التحرّش الجنسي... تكلفة مادية ونفسية باهظة في مصر

التحرّش الجنسي... تكلفة مادية ونفسية باهظة في مصر

16 يوليو 2020
لا للتحرّش (Getty)
+ الخط -

 

يُعَدّ التحرّش الجنسي في مصر من المشكلات المجتمعية الأكثر فظاعة. وإحجام الضحايا عن التصريح بما أصابهنّ، لأسباب مختلفة، من شأنه أن يفاقم المشكلة، إذ يظنّ المتحرّشون أنّهم قادرون على الإفلات دائماً من تبعات أفعالهم الشنيعة.

قبل سنوات، كانت نهى إبراهيم (اسم مستعار) في عجالة من أمرها، إذ لا بدّ من أن تلتحق بالاجتماع التحريري الصباحي في تمام التاسعة والنصف في الجريدة الخاصة التي تعمل بها في قسم التحقيقات. استقلّت نهى المترو الذي يوصلها إلى محطة الدقّي في محافظة الجيزة ومنها تسير مسافة قصيرة لتبلغ مقرّ عملها. لكنّ نهى هذا اليوم لم تصل إلى وجهتها ولم تعد إلى منزلها. هي جلست تبكي على أحد الأرصفة، بعدما تعرّضت إلى تحرّش جنسي في المترو أدّى إلى تمزّق قميصها الذي تقطّعت بعض أزراره.

تحكي نهى تفاصيل ذلك اليوم موضحةً "كنت مستعجلة، وما إن وصلت محطة المترو حتى قفزت مسرعة في العربة الأولى أمامي، وكانت عربة مختلطة. كنت أحاول الإسراع حتى لا أتأخّر على الاجتماع وأتلقّى توبيخاً من رئيس القسم أو يُخصم من راتبي". تضيف أنّ العربة كانت مزدحمة، وحاولت تحاشي الركاب الآخرين قدر الإمكان والوقوف في زاوية فيما ظهرها نحو الباب المغلق. لكن في محطّة الوصول، ما إن همّت بالتوجّه صوب الباب للنزول حتى شعرت بيدَين على الجزء العلوي من جسدها، قبل أن تشدّا قميصها من الخلف وسط الزحام. وتتابع نهى: "وصلت إلى الباب بعدما عمد صاحب اليدَين إلى الالتصاق بي مع مضايقات بشعة. واكتشفت بمجرّد نزولي على رصيف المحطة أنّ أزرار قميصي تقطّعت من شدّة الجذب". ثمّ جلست نهى تبكي على الرصيف. تقول: "كان أصعب موقف عرفته. كيف سأسير في الشارع بقميص مفتوح؟ وكيف سأذهب إلى الجريدة وأنا بهذا المظهر البائس؟ ولو حاولت العودة إلى المنزل، فسأكون مضطرة مرّة أخرى إلى ركوب المترو". وفي النهاية، ساعدت نساء وُجدنَ في المكان نهى في ترتيب قميصها وغلقه بدبابيس كنّ يستخدمنها في حجابهنّ، ومشينَ معها حتى وصلت إلى الجريدة. عقب هذه الحادثة، خيّرها زوجها ما بين ترك العمل نهائياً والمكوث في البيت وبين استقلال سيارات أجرة أو تلك التابعة لشركات مثل "أوبر" و"كريم". هكذا، صارت نهى تنفق راتبها كاملاً على بدلات تنقّلها ما بين بيتها ومقرّ عملها وأماكن أخرى. فالأمر يمثّل تكلفة مادية كبيرة بالنسبة إلى امرأة في الثلاثينيات من عمرها ومتزوجة حديثاً.

 

المرأة
التحديثات الحية

 

