الشطرنج الإسباني ـ العربي

الشطرنج الإسباني ـ العربي

15 يناير 2017
رقعة الشطرنج الإسبانية (العربي الجديد)
+ الخط -
أثناء عبورك شوارع مدينة توليدو، أو طليلة القريبة من العاصمة مدريد، والتي كانت عاصمة لأول دولة عربية في إسبانيا، وبقيت كذلك لمدة طويلة، وأثناء المرور في تلك الحارات الضيقة ستجد في واجهة أهم محلات مدينة توليدو رقعة كبيرة وشهيرة جداً للعبة الشطرنج تمثل جيشين كاملين مختلفين من حيث الشكل والملابس والثقافة.

فأحد هذين الجيشين يمثل العرب الذين حكموا الأندلس مع الاحترام الكبير في طريقة التمثيل لكل مقومات الثقافة الإسلامية الأموية التي حكمت الأندلس، وذلك من خلال طريقة تقديمهم وتجسيدهم لكل حجارة اللعبة، ابتداء من لبس الجنود المختلف بين الجيشين، إذ أن لبس الجنود العرب هو اللبس التقليدي العربي.

فيرتدي الجنود السراويل والصدريات ويحملون السيوف ويضعون القلنسوة العربية، بعكس الجنود الإسبان الذين يرتدون الزي الصليبي الروماني التقليدي ويحملون شارة الصليب، وصولاً الى لبس الملك الكاثوليكي فرناندو والملكة أو الوزيرة في لعبة الشطرنج والتي تمثل الملكة ايزابيل التي قاتلت العرب والتي ترتدي التاج الإسباني. أما بالمقابل فان الملك العربي أو الخليفة فيرتدي الزي العربي من لباس طويل، ومن عباءة فاخرة تذكر بالعباءة العربية الاسلامية، وتقف إلى جانبه المرأة التي ترتدي أيضاً الفستان العربي الطويل، وزنارا مزركشا وتغطي شعرها بطربوش يعيدنا إلى زمن ولادة بنت المستكفي. 

إن هذه التحفة الحقيقية المعمولة بكل حرفية وإتقان ووعي كامل لكل تفصيل في تفاصيلها، تؤكد أن ما تركه الحكم العربي في وجدان الإنسان الإسباني لم يكن بسيطاً، ولم يكن قابلاً للنسيان برغم اعتبار الكثيرين منهم أنها فترة احتلال، لكنهم لم ولن يستطيعوا أن ينكروا الفضل المعرفي والجمالي والفكري الذي قدمته هذه الفترة لبلادهم.


أصل اللعبة
لم يحدد لحد الآن أصل هذه اللعبة تماماً، لكن الكثيرين ينسبونها إلى الهند في القرن السادس قبل الميلاد من قبل شخص هندي يسمى شانونانافي، برغم أن الصينيين كانوا قد عرفوا لعبة مشابهة في القرن العاشر قبل الميلاد، وقد وجدت أيضا لدى الكلدانيين، وقد عرفها القائد الإغريقي المسمى بالميداس، وهناك من يعيدها الى تاريخ أقدم بكثير من ذلك هو تاريخ الفراعنة في مصر، إذ عثر عل رقعة شبيهة بها في قبر الملك الفرعوني توت عنخ آمون.

أما في مرحلة الوجود العربي في الأندلس، فقد اشتهر العربي "أبو زيد محمد بن عمار" بحدة ذكائه، وبسرعة محاكمته، ولشدة شهرته فقد طلب منه ملك قشتالة الإسباني ألفونسو أن يبارزه في لعبة، فوافق، واستطاع التغلب عليه، وحين سئل عن سبب فوزه قال: "لأني ابن الرياضيات العربية، ولأني أيضا ابن الشعر العربي"، إذ إنه كان شاعرا في مدينة إشبيلية. وقد سئل يوما الخليفة الرشيد ما هي لعبة الشطرنج فأجاب: إنها الحياة. وقد أوصى الفيلسوف الكندي ابنه أن يكون كلاعب الشطرنج يعطي غيره ما لا يلزم، ويبقي لديه على ما يلزم، لأن ما يخرج من يدك لن يعود إليك.




المساهمون