في إيطاليا، التي تستعدّ لإجراء انتخابات برلمانية بعد أيام، لا نكاد نعثر على اسم وازن لمثقّف مستقلّ يرضى بالترويج للنموذج الثقافي المعولَم الذي يطرحه اليسار اليوم، بل إنّ الخِطاب اليساري يبدو وكأنّه يدفع الناخب الإيطالي إلى إعطاء صوته لليمين.
يتوقّف الشاعر والناقد الإيطالي في كتابه "ما الطبيعة؟ اسألوا الشعراء" عند ظاهرة التماهي بين الشعر والطبيعة، وكيف يترجم الشعراء تلك العلاقة، وهو إذ ينتقد الاستعراضات المحزنة في استلهام الأزمات البيئية وإقحامها في الشعر، يراها عجزاً عن فهم الاثنين معاً.
لا يدع العمل، الذي يصفه ناشره بأنه "الأنطولولوجيا الإيطالية الأولى من نوعها عن الأدب العربي بفروعه المتعدّدة"، أيّ مجال للشك في أن مستعربي إيطاليا لا يميّزون بين الأدب بالمعنى الاصطلاحي والأدبيات الدعائية بمختلف أشكالها حين يتعلق الأمر بالأدب العربي.
أكثرُ ما يثير استغراب الإيطاليّين في الانحدار الفنّي الذي تعيشه بلادهم اليوم هو حصوله على مباركة رسمية؛ إذ تحوَّل مغنّ رديء إلى شبه ناطق رسمي لحكومات ما بعد كورونا التي أصبحت تدفع به للواجهة من أجل الترويج لأي قانون جديد ترغب في تمريره.
في الكتاب الصادر حديثاً بالإيطالية، يقدّم كلّ من الكاتبة فرانتشيسكا بيلّينو والرسّام جانلوكا بوتولو قصّة بروحٍ عربية، وذلك بعيداً عن الرسائل الاستلابية التي تسعى لخلع الشعوب عن وعائها الحضاري الطبيعي صابّةً إياها في قالب موحّد هو قالب العولمة.
التصاق الشاعر الإيطالي بأماكن يهجرها الجميع ومحاولةُ الحفر فيها، جعلا لغته الشعرية تتفجر على مفارقة يطلق عليها الأنثروبولوجي فيتو تيتي "التجربة الفعلية والمؤلمة لمعنى الاغتراب"، وهي ذلك الشعور المؤلم الذي يجتاح من اختار الانغراس في أماكن تركها أهلها.
في روايتها المصوّرة "صديقي المفضّل فاشيٌّ"، تحكي الفنانة التونسية ــ الإيطالية معاناة المسلمين في مجتمع أوروبي لا يكفّ أفراده عن التحديق بهم، وعن "تعليمهم" معنى الحرية والنِّسوية والديمقراطية. عملٌ يدعو لإعادة النظر في التقسيمات السياسية التقليدية.
في السنوات الأخيرة، برزت في إيطاليا كتبٌ عن المنطقة العربية تضع الأيديولوجيا جانباً وتركّز على الملامح الثقافية، بعيداً عن الاصطفافات السياسية، ومِن أبرزها سلسلةٌ بعنوان "رحلات في الشرق" تضمّنت كتباً للباحثَيْن والمستعربين الإيطاليّين.
لطالما كانت أصداء القضية الفلسطينية في إيطاليا مرتبطة باليسار المشغول بالنضال عبر الاجتماعات والمهرجانات وبالتمجيد الكلامي للضحايا و"الأقليات". لكنّ مقاومة الشعب الفلسطيني متعددة الأدوات، ودفاعه عن أرضه، أثبتا أن الغرب لا يحترم إلا مَن يدافع عن نفسه.
في الوقت الذي اعتُبرت خطابات "اليهودي الكاره لنفسه" معاديةً للسامية، قد يكون من المناسب لمراكز البحوث العربية دراسة وتشريح ظاهرة "العربي ـ المسلم الكاره لنفسه" لأن دوره في تفشي الإسلاموفوبيا في العالم غدا ظاهراً أكثر من أي وقت مضى.
