آمنة التي لم تنجب ذكوراً

آمنة التي لم تنجب ذكوراً

06 مارس 2016
سعت وراء الرزق من مكان إلى مكان (العربي الجديد)
+ الخط -

لم تنجب الستينية آمنة زيدان أولاداً ذكوراً، من المفترض أن يعيلوها عندما تتقدّم في السنّ، بحسب ما هو شائع في المجتمعات العربية. هذه حسرتها. وها هي اليوم تعيش وحيدة في بيتها المتواضع في مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا (جنوب لبنان)، بعدما زوّجت ابنتيها. عانت كثيراً في حياتها، وهي اليوم تعيل نفسها من عملها في مطعم للفول والحمص في منطقة الحسبة في صيدا.

عند ساعات الصباح الأولى، تخرج آمنة من بيتها وتتجه إلى عملها. تقشّر البصل والثوم وتنظف الفول والحمص من الشوائب قبل عمليتي الغسل والسلق. تخبر أنها صارت تتعب كثيراً وما تتقاضاه لا يكفيها، إذ لا تستطيع تأمين بدل إيجار منزلها وقد تراكمت الديون عليها. يُذكر أنها تساعد أيضاً ابنتيها اللتين تزوجتا قبل زمن.

ولدت آمنة التي تُعرف بأم هيثم، في مخيم المية ومية (شرق مدينة صيدا) الذي لجأ أهلها إليه بعدما تركوا بلدتهم الطيرة في فلسطين. لكنها انتقلت منه إلى بيروت بعدما تزوجت. وعندما توفي زوجها وتركها مع طفلتين، اضطرت إلى العمل في مجالات عدة، هي التي لا تحمل أي شهادات.

أم هيثم من المناضلات في سبيل القضية الفلسطينية. وكانت تنشط مستعينة بلهجتها اللبنانية وبهوية لبنانية تسمح لها بالدخول والخروج من مخيّم صبرا وشاتيلا متى شاءت. كانت تدخل بصفة بائعة للصحف، لكنها في حقيقة الأمر كانت تحمل مخصصات عناصر حركة فتح، وتؤمن لهم ما يحتاجونه. كذلك كانت تنقل مواد خاصة بالطبابة الخفيفة إلى مستشفى الهلال الأحمر في المخيّم، خصوصاً حين حوصرت المخيمات. وبعد فكّ الحصار، عادت إلى حياتها الطبيعية لتعمل في مقرات الحركة بالنظافة وغيرها. من ثم، صارت تتنقل من مكان إلى آخر لتعمل في مطاعم وجبات سريعة وفي التنظيف وغير ذلك، إلى أن حطت رحالها في مخيم الرشيدية متزوّجة من رجل لديه خمسة أولاد. رّبتهم وفتحت مشروعاً صغيراً لبيع الدجاج الطازج، وبعد عشر سنوات من زواجها وبعدما كبر أبناء زوجها، جعلوها تترك البيت عنوة. تركت مخيم الرشيدية لتعود إلى مخيم عين الحلوة وتستقر فيه.

اقرأ أيضاً: فتاة لبنانيّة في محلّ للخرضوات

وتشكو آمنة التي أتعبها الزمن في سعيها وراء الرزق من مكان إلى مكان، من أنها "أرملة منذ زمن طويل، لا زوج يعيلني ولا أولاد ذكور يعتنون بي. تجاوزت الستين من عمري، وما أتقاضاه من أجر لقاء عملي في مطعم الفول والحمص لا يكفيني ولا يساعدني حتى على تأمين بدل إيجار منزلي المتواضع جداً في عين الحلوة ولا احتياجاتي المعيشية الأخرى". تضيف: "في أكثر الأوقات، أعود إلى البيت سيراً على الأقدام حتى أوفّر تكلفة سيارة الأجرة، علماً أن البيت بعيد عن مكان عملي. لكنني مضطرة إلى التوفير لأتمكن من إعالة نفسي وتأمين احتياجاتي الضرورية الأخرى". تجدر الإشارة إلى أن بدل إيجار بيتها مائة ألف ليرة لبنانية (نحو 67 دولاراً أميركياً) فقط، وهو بالنسبة إلى بدلات الإيجار الأخرى مبلغ زهيد. لكن مع ذلك "أعجز عن تأمينها. واليوم بعد مكوثي فيه عشر سنوات، أنا مضطرة إلى أتركه، لأن صاحبته طالبتني فيه. هو بيتها ومن حقها ذلك. وأنا أبحث حالياً عن بيت آخر، إيجاره بسيط أيضاً. لكني حتى الآن لم أعثر على واحد بعد".

تتابع آمنة قائلة: "على الرغم من أنني أتعب في عملي كثيراً ولا يكفيني ما أنتجه، إلا أنني أبحث عن عمل آخر بعد الظهر بعد انتهاء دوامي هنا في محل الفول، حتى أستطيع سدّ الديون التي تراكمت عليّ ولا أمدّ يدي لأحد سائلة إياه عن حاجة". وتشير إلى أنها قبل زواج ابنتها الصغرى، "كنت أتقاضى راتباً من الشؤون التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، عن زوجي المتوفى الذي كان منتمياً سياسياً لحركة فتح. لكن بعد ذلك، توقف الراتب بحجة أن ابنتي تزوجت ولا يحق لي به إذ إنني عدت وتزوجت. كذلك فإن خدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) توقفت عن تقديم خدماتها، التي كانت توفر لنا العلاج والدواء. بالتالي، لا أستطيع أن أتعالج من أي مرض قد أصاب به، لأنني لا أملك ما يكفي من مال".

اقرأ أيضاً: عبير سمهون محاسِبة شابة تعبّئ الوقود للسيارات

المساهمون