البرلمان المصري نحو تمرير متعجل لقانون الجمعيات بمحظورات جديدة

البرلمان المصري نحو تمرير متعجل لقانون الجمعيات بمحظورات جديدة

14 يوليو 2019
تم تأجيل انتهاء الدورة البرلمانية لإقرار مشروع القانون(العربي الجديد)
+ الخط -

يتجه البرلمان المصري إلى تمرير متعجل، اليوم الأحد، ومن دون مناقشة موسعة، لمشروع قانون العمل الأهلي الجديد، بعدما تم تأجيل انتهاء الدورة البرلمانية الرابعة من الفصل التشريعي الحالي لمدة 48 ساعة، خصيصاً لإقرار هذا المشروع. وكانت "العربي الجديد" قد انفردت في 5 يوليو/تموز الحالي بنشر ملامح مشروع القانون وأهم نصوصه الجديدة، ثم نشرت الأربعاء الماضي بعض ردود الفعل الدبلوماسية الغربية المتحفّظة على ما حمله من مستجدات تتعلق بتنظيم عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية المدعومة من دوائر ومؤسسات كبرى في العواصم الغربية، وعلى رأسها واشنطن، وكذلك فروع المنظمات الإقليمية العاملة في مجالات التنمية الاجتماعية وحقوق الإنسان.

وقال مصدر حكومي في وزارة التضامن الاجتماعي، المنوط بها تطبيق القانون، إن الرئيس عبد الفتاح السيسي ودائرته الخاصة، وعلى رأسها مدير المخابرات عباس كامل، ونجل الرئيس محمود السيسي، ومستشارته لشؤون الأمن القومي فايزة أبو النجا، اتفقوا على أن هذا التوقيت هو المناسب لإقرار القانون تمهيداً لإصداره، قبل حضور السيسي اجتماعات قمة السبع الكبار في فرنسا، نهاية أغسطس/آب المقبل، وذلك تنفيذاً للتعهدات التي قطعها للقادة الغربيين، وعلى رأسهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لتسهيل عمل المنظمات الأجنبية في مصر. وأضاف المصدر أنه على الرغم من وجود معارضة، وصفها بـ"المحدودة"، من قبل الدوائر الدبلوماسية الغربية لبعض مواد المشروع، إلا أن معظم السفارات المعنية أكدت أنه "يحقق تقدّماً في التعامل مع المنظمات الأجنبية، بسبب إلغاء الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية، والذي كان سيُشكّل بقرار جمهوري بعضوية ممثلين لجميع الأجهزة السيادية، كالمخابرات العامة والرقابة الإدارية والداخلية والدفاع، وتخفيف قيود العمل والترخيص للمنظمات الأجنبية، وإلغاء عقوبات الحبس على عكس القانون الحالي الذي سيتم إلغاؤه 70 لسنة 2017".

وأوضح المصدر أنه تم في اللحظات الأخيرة إدخال بعض التعديلات على النسخة النهائية المتداولة حالياً في مجلس النواب، خصوصاً في المادة 16 التي تنصّ على المحظورات التي يجب على الجمعيات تلافيها. فالصيغة القديمة التي كان يتضمّنها المشروع الأول (الذي عرض على الدوائر الغربية) كانت تنصّ صراحة على منع الوزارة المختصة ومحكمة القضاء الإداري من حظر مباشرة الجمعيات لأي نشاط، إلا في أحوال محددة، أما الصيغة الجديدة فابتعدت عن فكرة "منع حظر مباشرة النشاط" واتجهت إلى "الحظر المباشر لممارسة بعض الأنشطة"، ما يجعل المادة تقع على عاتق الجمعيات وحدها، كما تسمح ضمنياً بأن تُحظر الوزارة أو المحكمة المختصة ممارسة النشاط في حالات أخرى غير المنصوص عليها على سبيل الحصر.

