أن نفكر عربياً في الحرية

أن نفكر عربياً في الحرية

14 مارس 2016
(من المحاضرة الافتتاحية لليوم الثاني/ العربي الجديد)
+ الخط -

تفسيرات وقراءات عديدة قدمها المشاركون في جلسات اليوم الثاني من "المؤتمر السنوي الخامس للعلوم الاجتماعية والإنسانية" حول الديمقراطية والحرية وعلاقة الأخيرة بالدولة، وفي ما لو كانت الحرية تأتي دائماً على حساب الدولة، وكيف يساهم هذا التفسير في فتح مجال أمام الاستبداد للتوسّع في كافة قطاعات المجتمع والقبول بحريات انتقائية.

وعليه، وعلى مدار سنين عددية، طُرحت أسئلة عددية تتناول مفهوم الحرية وخصوصاً بعد "الربيع العربي"، يتمحور جلّها في ما إذا كانت الحرية قيمة أم مفهوماً؟ وماذا يعني أن نفكّر عربياً في الحرية؟ وما هي السمات التي تنشأ بها ثقافة الحرية؟ وما هي جوانب الاجتهاد التي طوّرها الفكر العربي المعاصر في ما يخص مفهوم الحرية؟

أسئلة عديدة حاول المؤتمر الذي يقيمه "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة، الإجابة عليها، من خلال محاور عدة تمثلت في: "سؤال الحرية في الفكر العربي المعاصر"، و"الحرية في الإنتاج الفكري والفلسفي العربي المعاصر"، و"الليبرالية في مقاربات الفكر العربي الحديث للحرية"، و"الحرية في البيئة الثقافية والاجتماعية والسياسية العربية".

تناول المشاركون علاقة المثقف العربي والدولة بالحرية، وكيف يساهم غياب تعريف للحرية كمفهوم في فوضى المعاني التي نشهدها اليوم، حيث إن المفهوم غير متبلور في الثقافة العربية الإسلامية الكلاسيكية، وحتى حين نقع عليه فهو غير مكتمل.

على هذا قدّم الباحث عبد الرزاق بلعقروز مداخلته، فرأى أن العقل العربي أدرك أهمية الحرية المفهومية بوصفها شرطاً للخروج من فوضى الفعل المباشر إلى نظام الفعل الذي تنبسط فيه الذات وماهيتها تاريخياً، وبالتالي تكمن الأهمية في الاشتغال على الصناعة المفهومية شرطاً مسبقاً للممارسة الفعلية لإنجاز الفعل الحرّ النوعي والإبداعي.

وأضاف: "تكمن مهمة الفيلسوف في أن يضع آفاقاً معرفية جديدة، فأزمة العقل العربي هي أنه لا يُوظف جيداً في الإبداع والتجديد. كما أن الحرية في الفلسفة العربية مضطربة اليوم بسبب عدم اكتسابها لمفاهيم جديدة تنقلها إلى الفضاء المنشود، فالعقل الحر مرتبط بابتداع مفاهيم جديدة".

المقاربة الواقعية الأكثر فاعلية في الجلسات، تمثلت في مفهوم الحرية وخصوصاً لدى الإسلاميين، فكانت تونس المثال الأنسب للحديث عن الحرية في بلدان "الربيع العربي" في تمثل كل من راشد الغنوشي ومنصف المرزوقي، إذ رأى الباحث علي صالح المولى، أن الغنوشي شأنه شأن الإسلاميين جميعاً لم يستطع أن "يحرّر" الحرية من الإطار الإسلامي، فالغنوشي أقام أطروحته في الحرية على مقدمات نظرية حول أصل الخلق ووظيفة العمران ومسؤولية الإنسان في الإسلام، في إطار فكرة كلاسيكية تنهض على مبدأ التعارض مع فلسفات الغرب ومبادئه.

وهو بذلك يقطع كلياً مع العقل الإصلاحي ويُنشئ في إطار المسلك الأصولي عامة، والإخواني بخاصة، رؤيته للحرية. ففكرة التأصيل كانت على الدوام منطقة مخاطر كبرى، كثيراً ما تبخّرت فيها الجهود فتحوّلت إلى ممارسة أيديولوجية لا غير، وعليه يرى المولى أن "المعضلة التي تعاني منها الحرية الإسلامية هي المثالية التي تمنعها من العيش مع متطلبات الواقع".

وعلى هذا أسّس شاكر الحوكي مداخلته، فعلّق بأن مفهوم الحرية لدى المرزوقي مختلف فهو يشكّل لديه أساس دولة وطنية لا علاقة لها بالدولة الإسلامية، حيث إن المرزوقي اهتم فقط بحقوق الإنسان واحترام الهوية والبحث عن الإطار للعيش المشترك. وعلل الباحثان، بأن غياب الرؤى المتناغمة بين الرجلين أدّى إلى فشل الخط الثوري في ترويض الخط الإصلاحي أو التعايش معه في تونس.

بينما حاول الباحث المنجي السرباجي، توضيح المشكل الذي يواجه الباحث العربي المعاصر لدى التفكير بالحرية. ويخلص السرياجي إلى ضرورة مباشرة سؤال الحرية استناداً إلى عقلانية معيارية قادرة على تجاوز الاختزال الوظيفي الذي لحق بالعقل السياسي عندما تم تحويله إلى تقنية تسويغ للسلطة القائمة. وعليه، فإن التنظيم المؤسسي يمكن أن يشكل ضماناً موضوعياً لأوسع مجال من الحريات، مع أهمية الحفاظ على الحياد العقائدي والأخلاقي لدولة القانون والديمقراطية.

بينما جاءت مشاركة الباحثة ثناء فؤاد عبد الله حول الحرية الليبرالية، قاسية بعض الشيء، فرمت إلى فشل المثقف الليبرالي في توضيح معنى الحرية، فهو لم يستطع تجديد نفسه ومفهومه للحرية على مر السنين.

من حهته، أثار الباحث إبراهيم القادري بوتشيش، النقاش الفكري الدائر حالياً بشأن مرجعيات حرية المرأة بالمغرب وترسيم حدودها، وذلك في ضوء التدافع بين الحركات الإسلامية المسنودة بالمرجعيات الدينية والجبهة الحداثية المتشبعة بالمرجعية الكونية والمواثيق الدولية، وخلص الباحث بالتأكيد على الحاجة إلى تحرير العقلية الذكورية التي تنتج النصوص القانونية، وأيضاً تحرير عقلية المرأة التي ترى بأن الرجل ما زال يرمز إلى مبدأ القوامة والحماية عليها، فهذا، وبرأي بوتشيش، لن يساهم في حرية النساء المغربيات.


اقرأ أيضاً: "الدين والعلمانية": جدلية التحديد والتمايز 

المساهمون