"آبيك": بوتين من دون سلاح جديد في الصين

"آبيك": بوتين من دون سلاح جديد في الصين

11 نوفمبر 2014
يحاول بوتين حماية "استثماره" الصيني (ساشا موردوفيتس/Getty)
+ الخط -
تعيش روسيا فترة عصيبة من تاريخها، سياسياً واقتصادياً، فللتظاهر بالقوة ثمن باهظ قد تضطر موسكو إلى تسديده، فيما هي لا تملك تسديد فاتورة ادعاءاتها حتى الآن. وتمّ استخدام سلاح الغاز، كما يبدو، حتى أقصاه، باتجاه الشراكة مع الصين من جهة، وكأداة للضغط على أوروبا من جهة أخرى. من جهتها، تبدو الصين باقتصادها العملاق وسياستها الباردة، وكأنها تكسب استراتيجياً من دون أن تخوض صراعات مباشرة، فما الذي يمكن أن تكسبه روسيا باقتصادها المهزوز وسياساتها الساخنة؟

في منتدى "دول آسيا ـ المحيط الهادئ" (آبيك)، تخوض موسكو جولة جديدة لتحسين مواقعها الاقتصادية وعينها على السياسة دائماً. لكنها تفتقر إلى ضمانات في أن تكسب شيئاً، خصوصاً أن شركاءها لا يبدون الحماسة المتوخاة للتكامل مع "المشروع الأوراسي" و"الاتحاد الجمركي"، أداتي روسيا الضعيفتين إلى الآن. كما لا يبدو إلى الآن، أن تنبيه موسكو شركاءها إلى مخاطر المشروع الأميركي المتمثل بإقامة بنية تجارة "عابرة للمحيط الهادئ"، يزيد من حظوظها في كسب حلفاء جدد لسياسات الكرملين.

وبدأت أعمال القمة العاصمة الصينية بكين في 9 نوفمبر/تشرين الثاني، على أن تنتهي اليوم الثلاثاء. وتدور حول موضوع "صياغة المستقبل من خلال شراكة آسيا والمحيط الهادئ". وتمّ تأسيس المنتدى، الذي يدخل في عداده 21 اقتصاداً عالمياً، في عام 1989 في العاصمة الأسترالية كانبيرا، وانضمت إليه روسيا في عام 1998.

ووفقاً لوكالة "إيتار تاس"، فإن حصة أعضاء "آبيك" تبلغ 57 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و48 في المائة من حجم التجارة الدولية، وأكثر من 40 في المائة من الاستثمار الأجنبي المباشر، وأكثر من 40 في المائة من سكان العالم.

لكن هذه الأرقام لا تغيّر شيئاً في واقع المخاطر التي تتهدد الاقتصاد الروسي، وتتعاظم يوماً عن آخر مع وضوح تأثير العقوبات الاقتصادية والسياسات الاقتصادية الروسية الداخلية المريبة، كون موسكو لا تجد حتى الآن سنداً لسياساتها هنا، وإن كانت الصين تعارض العقوبات على روسيا.

تريد موسكو من "آبيك" في دورته الحالية أن يستجيب لرغبتها وحاجتها في إيجاد آليات تكامل مع مشاريع "المجموعة الاقتصادية الأوراسية" و"الاتحاد الجمركي"، المنظمتين اللتين أنشأتهما لإيجاد شركاء مضطرين إلى التحالف سياسيا تحت ضغط الاقتصاد.

علماً بأن أياً من روسيا أو كازاخستان أو روسيا البيضاء، لا تنتظر تحقق مبتغاها في قمة "آبيك". فللأعضاء الآخرين مشاريعهم وارتباطاتهم، التي لا تصبّ في مصلحة قوة موسكو، على الرغم من محاولة الأخيرة استنهاض ذاكرة المطامع الأميركية وعدوانية سياستها واستغلاليتها، كعامل مشترك يجمع روسيا مع كثير من بلدان آسيا.

وأما على مستوى الطموح الروسي، فالحديث، يدور عن رغبة روسيا وشركائها، في فضاء الاتحاد السوفييتي السابق، في الجمع بين التكامل الأوراسي ومشاريع آسيا ـ المحيط الهادئ. وتطمح موسكو من خلال ذلك، إلى لعب دور مفصلي في الربط بين "أوراسيا" و"آبيك"، وامتلاك أداة ضغط في صراعاتها الجيوسياسية.

إلا أن النجاحات التي بيد موسكو إلى الآن، لا تتعدّى "إعلان فيتنام" وعدد من بلدان "آبيك"، في منتدى "فلاديفوستوك 2012"، عن رغبتها في إقامة منطقة تجارة حرة مع روسيا الاتحادية، وقد مضى عليه عامان دون إحراز تقدم عملي.

ولكن أين موسكو من الحرب الاقتصادية الباردة بين بكين وواشنطن؟ من المعروف أن الولايات المتحدة تنهك أعداءها اقتصادياً لتسهل السيطرة عليهم، الأمر الذي لا تستطيعه مع الصين ذات الاقتصاد الأكبر في العالم اليوم. أما مع روسيا فقد تتمكن من ذلك، للمرة الثانية، بعد أن أجهزت على الاتحاد السوفييتي وعلى مقومات إقامة دولة قوية على أنقاضه.