وتتضمن قائمة المحظورات الآتي: إذا تم النشاط بالمخالفة لأغراض الجمعية التي تم الإخطار بها، وإذا تعلق بالأنشطة السياسية والحزبية والنقابية وفقاً للقوانين المنظمة لها، وتكوين الجمعيات السرية أو السرايا أو التشكيلات ذات الطابع السري أو العسكري أو شبه العسكري، وممارسة أنشطة من شأنها الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة أو الوحدة الوطنية أو الأمن القومي. وهذه العبارة الأخيرة تعجّ بالألفاظ المائعة حمّالة الأوجه من دون توضيح المقصود بها، ما يسمح بتوسيع مساحة التجريم. وتتضمن المحظورات أيضاً الدعوة إلى التمييز بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الدين أو العقيدة، أو أي نشاط يدعو إلى العنصرية أو الحض على الكراهية أو غير ذلك من الأسباب المخالفة للدستور والقانون، والمشاركة في تمويل أو دعم أو ترويج الأحزاب والحملات الانتخابية لأي مرشح في الانتخابات، وكذا الاستفتاءات أو تقديم مرشح في تلك الانتخابات والاستفتاءات باسم الجمعية. وكذلك منح أية شهادات، علمية أو مهنية، من دون التصريح من الجهة الإدارية أو الجهات المعنية، أو من دون الشراكة الرسمية مع إحدى الجامعات المتخصصة أو الجهات المختصة وفقاً للقواعد المنظّمة لذلك، والصادرة من المجلس الأعلى للجامعات. وهذه العبارة الأخيرة تحمل تيسيراً لمسألة منح الشهادات لأنها في القوانين السابقة كانت محظورة على الإطلاق.



وتشمل المحظورات كذلك ممارسة أية أنشطة تتطلب ترخيصاً من جهة حكومية، وذلك قبل الحصول على الترخيص من الجهة المعنية، واستهداف تحقيق ربح لأعضاء الجمعية أو ممارسة نشاط يهدف إلى ذلك، وإجراء استطلاعات الرأي أو نشر أو إتاحة نتائجها، أو إجراء الأبحاث الميدانية أو عرض نتائجها قبل موافقة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء للتأكد من سلامتها وحيادها وتعلقها بنشاط الجمعية، وإبرام اتفاق بأي صيغة كانت مع جهة أجنبية، داخل أو خارج البلاد قبل موافقة الجهة الإدارية وكذلك أي تعديل يطرأ عليه. وأشار المصدر الحكومي إلى أن المحظور الأخير الخاص بإبرام الاتفاقات قبل موافقة الجهة الإدارية، يقصد به في الأساس "فرض رقابة الوزارة على عقود المساعدة والتمويل التي تبرم مع الجهات الأجنبية قبل إرسالها إليها، وليس بعد إبرامها"، وهو ما يراه مراقبون عاملون في مجال العمل الأهلي عقبة جديدة ستعطل تدفق التمويل لحين موافقة الوزارة على الإبرام، وليس كالسابق، إذ كان الاتفاق يتم ولا يحق صرف التمويل أو الحصول على الدعم إلا بعد موافقة الوزارة. وكانت المنظمات تشكو التعطيل والإرجاء أيضاً.

