل على إلغاء محكمة العدل السامية المكلفة بمحاكمة رئيس الجمهورية على أن يكون من صلاحيات لجنة خاصة من الجمعية الوطنية محاكمة الرئيس والوزير الأول.ومن أبرز النقاط المثيرة للجدل في التعديل الدستوري الجديد مادة تنص على أنه "لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن أفعاله أثناء ممارسته لمهامه إلا في حالة الخيانة العظمى"، وهي المادة التي تعتبرها المعارضة تحصينا للرئيس الحالي قبيل مغادرته للسلطة بعد انتهاء مأموريته الحالية الأخيرة له، حسب الدستور.ويعتبر التعديل المقترح جزءاً من مخرجات الحوار السياسي الذي عقد فى شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ويحتاج تمرير التعديل الدستوري إلى ثلثي الأصوات فى الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ قبل أن يعود القانون لرئيس الجمهورية ليعيده إلى البرلمان (مؤتمر برلماني) أو يعرضه للاستفتاء الشعبي. وتتوفر الأغلبية الحاكمة على أكثرية مريحة فى البرلمان ومجلس الشيوخ، بينما لا تتوفر المعارضة إلا على عدد محدود من النواب حيث قاطعت غالبية أحزابها الانتخابات التشريعية عام 2013.وتعترض المعارضة فى المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة على التعديلات الدستورية الجديدة وتعتبرها "تمس رموزا وطنية" وتمت في ظل "غياب توافق وطني".وتستعد المعارضة لتنظيم تظاهرة شعبية ضد التعديلات الدستورية الجديدة كما شهدت الأيام الماضية مواجهات بين الشرطة وأنصار المعارضة فى محيط البرلمان وفى مدينة نواذيبو شمال البلاد.وقال المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة إن الشرطة اعتقلت عددا من نشطاء المعارضة فى نواكشوط ونواذيبو فى إطار تعبئتهم ضد التعديلات الدستورية الجديدة.وقال عضو مجلس الشيوخ عن حزب "تواصل" المعارض، القطب ولد محمد مولود، إن "إلغاء غرفة مجلس الشيوخ تراجع عن المكاسب الديمقراطية التي تحققت قبل النظام الحالي ونظام الغرفتين ضروري لديمقراطيتنا الوليدة والنصوص التشريعية بحاجة دائما إلى القراءة الثانية". وتابع في حديث لـ"العربي الجديد" قائلا: "حجة تكلفته الباهظة للميزانية غير صحيح هو يكلف الميزانية واحداً في الألف فقط، ولو نظرنا إلى المؤسسات هذه النظرة لكانت كثير من المؤسسات أولى بالإلغاء من مجلس الشيوخ".وشدد ولد محمد مولود على أن "مجلس الشيوخ يؤدي مهمته التشريعية بكل مسؤولية وجدارة والنظرة الانطباعية عنه لدى البعض سببها الغياب الإعلامي عن كثير مما يدور في أروقته وإلا فهو غرفة حيوية ومؤثرة وقد أوقف مشاريع قوانين قدمتها الحكومة كانت ستسبب ضررا للشعب الموريتاني وصادقت عليها الجمعية الوطنية".وتساءل ولد محمد مولود "ما وجه الإلحاح في هذه التغييرات؟ الدستور كله محصن ولا ينبغي المساس به أو تغييره في أوقات الأزمات وعدم الانسجام السياسي".وأكد ولد محمد مولود أن التعديل الدستوري إنما يهدف إلى "العبث برموز ومقدرات هذا الوطن، وتكريس ثقافة اللامبالاة وعدم الانتماء عند الأجيال الحالية والقادمة وقد كان الأولى ترتيب البيت الداخلي، قبيل انتهاء ولاية النظام الحالي وحل الأزمات المتراكمة، والوفاء بالعهود والوعود الانتخابية، والسعي لتحسين المستوى المعيشي للمواطنين. المواطن في بلدنا تتنازعه عدة أزمات؛ تدني التعليم وانعدام البنى التحتية والخدمات الصحية، في حين ترهق كاهله الضرائب، والمحسوبية، وتفشي البطالة".
قرار إخلاء سبيل المصوّرة الصحافية، الصغيرة، إسراء الطويل، من محبسها الاحتياطي، بعد مائتي يوم ويوم، من الاعتقال، شكّل دوامات من الفرح العام بهذا "الانتصار الصغير"، وسط محيط من الهزائم الإنسانية والخسائر الأخلاقية.
استند قرار المحكمة إلى ظروف صحية بالغة السوء، تعاني منها إسراء منذ القبض عليها، ولم يحرّك عكازها مشاعر السادة القضاة والسادة الضباط، في جهاز الشرطة وجهاز الإعلام، على السواء، وأمعنوا في التوحّش والاستئساد ضدها، على نحو بدا معه وكأن الدولة "الكبيرة" قد انتهت من كل معاركها في الخارج والداخل، فحشدت كل قواها وأسلحتها، المجرّمة دولياً، لمحاربة إسراء الطويل.