للتحرّش الجنسي في مصر تكلفة مادية باهظة تتحمّلها الفتيات والنساء لتفادي الزحام ووسائل النقل العامة، وفي بعض الأحيان تفادي السير في الشارع. ويُعَدّ التحرّش الجنسي جريمة وفقاً للقانون المصري، وقد تصل عقوبة مرتكب جريمة التحرّش - سواء أكان لفظياً أو بالفعل أو سلوكياً أو عن طريق الهاتف أو الإنترنت - إلى السجن لمدّة تتراوح ما بين ستّة أشهر وخمس سنوات، بالإضافة إلى غرامة قد تصل إلى 50 ألف جنيه مصري (نحو 3100 دولار أميركي). مع ذلك، فإنّ النساء بمعظمهنّ لا يُقدمنَ على تحرير محاضر رسمية بوقائع التحرّش الجنسي، ما يجعل هذه الآفة المجتمعية مستترة على الرغم من انتشارها. يُذكر أنّ تعديلات تشريعية كانت قد أجريت في الخامس من يونيو/ حزيران من عام 2014 على بعض أحكام قانون العقوبات، بهدف توسيع تعريف جريمة التحرّش وتغليظ العقوبة على من تثبت إدانته بها، لكنّ ذلك لم ولن يمنع التحرّش الجنسي في الشوارع والميادين والمتنزّهات. وفي بعض المناطق، قد تضطر امرأة إلى ركوب "توك توك" يقلّها عشرات الأمتار، فقط لتحاشي المرور في شارع ما أو أمام أشخاص بحدّ ذاتهم. وهكذا تجد نفسها ملزمة بدفع تكاليف إضافية أكثر من الرجل في مثل سنّها أو في مثل مستواها الاجتماعي.

وفي عام 2017، صُنّفت القاهرة أخطر مدن العالم بالنسبة إلى النساء. وأظهرت نتائج دراسة أعدّتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة التي تُعنى بالمساواة بين الجنسَين وبتمكين المرأة أنّ نحو 99 في المائة من النساء المصريات تعرّضنَ إلى شكل من أشكال التحرّش الجنسي. وتكثر التقارير العالمية والمحلية التي تشير إلى معدّلات مخيفة للقضايا المجتمعية في هذا السياق في مصر، بل وتحتلّ البلاد المركز الأول عالمياً في التحرّش الجنسي، بحسب ما تؤكد دراسات وأبحاث.

من جهتها، تقول أسماء أحمد، وهي شابة عشرينية: "أقصد مع رفيقاتي في الجامعة مطاعم ومقاهي باهظة التكلفة، أو سينما في مركز تجاري كبير، وننفق في كلّ مرّة نخرج فيها أضعاف ما ينفقه شقيقي مع رفاقه، إذ يقصدون مقاهي وسينما رخيصة الثمن". والأمر نفسه ينطبق على تفاصيل يومية أخرى. تشير أسماء إلى أنّ "شقيقي يملك عجلة (دراجة) يتنقّل بواسطتها بحريّة، وقد يجري أو يمشي في الشارع دون الحاجة إلى الذهاب إلى صالة ألعاب رياضية أو نادٍ رياضي. لكنّ الوضع يختلف بالنسبة إليّ". ولا تخفي أسماء خشيتها من ركوب درّاجة أو ممارسة الرياضة في الشارع حتى لا تتعرّض لتحرّش جنسي أو لفظي. فعبارات كثيرة ذات معانٍ جنسية صارت دارجة في الشارع المصري وتتكرّر على مسامع الفتيات والنساء. بالتالي، فإنّ البديل هو الاشتراك في نادٍ رياضة لتفادي ذلك، بحسب ما تؤكد أسماء.

 

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

 

تحت عنوان "طرق وأساليب القضاء على التحرّش الجنسي في مصر"، تشير دراسة صادرة عن المجموعة المتحدة للمحاماة والقانون التي يترأسها المحامي الحقوقي نجاد البرعي إلى أنّ 99.3 في المائة من النساء يتعرّضنَ للتحرّش. وعند سؤال النساء المستطلعة آراؤهنّ عن أشكال التحرّش، أفدنَ بأنّ الأمر يُترجم على الشكل الآتي: "طلب للعمل أو البقاء ساعات إضافية بعد دوام العمل أو الدراسة مع عدم وجود ضرورة لذلك، والإصرار على توصيل الأنثى إلى المنزل أو العمل على الرغم من الرفض المتكرر، والإصرار على دعوة الأنثى إلى تناول الطعام أو الشراب وإلى نزهات على الرغم من الرفض المتكرر، والنكات أو سرد القصص الجنسية التي تحمل أكثر من معنى، والتعليقات الجنسية التي تحمل أكثر من معنى، والمعاكسات الهاتفية، والملاحقة أو التتبّع، والتصفير والمعاكسات الكلامية، وكشف الرجل بعضاً من أعضاء جسده أو التلميح إليها، والنظرة السيّئة الفاحصة لجسد المرأة، والألفاظ ذات المعنى الجنسي، ولمس جسد الأنثى، والاغتصاب".

المساهمون