وكشف المصدر أيضاً أن المادة 25 الخاصة بتنظيم تلقي التمويل "أثارت قلق جهات مانحة عديدة في الولايات المتحدة وأوروبا، وأنه تم التأكيد عبر القنوات الدبلوماسية على أن تطبيقها سيكون مرناً، بشرط إطلاع وزارة التضامن بشكل مستمر على أوجه الإنفاق". وأشار إلى أن "الصيغة الجديدة نتجت عن مفاوضات مطوّلة بين وزارة التضامن والأجهزة السيادية، فالنص القائم في القانون الحالي، الذي كان مُعداً بواسطة جهاز المخابرات، كان يمنع تلقي الأموال من المنظمات الأجنبية غير الحكومية من الأساس، كما كان يضع عراقيل عديدة في سبيل تلقي الأموال، مثل وجوب موافقة الجهة الإدارية عليها قبل تلقيها بثلاثين يوم عمل، وعدم جواز قبول أموال أكثر من 10 آلاف جنيه إلا بموجب شيك بنكي، أو إيداع عبر بنك خاضع لرقابة البنك المركزي، فضلاً عن إحالة العديد من التفاصيل للائحة التنفيذية". وتنصّ هذه المادة على أنه "مع عدم الإخلال بأحكام قوانين مكافحة الإرهاب وغسل الأموال، يكون للجمعية في سبيل تحقيق أغراضها ودعم مواردها المالية حق تلقي الأموال النقدية من داخل الجمهورية، من شخصيات طبيعية أو اعتبارية مصرية، أو منظمات أجنبية غير حكومية مُصرح لها بالعمل داخل مصر وفقاً لأحكام هذا القانون، على أن تودع تلك الأموال في حسابها البنكي والتأشير في سجلاتها بذلك، وأن تقوم الجمعية بتخصيص وإنفاق تلك الأموال فيما وردت من أجله، مع تقديم كشوف حساب دورية وتقرير فني يستوفي أوجه الإنفاق والنشاط. ويجب إخطار الجهة الإدارية بتلقي الأموال في المواعيد التي تحددها اللائحة التنفيذية. كما تبين هذه اللائحة ضوابط وإجراءات تلقي الأموال العينية والحد الأقصى لقيمة تلقي الأموال النقدية".

ووفقاً لمشروع القانون فإن المنظمات الأجنبية التي سيصرح لها بالعمل، ستخضع لإشراف وحدة إدارية حكومية، بدلاً من الجهاز المركزي المُشرف على المنظمات الأجنبية، ستحمل اسم "الوحدة المركزية للجمعيات والعمل الأهلي"، وستقوم أيضاً بنفس أدوار الإدارة المركزية للجمعيات والاتحادات القائمة حالياً في وزارة التضامن. وستختص بالإشراف والرقابة على الجمعيات والاتحادات والمؤسسات الأهلية والمنظمات الأجنبية غير الحكومية، ومتابعة إجراءات تطبيق القانون ولائحته التنفيذية، وإعداد ونشر الدراسات والمعلومات والإحصاءات الخاصة بالجمعيات والاتحادات والمؤسسات الأهلية والمنظمات الأجنبية غير الحكومية على المستويين المحلي والإقليمي والدولي.

وسبق أن اعتبرت مصادر دبلوماسية غربية، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن وضع نصوص بتلك الصورة في مشروع يروّج له كوسيلة لإنهاء مشاكل العمل الأهلي والتمويل الأجنبي في مصر "أمر ليس مبشراً"، خصوصاً أن النظام ما زال يعمل على محاولة توجيه الدعم الغربي إلى جمعيات بعينها، تابعة للنظام أو يديرها موالون له، على الرغم من عدم تمتعها بالخبرة الكافية في مجالات العمل التنموي والإنساني والحقوقي. واستطلعت وزارة الخارجية المصرية، خلال الأسابيع الماضية، آراء بعض الدول في المشروع، وتلقت اعتراضات على استخدام تعابير "النظام العام والأمن القومي والآداب العامة"، كأمور لا يجوز الإخلال بها من دون توضيح المقصود بهذه المصطلحات، خصوصاً أن العديد من الفعاليات والأنشطة التي يمكن اعتبارها تهدد النظام العام من قبل سلطات أو أجهزة متطرفة في تقييد المجال العام، أو مغالية في تطبيق القانون. فضلاً عن أن هذا السلوك يكشف ترصد الحكومة بهذه المنظمات والجمعيات المتعاونة معها، ومحاولة خداع الدوائر الغربية بتخفيف قيود تصاريح العمل، مقابل تشديد الإجراءات العقابية، والسماح بتدخّلات إدارية مباشرة في أي وقت لوقف الأنشطة أو منع التمويل.