الفنانون ومواقع التواصل: حرية التعبير سلاحٌ ذو حدّين

الفنانون ومواقع التواصل: حرية التعبير سلاحٌ ذو حدّين

19 يوليو 2020
دعت عجرم حاكم مصرف لبنان لـ "قيادة البلد" (سترينغر/ فرانس برس)
+ الخط -

حسب آخر الإحصاءات، فإن الفنانة اللبنانية إليسا هي أكثر الفنانين العرب متابعة على "تويتر". ولكن، في جميع الحالات، العدد ليس مهماً. ما نعرفه، أن العدد كبير، وأن هذا شائع عالمياً، أي أن تحظى "النجمات" ويحظى "النجوم" بأعداد كبيرة من المتابعين.

ما لا نعرفه بالضبط، وتحديداً في العالم العربي، هو حدود المعرفة التي ينطلق منها الفنانون والفنانات، عندما "يغرّدون" مواقفهم، أحياناً مع السرب، وأحياناً خارجه تماماً. والحديث ليس دائماً عن الآراء، وعن حرية التعبير، بل عن المواقف السياسية، أو المواقف المعنية بقضايا الرأي العام. في إحدى "تحركاتها" على "تويتر"، أعجبت إليسا بمنشور يظهر المغرب من دون "صحرائها". اعتذرت إليسا لاحقاً. لكن، لم يفهم أحد، موقفها الحقيقي من الصحراء الغربية، كواحدة من القضايا العربية والإفريقية العالقة التي تركها الاستعمار خلفه.
بالنسبة لكثيرين، ستبدو هذه مطالبة بمواقف "كبيرة" لفنانة كإليسا، اهتماماتها محلية ـ لبنانية غالباً. ولكن ما حدث قد حدث: جزء كبير من المغاربة رفض "الهفوة". غالباً، وكما حدث مع إليسا، يدلي فنانون عرب بآرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي، من دون "سوء نية"، ولكن بلغة أخرى، من دون خلفية ثقافية كافية، مكتفين برغبة في السياسة، من دون أن يكونوا مسيّسين بالضرورة. ولا يجب أن تكون هذه الملاحظة مديحاً لما يسمى بالفنان "الملتزم". فالأخير، كما عرّفته الأدبيات الصحافية، لم يملك رأيه، بل كان يخرجه من علبة الأيديولوجيا. مصادر المعرفة التي تقاطرت منها "الآراء الملتزمة" لم تتهافت زمنياً وحسب، بل صبّت أحياناً في مديح ديكتاتوريات ومليشيات، مثلما هي الحال مع "الملتزم" محمد منير في مديحه لعبد الفتاح السيسي، أو الفنانة جوليا بطرس في إعجابها بحزب الله اللبناني.

إلى ذلك، هناك نوع خاص من "الفنانين الملتزمين"، أو الذين ينشطون خارج سوق "البوب" العربي. الآراء السياسية في تزايد عموماً، لكن لم ينس الجمهور العربي بعد إصرار الفنانة (الملتزمة ربما؟) تانيا صالح على تغيير لون بشرتها عبر الفوتوشوب، للتضامن مع السود والأميركيين من أصل أفريقي. لم تكن تلك الجلجلة الأولى. في 2014، خاضت المغنية اللبنانية سجالاً لا يقل غرابة، حين نشرت على صفحتها الجملة الآتية: "قائد الجيش... ايدنا بصباطك".

في أية حال، تبين وجود إرث لبناني لمديح العسكر، من دون أن نمتلك، حتى الآن، أي أدوات أنثروبولوجية من شأنها الإسهام في تفسير الرمز السيميائي الذي استخدمته صالح، يومها في منشورها على "فيسبوك".

