السنوية الأولى لـ"ضمّ" القرم: فيلم روسي يفتح أبواب لاهاي

السنوية الأولى لـ"ضمّ" القرم: فيلم روسي يفتح أبواب لاهاي

18 مارس 2015
بوتين أكد أنه أدار شخصياً عملية القرم (Getty)
+ الخط -

قدّمت السلطات الروسية استعراضاً جديداً شكّل رسالة استفزازية لكييف، بإقدام الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون الروسية على إنتاج فيلم بمناسبة مرور عام على ضم القرم، تم بثه على هواء القناة التلفزيونية الرسمية الأولى، وهو يعرض كيف سيطرت قوات روسية خاصة، على شبه الجزيرة، ممهدة لاستفتاءٍ قرر فيه معظم سكان القرم الانضمام إلى روسيا، بعد عقود من التبعية لأوكرانيا.

وبصرف النظر عن طريقة الاحتفال الروسية الاستفزازية والرسائل التي أرادت إيصالها إلى الداخل والخارج، فالقيادة الأوكرانية تؤكد إصرارها على إعادة القرم إلى سيادتها، وهي تلقى دعم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في هذا الخصوص، وصولاً إلى ربط رفع العقوبات عن موسكو بإعادة القرم إلى السيادة الأوكرانية، الأمر الذي أعلنته المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جين بساكي.

وكان الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو، قد أكد في تغريدة على حسابه على موقع "تويتر"، أن "أوكرانيا ستستعيد القرم المحتلة، وهذا أمر حتمي، ومعاً سنبني قرم جديدة".

أما بشأن فيلم "القرم. الطريق إلى الوطن" الإشكالي، فمن المستبعد أن تكون القيادة الروسية غافلة عن التبعات التي قد تترتب على ما فيه من وضوح المسؤوليات عن العملية الأمنية-العسكرية التي أدارها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصياً، كما يقول في الفيلم، للسيطرة على شبه الجزيرة. فعلى الرغم من عدم سقوط ضحايا خلالها، إلا أن العملية أدت إلى عواقب وخيمة داخل أوكرانيا نفسها وإلى تصعيد خطير في صراع إقليم دونباس الانفصالي، مأخوذاً بمثال القرم ومدعوماً من موسكو، مع سقوط آلاف الضحايا هناك بين المدنيين والعسكريين.

وفي إطار ردود الفعل الأوكرانية على ما جاء في الشريط الدعائي للفيلم، كتب رئيس الوزراء الأوكراني أرستيني ياتسينيوك على صفحته في موقع "فيسبوك": "خلال أيام، سيُعرض في روسيا فيلم عن ضم القرم. شاهدتُ شريطه الدعائي، وسيكون أمراً جيداً أن يهتم به القضاء والمحققون الدوليون، فالفيلم يُقدّم إجابة عن السؤال: من أصدر الأوامر لاحتلال أرض القرم الأوكرانية، وانتهك القوانين الدولية، ومن ينبغي أن يتحمل مسؤولية ذلك". وأعلن أنه توجّه "إلى وزارة العدل في طلب إرسال هذا الفيديو إلى محكمة لاهاي".

وسرعان ما جاء الرد الروسي على لسان نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، الذي نقلت عنه وكالة "إنترفاكس" قوله: "هذه المسألة لا تنظر فيها المحكمة الدولية. فهذه مجرد دعاية، لا يترتب عليها أي عواقب قانونية"، معتبراً أنّ "هذه الخطوة غير بناءة من وجهة نظر البحث عن تسوية للوضع في جنوب شرقي أوكرانيا".

وفي محاولة لتحميل مسؤولية القرار الروسي للغرب، يقول بوتين في الفيلم إياه، بعد التذكير أنّ محادثاته مع زملائه الغربيين لم تطمئنه إلى أنهم لن يتدخلوا عسكرياً في الوضع: "لا أعتقد بأن أحداً كانت لديه رغبة في قلب الأمور نحو نزاع دولي، ولم نبحث عن المتاعب. لقد أجبرونا على القيام بتلك الخطوات".

اقرأ أيضاً: روسيا: من حقنا نشر أسلحة نووية في القرم

وثائق وسلاح

فيلم "القرم. الطريق إلى الوطن" الوثائقي، يلقي الضوء على كيفية السيطرة على شبه الجزيرة، بعد إطاحة "الميدان" بحكم فيكتور يانوكوفيتش الموالي لموسكو في كييف، وهو يستعرض تصريحات بوتين ووزير دفاعه وتعليقاتهما على الأحداث المصيرية التي يبدو أنها فتحت جرحاً على تخوم أوروبا يصعب تخمين كم من السنوات سيستمر نازفاً، وإلى أي مدى يمكن أن يتطور الوضع سوءاً في المنطقة عموماً. ويمكن الاستدلال على المدى الذي كانت موسكو مستعدة للمضي فيه، من خلال تأكيد بوتين، في الفيلم، أن روسيا كانت مستعدة لوضع أسلحتها النووية في حالة جاهزية قتالية بعد الإطاحة بسلطة يانوكوفيتش، لأنه كان من الصعب التنبؤ بسير الأحداث لاحقاً.