حتى وهي تتخذ قرار إخلاء السبيل، حرصت الدولة على عدم إعادة الحرية كاملة لإسراء، فجاء القرار مشروطاً بأن تلزم بيتها، لا تغادره إلا لتلقي العلاج، تحت الحراسة المشددة، ووضعها تحت المراقبة الدائمة، لمنعها من السفر والتحرك، إنْ فكّرت في ذلك.
غير أن هذه الغطرسة الرسمية، لم تَحُلْ دون وقت مستقطع من الفرح بقرار الإفراج عن واحدةٍ من بين أكثر من أربعين ألف معتقل وسجين ومختفٍ قسرياً، حسب تقديرات معلنة، مع الوضع في الاعتبار أن تقديرات أخرى ترتفع بالعدد إلى ما هو أكثر من ستين ألفاً بكثير.
ويجدر بالجميع، هنا، وهم يحتفلون بمنح إسراء كسرة من خبز الحرية، أن يتذكّروا عشرات الآلاف الآخرين، ممّن تنغلق أبواب السجون والمعتقلات على عظامهم، وينخر البرد والتعذيب والانتهاك في إنسانيتهم، فجميل أن نفرح ببعض الحرية المستحقة لإسراء، والأجمل ألا ننسى زميليها بالقضية نفسها، صهيب وعمر، وغيرهما من الآلاف المؤلفة من المظلومين المجهولين.
نغني لاستعادة إسراء، المشروطة، وخروجها من الزنزانة الضيقة إلى زنزانة أوسع، ونحن نعيد قراءة تقرير "العفو الدولية" عن مازن، طفل الرابعة عشرة، الذي عذّبوه، وانتهكوا آدميته في زنازين عبد الفتاح السيسي، والذي يروي طرفاً من الأهوال بقوله إنه "تم نقله بعد القبض عليه إلى مركز شرطة ثاني مدينة نصر يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتم تكثيف التعذيب، وأن شرجه أصيب نتيجة الاغتصاب المتكرر بعصا خشبية، بعد أن رفض الاعتراف بعضويته في جماعة الإخوان المسلمين، ومشاركته في الاحتجاجات وأسماء المتظاهرين الآخرين، حيث أخبروه بأنه سيتم نقله إلى الأمن الوطني، وحذّروه من أنه سيتعرّض لتعذيب أشد، ويتم القبض على والديه، إذا كان تراجع عن "اعترافه".
ما بين عكاز إسراء الطويل، الخشبي، وعصا اغتصاب مازن، الخشبية، تنحشر مصر السيسية، إذ تمضي عمليات تجريفها إنسانياً، وحرقها أخلاقياً، بحيث لا يبقى فيها إلا ناعقون وناعقات من عيّنة مظهر شاهين، الشيخ المعتزل، وعزمي مجاهد، اللاعب المعتزل، وكلاهما احترف الإعلام المكارثي، وداليا زيادة، الحقوقية التي اعتزلت الإنسانية، واحترفت الفاشية.
مظهر شاهين الذي سخر من عكاز إسراء الطويل، واعتبره "سيناريو خايب وبايخ وممل للاستعطاف"، ماذا يقول الآن عن قرار محكمة الجنايات بالإفراج عنها لظروف صحية، وتبرئة عكازها من التمثيل والادعاء؟
وماذا يقول عزمي مجاهد، بعد أن توعّد إسراء على الهواء مباشرة "هنحاسبك، ونخليكي تعيّطي دم كمان، مش دموع بس، لحد ما تتعلّمي يعني إيه وطن".
وما رأي داليا زيادة، مدير المركز المصري للدراسات الديمقراطية، وهي التي قالت "مش كل حد يعوج رجله أو يمسك عصاية أو يعيط يبقى بريء، وافتكروا فيلم محمد سلطان، وانتم بتتفرجوا على فيلم إسراء الطويل".
سيخلّد التاريخ عكاز إسراء الطويل، وسيضمه إلى متحف الإنسانية، بمفهومها النقي النظيف، وسيضع خشبة انتهاك الطفل مازن في عيون الأوغاد السفاحين، حين تغتسل مصر يوماً، عمّا قريب، من كل هذا القبح، وتتطهّر من كل هذا العار الحضاري.
في يوم عطلة، اصطحبت ابنَيَّ إلى قاعة سينما، في باريس. اختارا مشاهدةَ فيلم رسوم متحرّكة، وكنت أنوي أن أكون مجرّد مرافق، بل كنت أرجِّح الاهتمام، طيلةَ العرض، بشاشة هاتفي أكثر من الشاشة الفضّية.
ولكن سرعان ما أحسست، وأنا في القاعة، أنَّ الشريط يثير لديَّ اندهاشاً لا يقلّ عن اندهاش وَلَديَّ، بل ويفجّر فيَّ فرحة طفولية مثل فرحتهما، فتطلعت إثره إلى معرفة دقيقة بمخرجه وميزانيته وسائر حيثيات الشريط، وتشوقت إلى مراجعة آراء النقاد فيه، كما أثارَ في ذهني، بمجرّد انتهائه، العديد من القضايا مثل مكانة سينما الأطفال في المشهد الثقافي العربي، أو ما ينطبق عليه من نظريات فنية أزاولها بحكم العمل الأكاديمي.