لكن، أين دور الإعلام من كل هذا، وما علاقته بالجمهور؟ من باب الموضوعية، ليست تانيا صالح بهذه الشهرة، مثل نانسي عجرم، التي اختارت في حديث صحافي ذات مرة، حاكم مصرف لبنان، ليقود "بوسطة" إنقاذ البلد. وبالنسبة لكثير من اللبنانيين، فإن الحاكم له دور أساسي فيما آلت إليه أمور الاقتصاد اللبناني من سوء. لعدة أسباب، أيضاً، يمكن افتراض "حسن نية" عجرم. لقد كان لبنان مزدهراً، طالما أن الحفلات تقام، وطالما أن الجماهير تأتي إلى الحفلات. وعبر هذا التصور، أطلقت تعليقاً، شديد التأثير في رأي كثير من المتابعين، حتى ولو انتموا إلى "طبقات" أخرى. ومثل عجرم، مدحت الفنانة كارول سماحة المقيمة في القاهرة، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ذات مرة، ووصفته بالمخلص. للوهلة الأولى، قد يكون هذا "مجرد رأي". لكن، لوقتٍ طويل وحتى اليوم، وفي حالات كثيرة، تم التعامل مع مديح الديكتاتوريين العرب، على أنه آراء شخصية، أو محاباة الضرورة، قبل أن يصير واضحاً أن للفنانين دوراً في منظومة الدعاية للاستبداد، أحياناً بعلمهم وأحياناً من دونه.

 

الأرشيف
التحديثات الحية

يمكن الافتراض أن الفنانين، مثل لاعبي كرة القدم، ومثل نجوم "التيك توك" أخيراً. إنهم أشخاص أصحاب شعبية. يمكن النقاش، لساعات طويلة، في موقع المثقف، وفي موقع المؤدي لأدوار فنية، وفي احتمالات المزج بين الأمرين.

لكن هذا سيستدعي بحثاً طويلاً وخاصاً في تاريخ العلاقة، وفي تعريفاتها. ما يمكن الحديث عنه، في مجال الإعلام، يتعلق حصراً بوظيفة الإعلام الملتبسة للرأي العام. فليس هذا الإعلام، وخاصةً وسائل التواصل الاجتماعي مجرد مساحة حرّة (ليس دائماً وليس تماماً) بل هو أكثر من ذلك. إنه وسيلة اتصال، أو تواصل، ولا يمكنه تجاوز هذا الدور ليصير أداة معرفية مطلقة، تماماً مثل استحالة تحوله إلى مساحة حرة بالمطلق. هناك شروط يفرضها الجمهور ضدّ "نرجسية" الفنان النابعة من شعبيته. حتى في التغريدات العجيبة للفنانين، هناك حدود للشعور بالسلطة على الجماهير. وهو شعور لا ينطلق بالضرورة من معرفتهم بقيمة المعرفة التي يمتلكونها. في مواضع كثيرة، هذا الشعور يسيّجه في مجتمعاتنا العربية فضاء ذكوري.

على سبيل المثال، وليس الحصر، لم يشعر المغني راغب علامة بما شعرت به سماحة، من حاجة للتوضيح والرد عندما سجّلت رأيها بجائحة كورونا. فيروس كورونا بالنسبة لعلامة، لديه أخوات. كما أنه يعتبره "غضباً من الله سبحانه تعالى". بخضوعه لجزء من شروط "الجماهير" اللغوية، حصّن علامة نفسه من التعليقات. يجب أن نتفق أن هذه آراء في النهاية، حتى وإن تجاوزت اختصاص أصحابها. في الواقع، لدى الناس دائماً آراء في الفن وفي الأصوات والتمثيل أيضاً، ولعل بعض هذه الآراء قد يكون صادماً للفنانين بدورهم أحياناً. وفوق كل شيء، ثمة منظومة تستولي على صفة الإعلام، بفضل نسالة التكنولوجيا وتطورها الرأسمالي، التي أنتجت وسائل التواصل الاجتماعي، وأنتجت الصيغة المعاصرة للإعلام.

المساهمون