وأضاف بخصوص نشر منظومة "باستيون" العسكرية في شبه الجزيرة: "هذا لا يمكن فعله بقرار أي شخص، عدا القائد العام (للقوات المسلحة). فباستيون منظومة دفاعية تحمي الشاطئ والأرض. وهي لا تهاجم أحداً، لكنها سلاح حديث فعّال. ولا أحد آخر، حتى الآن، يمتلك هذا السلاح. وهو اليوم أكثر الأسلحة الشاطئية فعالية في العالم".

وأشار بوتين إلى أنهم نشروا هذا السلاح بتلك الطريقة "ليكون مرئياً من الفضاء"، مع تأكيده أنه شخصياً أدار عملية السيطرة على القرم عموماً، قائلاً: "أتعلمون بماذا يكمن تفوّقنا؟ بأنني قمت شخصياً بالعمل، وليس لأنني عملت كل شيء بشكل صحيح، إنما حين يدير الشخص الأول في البلاد العملية يكون أسهل على المنفذين العمل". وأضاف، متفاخراً: "لم يكن هناك أي خلل على الإطلاق، وهي مهمة ليست ببسيطة، لو أخذنا بعين الاعتبار حجمها وإشراك قوات ووسائط مختلفة فيها، وكانت هناك، في المرحلة الأولى، القوات الخاصة التابعة لإدارة الاستخبارات الخارجية، وقوات المظليين الخاصة، ومشاة البحرية، وبعدها الوحدات العسكرية الأخرى. ولم يتوقف الأمر عند عمل وزارة الدفاع على أعلى مستويات المهنية، بل عملت مؤسسات أخرى، مثل وزارة الخارجية، والهيئات الحقوقية وأولئك الذين مارسوا السياسة الداخلية. وتم تنسيق ذلك كله بدقة عالية وبصرامة وفي الوقت المناسب، إلى درجة أنني كنت أتساءل أحياناً: أهؤلاء نحن؟".

وفي سياق داعم لكلام الرئيس الروسي، أكد وزير دفاعه سيرغي شويغو، في الفيلم نفسه، أنه "لا يوجد شيء صدفة"، مستدركاً بالقول: "لم ينوِ أحد القتال. فالجميع أرادوا الدفاع وتجنّب الحرب".

وأمّا بعد استعراض موسكو سيطرتها على القرم بطريقة استفزازية مرشحة للاستثمار ضدها في المحافل الدولية، فهل تعزز وجودها هناك بسلاح نووي يردع الغرب عن التدخل؟ أم يكفي الإعلان عن ذلك لتحقيق وظيفة الردع، ذلك أنّ سلاحاً نوويا في القرم لن تنجو أوروبا من آثاره المميتة حتى لو انفجر في مكانه؟

يشار هنا إلى أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كان قد تحدث نهاية العام الماضي عن إمكانية ظهور سلاح نووي في القرم. فقد نقلت عنه وكالة "إنترفاكس" قوله إنّ شبه جزيرة القرم "كانت جزءاً من أوكرانيا التي لا تملك سلاحاً نووياً، وقد باتت الآن جزءاً من الدولة، التي وفقاً لاتفاقية منع انتشار السلاح النووي تملك هذا السلاح. والدولة الروسية، بما يوافق القانون الدولي تملك كامل حق التصرف بسلاحها النووي بما يوافق مصالحها والتزاماتها الدولية".

وقد علّق مدير مركز الأمن الدولي في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أليكسي أرباتوف، لوكالة "إنترفاكس" على كلام لافروف، قائلاً إن "هذا الإعلان موجّه لتأكيد اللاعودة عن قرار ضم القرم، أكثر مما هو للإشارة إلى خطط واقعية لنشر السلاح النووي هناك".

وفي السياق نفسه، نقلت صحيفة "فزغلاد" عن الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة للقوات الاستراتيجية فيكتور إيسين، قوله: "هذا إعلان سياسي، ولا أظن أنه سيصل إلى حد التنفيذ العملي، فكل ما في الأمر أننا استعرضنا أن هذه أرضنا، ويمكننا نشر سلاحنا النووي حين نريد هناك". ولكنه عاد ليؤكد إمكانية نشر أسلحة نووية تكتيكية هناك عند اللزوم.

وهكذا، ففيما يحتفل الكرملين، بطريقة استعراضية، بسنوية القرم الأولى، تزداد مخاوف الروس من نتائج هذا الاستعراض، بل يخشون أن يكون الاستعراض ذاته مؤشراً على الضعف أكثر مما هو دلالة قوة، وهم يدركون جيداً أن الصراع لا يزال في أوله، وأنّ دولة الرجل الواحد لا يعتد بقوتها مقارنة بدولة المؤسسات.

المساهمون