وسبق للصين أن استضافت منتدى "آبيك" سنة 2001 في مدينة شنغهاي. وحينها كانت المهمات المطروحة أمامها وأمام المنتدى مختلفة عما هي عليه اليوم، فالصين كانت يومها في بداية طريقها نحو هذا الزخم الاقتصادي، وكانت قد اطمأنت إلى أن أي "بيريسترويكا" (إعادة البناء) لن تقوم على أرضها، بعد أن سحقت محاولات قيامها بقسوة.

غير أنه في ذلك الوقت، لم تكن الولايات المتحدة قد أسست "الفضاء الاقتصادي العابر للمحيط الهادئ" بعد، الذي جرت جولة مفاوضات، العام الماضي، من أجل إقامة منطقة تجارة حرة على خلفيته، ودُعيت اليابان للانضمام إلى تلك المفاوضات، في حين لم تتلقّ روسيا أو الصين دعوة مشابهة.

وعلى طريقتها، تحاول موسكو توجيه أنظار بكين إلى أن هذا المشروع موجه لنسف "آبيك" ومصالح الصين الإقليمية، وأنه يأتي كمحاولة أميركية للتقليل من إمكانية تكامل الصين مع محيطها الإقليمي. كما تنبّه موسكو شريكتها، ولكن ليس حليفتها، لأن الصين لا تدخل في أحلاف مع أحد، إلى تزايد احتمال تصادم مصالحها مع مصالح الولايات المتحدة في إقليم آسيا ـ المحيط الهادئ. إلا أن بكين التي تعمل بهدوء، تدرك الأبعاد السياسية لخطاب الكرملين وترسم لسياسات بعيدة المدى تضمن مصالحها، بصرف النظر عن أهواء الكرملين، بل على حساب روسيا حين يقتضي الأمر ذلك.

فالصين، حتى الآن، لا تتخلف عن الولايات المتحدة في مشاريعها التكاملية، على ساحة آسيا ـ المحيط الهادئ. فهي تعمل بنجاح ضمن صيغة "آسيان + 1" أي "آسيا + الصين". علماً بأن "آسيان" هي المنظمة السياسية والاقتصادية والثقافية الإقليمية، التي تجمع بلدان جنوب شرق آسيا، منذ 2011، كما أن الصين تعمل بفاعلية ضمن صيغة "آسيان + 6"، السداسية التي تجمعها مع بلدان عدة، منها اليابان وكوريا الجنوبية والهند ونيوزيلندا. فتضمن بكين بالتالي، خلافاً لموسكو، نواة صلبة في قلب "آبيك". بينما تحاول موسكو ربط مشروعها الأوراسي به، لتحقيق وزن سياسي عبر الاقتصاد، مفقود إلى الآن.

وأما الأميركيون، فمن خلال إدراكهم أهمية التنوّع الاقتصادي والسياسي الصيني وخطورته، فيحاولون في إطار "الفضاء العابر للمحيط الهادي"، تمرير النقاط التي لم يتم التوافق عليها في إطار "آبيك"، لتشكيل تجمّعاً موازياً.

ويبدو أن التشبث بالشراكة مع بكين، هو خيار موسكو، الذي لا تملك بديلاً عنه بعد. فإلى جانب نفي احتمال لقاء ثنائي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي باراك أوباما على هامش أعمال "آبيك"، يؤكد الرئيس الروسي على ضرورة تعزيز علاقات بلاده الاستراتيجية مع الصين.

ونقلت وكالة "تاس" في 7 نوفمبر الماضي، قول مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، ردّاً على سؤال عمّا إذا كان بوتين يخطط للاجتماع بأوباما "حالياً لا يجري التحضير لمثل هذا اللقاء، ولكنّ لدى الزعيمين فرصاً جيدة للحديث". مقارنة بقول بوتين في لقائه مع الصحافة الصينية، يوم 6 نوفمبر، حين تحدّث عن "تعزيز العلاقات مع جمهورية الصين الشعبية، كأولوية في السياسة الخارجية الروسية. وقد بلغت علاقاتنا اليوم مستوى جديداً من المساواة والشراكة الثنائية الشاملة، المبنية على الثقة والتفاعل الاستراتيجي، وهي الأفضل في تاريخها".

وذكّر بوتين بعقد الغاز الذي تم إبرامه مع الصين لمدة 30 عاماً، بمعدل 38 مليار متر مكعب في السنة، "إنها الصفقة الأكبر في تاريخ العلاقات بين البلدين وفي التجارة العالمية عموماً". بينما نقل موقع الكرملين الرسمي "كرملين.رو"، عن بوتين وصفه لمشروع "الفضاء العابر للمحيط الهادئ"، بـ "محاولة جديدة تقوم بها الولايات المتحدة لإنشاء بنية تعاون اقتصادي إقليمية تصب في مصلحتها. وفي الوقت نفسه أستبعد أن يتيح غياب لاعبين إقليميين كبار كروسيا والصين عن هذه البنية، إقامة تعاون تجاري اقتصادي فاعل".

فهل لدى موسكو إمكانية للتعطيل؟ ما يبدو واضحاً حتى الآن، أن موسكو استخدمت جميع أوراقها لتأكيد وجودها كقوة عظمى، ولذلك عادت إلى تطوير السلاح بالمعنى المباشر، حتى على حساب موازنات الصحة والتعليم، ما ينذر بمزيد من الضعف.

المساهمون