ضربة في تونس

ضربة في تونس

24 مارس 2015
+ الخط -
حروب مدمرة تنذر بتقسيم البلاد وإعادة رسم الخرائط بشرياً وجغرافياً في سورية واليمن وليبيا، فوضى عارمة وانقلاب على الثورة في مصر، هي بلاد الربيع العربي، إذاً، وتبقى تونس "الرائدة" الوحيدة خارج نجاحات مراهني اغتيالات الثورات، مع محاولات كثيرة من أطراف متباينة، لم تكن لتنضج ثمارها السامة، وسارت العملية الديمقراطية على ما يرام، تعددية حزبية ومشهد سياسي مبشر، انتقل الحكم فيه بين النقائض، ولم يُقتل رئيسٌ سابق، ولم يُسجن رئيس حكومة منتهية ولايته.
ولما لم يجد متشددو البلاد، في هذه المناخات، ملاذاً ولا حاضنة لهم، توجّهوا إلى الجبهات الممكنة، إلى سورية، حيث "خلافة الذبح"، وليبيا المفتوحة الحدود والاحتمالات. وأدرك التونسيون أن الهجرة تلك مؤقتة، ومحكومة بظرف الزمان، وتوفر ساحة مناسبة لاقتراف الجريمة، إذ عدَّ إرهابيو تونس، ومن يقف وراءهم، تلك المهمة وراء الحدود تدريبية ترفع كفاءة قدراتهم، ومن ثم يعودون أقوى شوكة وأكثر مِراناً، وها هم فعلوها في قلب العاصمة، حين وجهوا للعملية السياسية في البلاد ضربة موجعة، حققت أكثر من هدف في آنٍ واحد، فهي، كما قال سياسيون دوليون، تهدف إلى ضرب اقتصاد البلد، المعتمد إلى حد بعيد على السياحة الأوروبية، كما وجهوا للعالم رسالة مفادها بأن تونس بلد غير آمن وغير مستقر، إلا أن العنوان العريض للرسالة تجاوزه السياسيون، ولم يعلقوا عليه، ليس جهلاً منهم، وإنما رغبة بعدم تكريس الفكرة، الفكرة البيّنة التي طالما تغنّى بها أعداء ثورات الحرية، عندما سموا "الربيع" شتاءً، ومطلب الحرية والعدالة الاجتماعية، عمالةً، والأيدي العزلاء التي ترفع الورود، معاولَ لهدم الأوطان.  
لا شك في أن الذين نفذوا عملية متحف باردو، وقتلوا نحو عشرين سائحاً أوروبياً، إرهابيون، كما وصفهم كل المستنكرين، ولكن، لم يتطرق أحد بعد لهوياتهم الإرهابية، وحسابات العملية وأهدافها البعيدة، سيُنسب الأمر، أولاً وآخراً، إلى داعش، لكن الأمر لن يستقيم لذي نظر، إذا لم يربطه عضوياً بمن يقف وراء هذه الجماعات ويحركها بأوامر مباشرة، أو إيحاءً من وراء حجب.
فبعد عجزهم عسكرياً عن كسر إرادة الشعوب، لجأ الرؤساء الذين ثارت عليهم شعوبهم، والمخلوعون وعبيدهم، إلى تحالفات مع أعتى قوى الشر تطرفاً، لبيع البلاد لأعدائها، وتسليم مفاتيح العواصم لأي أحد، عدا الشعب، فانضمّ أتباع القذافي إلى داعش، ليحرقوا ليبيا، وتحالف علي عبد الله صالح مع الحوثيين، وسلّمهم صنعاء ومعظم اليمن، وأدخل بشار الأسد كل مرتزقة ومليشيات إيران، ومن والاها، ليبقى الحاكم بأمرها، ولو في مرتبة محافظ أو شرطي حراسة. وثمة حكومات ورجال أعمال ومتنفذون وراء الشاشة، بذلوا سراً، كل ما يستطيعون لإسقاط فصول الربيع الذي بدا وكأنه سيتمدد، ليلغي كل مساحات الظلم، فكان لا بد من شيطنة هذه الظاهرة، وربطها بخطاب المؤامرة والعمالة، وتجنيد الإرهاب، لترهيب العدو وإخضاع الصديق، واستخدام مفاعيله ومخرجاته في المنابر الأممية والحقوقية، وهو ما كاد ينجح به بشار الأسد، لولا أنه فقد كل شرعية، قبل أن ينجح بتجنيد داعش لهذا الغرض.
وداعش تونس، إن ظهر، وهو سيظهر كما يبدو، سيكون فرعاً لداعش الرقة، نعم الرقة، وليس الموصل، فالتنظيم سيهزم في العراق، ويتخذ من سورية مركزاً لخلافته المزعومة، وبالتالي، ستكون سورية وحدها مركز التفاوض والتحالف والعمليات. وهكذا سيكون لزاماً على تونس، وغيرها ممن ستجتاحهم سكاكين داعش، البحث عن كلمة السر، والأمر، في دمشق وطهران. 
avata
avata
ياسر الأطرش (سورية)
ياسر الأطرش (سورية)