تستمرّ اقتحامات جيش الاحتلال الإسرائيلي لمناطق مختلفة من الضفة الغربية، بالتزامن مع التصعيد الإسرائيلي في حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، المستمرّة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وسيطرة الاحتلال على الجانب الفلسطيني من معبر رفح على الحدود مع مصر، وتكثيف الحملة العسكرية على مناطق شرقي رفح، بعد مطالبة السكان بمغادرتها.
وصباح اليوم الخميس، اقتحمت قوات الاحتلال مخيم شعفاط في القدس المحتلة وفجّرت منزل الشهيد فادي جمجوم، منفّذ عملية كريات ملاخي التي أدت إلى مقتل مستوطنين في فبراير/شباط الماضي، وأغلقت الطرق المؤدية إلى المخيم، ونشرت قناصتها في محيط المنزل.
وفجراً، اقتحمت قوات الاحتلال عدداً من بلدات الضفة الغربية، منها عوريف، قرية تل، برطعة، قباطية، قرية مثلث، الخليل، بلدتي حلحول وبيت أمر، رام الله، والبيرة. وأصيب شاب فلسطيني، صباح اليوم الخميس، خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة قلقيلية شمالي الضفة الغربية.
وحتى يوم أمس الأربعاء، بلغت حصيلة حملات الاعتقال في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر أكثر من 8640 شخصا، ترافقت مع جرائم وانتهاكات متصاعدة، منها عمليات تنكيل واعتداءات بالضرب المبرح، وتهديدات بحق المعتقلين وعائلاتهم، إلى جانب عمليات التخريب والتدمير الواسعة لمنازل المواطنين، ومصادرة المركبات، والأموال، ومصاغ الذهب، فضلاً عن عمليات التدمير الواسعة التي طاولت البنى التحتية، تحديداً في مخيمات طولكرم، وجنين ومخيمها، وفق ما ذكرته هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان.
هذه الحالة الموسمية من الهذيان السياسي، والصفاقة الوقحة، ضد الرئيس الأسير محمد مرسي، ليست غريبة ولا جديدة، إذ تندلع في مثل هذا الوقت من كل عام، فيما يشبه أعراض تغير الفصول على بعض المرضى النفسيين.
لكن جديد هذا العام أنها تتخذ طابعاً أكثر خسّةً ونذالةً من أطرافٍ يختبئون خلف وجوه جديدة ممن ألقت بهم حافلة الانقلاب العسكري على شواطئ المتوسط، فعبروا إلى الشمال، أو يمكنك القول إنه تم ابتعاثهم إلى شمال المتوسط، في مهام محدّدة.
تأتي هيستيريا إقصاء المقصي وإبادة المباد، هذه المرة، استجابة لوهمٍ جديدٍ زرعته السلطات في مصر، يقول إن ثمة تغييراً داخلياً وشيكاً في منظومة الحكم العسكري، بحيث يختفي الجنرال ويأتي جنرال آخر، وبالتالي تنشط جماعة متعاطي الأوهام في القيام بأدوار استباقيةٍ لتنظيف التربة تحت أقدام العسكري القادم.
وإمعاناً في الحبكة، لا بأس من إضافة عناصر أكثر إثارةً تضفي أجواءً تشبه ما يكتنف موضوع صفقة القرن الإقليمية، فتشتعل الثرثرة عن صفقة قادمة بين الإخوان والعسكر، لإيجاد مسوّغ للوثة النهش والخمش في أناسٍ مبتلعين في عتمة الزنازين منذ خمس سنوات، وتتجدّد معزوفات الافتراءات والأكاذيب، المنسوبة إلى مصادر خفية، بحق الرئيس محمد مرسي، واتهامه مرة بالاستبداد في الحكم، ومرّات بالضعف والخضوع للعسكر.
هنا، لابد من الاعتراف بقدرات سلطات عبد الفتاح السيسي في اللعب بكل الخيوط، وكل الأطراف، لتتأجج "العركة" بين المهزومين، ويزداد السباق الوهمي سخونةً بين مجموعة من المصابين بالكساح السياسي، فاقدي القدرة على فعل أي شيء، إلا النبش في الحواديت التي قتلت حكياً، من دون دليلٍ واحد على صحتها.
ومن هذه الحواديت واحدة تجري على ألسنة مختلفة، مؤدّاها أن الرئيس مرسي، وجماعة الإخوان، كانوا مطمئنين إلى أن الجنرال عبد الفتاح السيسي في جيبهم، وتبدأ السردية بعبارة "سمعتها منهم بنفسي في مقر الحكم"، حتى يخيل إليك أنها كانت بنداً ثابتاً في مراسم استقبال أي عابر سبيل يذهب لزيارتهم، وقبل أن يسألوك عن مشروبك المفضل، يرحبون بك قائلين "السيسي في جيبنا".
والثابت تاريخياً أن هذه العبارة أول ما تردّدت لم تكن على ألسنة الإخوان، كما لم يكن ناقلو رسالة الطمأنة إلى قصر الحكم، قبل الانقلاب بأسابيع، من الإخوان، مع الوضع في الاعتبار أن ناقل الخدعة، بحسن نية، ليس بمخادع.
وفي ذلك، تقرأ على موقع حزب الوسط، مثلاً، نقلاً عن موقع "اليوم السابع" بتاريخ 12 مايو/ أيار 2013 أن ثلاثي القيادة العليا اجتمع مع قادة القوات المسلحة الذين أكّدوا لوفد الحزب، احترامهم رئيس مصر المنتخب، أيا كان اسمه، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وقال نائب رئيس الحزب، عصام سلطان، إن "القادة شدّدوا على أن الجيش لن يخوض أية معارك سياسية بالنيابة عن فصيل سياسي، خاصة إذا كان هذا الفصيل ليس له وجود في الشارع المصري". وأوضح سلطان "أن الحزب مطمئن إلى أن قيادات الجيش لن تنخدع بمقالات مدح مدبرة، أو نشر فيديوهات استعطاف لاستمالة الجيش لتغيير قراره، مؤكدا أن القوات المسلحة عازمة منذ البداية على عدم العودة إلى الحياة السياسية".
أخيراً، ليس من المروءة في شيء، أن تختبئ خلف السواتر، وتأتي بفأر تدهنه بالكيروسين وتشعل فيه النار، وتطلقه في مخازن التاريخ القريب جداً، لتشتعل حرائق الإدانة لمن لا يملكون حق الرد. كما أن من السذاجة أن يتخيّل أحدٌ أنه سيحصل من العسكري اللاحق على أفضل مما حصل عليه من العسكري السابق، فمن يفعل ذلك إما غبي أو سمسار في جمعية "أي بيادة في رغيف" المنبثقة عن الشركة القابضة للاصطفاف الوهمي.