الفيلم بعنوان "لِنُغَنّ" للمخرج الأميركي غارث ونينغس، وهو اليوم ظاهرة في عالم الأطفال، يؤدّي أدوارَه، كوكبة من الحيوانات، على مختلف فصائلها، وفيه نتابع قصة فنانٍ، من فصيلة الكوالا، يمتلك مسرحاً ورثه عن والده، ولكن أثقلته الديون، فلم يعد قادراً على تسديدها لقلة ما يتيحه الفن من الإيرادات.
وللخروج من هذه الضائقة قرّر، مع سكرتيرته، الحِرباء العجوز، ذات الهَيئة المتقادمة في لباسها وعينها البلورية، أن ينظّما مسابقة تكون جائزتها ألف دولار، وهو ما بالكاد تبقى من مُدّخراته.
غير أنها، وعند كتابة الإعلان، ارتعشت يداها وسقطت عينها البلورية على رقم الصفر في مفتاح الآلة الكاتبة، فانضاف صِفران إلى المبلغ المُقرّر ليصير مائة ألف دولار. طُبع الإعلان ووزّع في أرجاء المدينة بهذا الخطأ، فاستجاب له عشرات الحالمين بقطع مشوار في عالم الفن.
من بين آلاف المرشّحين، انتقى صاحب المسرح خمسةً لأداء عرضٍ ستقابله عوامل فشل كثيرة ليس أقلّها أن يكتشف المرشّحون بأن الجائزة التي يحلمون بها وهمية، لتتسارع الأحداث وتؤدّي إلى انهيار المشروع وبعده المسرح وبناؤه المتهرّم.
تعود هنا كل شخصية إلى عالمها، وتبدأ في اكتشاف أنَّ دوافعها تتجاوز الجائزة وفضاء العرض، فيقرّر جميعهم استنهاض صاحب المسرح من جديد حتى ينجزوا العرض الذي سيحقّق نجاحاً باهراً.
جمع الفيلم بين البساطة والتشعّب، وتعدّدت مستويات تأويله، وضمن ذلك استدعى - في رشاقة - قيم العزيمة والثقة بالنفس، وكانت شخوص الشريط كلها من الحيوانات (فيلة، فأرة، غوريلا، قنفذ، خنازير، أسماك...) تنحدر من كافة الفصائل الكبرى والصغرى، الوحشية والأليفة، وقد تم اختيارها مع رعاية المناسبة التامة بين الشخصية الحيوانية وما يحمله عنها المخيال الشعبي-العالمي من صور وتمثلات.
ووراء كل شخص ثمة قصةٌ أخرى كاملة، منفصلة عن الحبكة الرئيسية ومندمجة فيها، وهو استعمال لآلية الصَندقة، فتُدرج كل قصة داخل القصة-الأم، لِتتعَدَّدَ مستويات السرد وتتراكب في دوائر طريفة: أب مع ابنه، أم لخمس وعشرين صغيراً، صديقان عاشقان، صاحبة بنك على المال حريصة...
وليس الشريط مجرّد قصة رسوم متحركة، زاهية الألوان، بل يتوجه إلى الكبار أيضاً ويخاطب عقولهم عبر متانة التركيب القصصي الذي يكشف عن مكانة الفنّ في السياقات الرأسمالية المعاصرة، ويثير ذكريات المشاهدين بفسح المجال أمام خيارات موسيقية قديمة، فقد استرجع أصواتاً مثل ستيفي وندر وكوين...
وقد يكون الحديث عن هذا الشريط مناسبة لإثارة قضية أفلام الأطفال في العالم العربي التي غالباً ما يغيب عنها النص المتين والحبكة المحكمة وتفتر فيها الصنعة التقنية، ويظل خطابها مباشراً وسطحياً، تهيمن عليه المضامين الأخلاقوية، وهو ما يعكس أزمة هوية لدى المجتمعات العربية المتحولة، بل وينقلها إلى جيل الصغار، عبر الصور المتحركة.
وتدعو نجاحات مثل هذه الأفلام، الآتية من أميركا واليابان وأوروبا، إلى ضرورة القطع مع السطحية في مخاطبة الأطفال، فالفيلم الجيّد ينتزع انتباه مشاهده مهما كان عمره. لقد أصبح ضرورياً أن يعتني سينمائيونا (وحتى صنّاع الأدب) بالوسائل الأسلوبية التي تساعد في بناء حبكة عميقة ورشيقة، ومزاوجة الأفكار والرسائل الكبيرة بالخفة ووسائل الإضحاك، حتى نقطع مع أخلاقيات كليلة ودمنة. وسننتظر كيف سيدبلج شريط "لنغنِّ".
كاتبة وصحفية من الأردن