ظلم المشهور والمغمور... الكل مقهور

ظلم المشهور والمغمور... الكل مقهور

04 مارس 2017

سلطات الانقلاب تتهم أبو تريكة بتمويل الإخوان المسلمين (14/12/2013/Getty)

+ الخط -
أحاديث الظلم وأحداثه تفيض أكثر وأكبر من أن تستر أو تطمس، تأتي الحكايات والقصص من كل مكان في أرجاء مصر، تعشّش في جنباتها، تشيع الخوف، وتمكّن لأحوال الفزع والتفزيع والرهبة والترويع، جمهورية الخوف كان مفهوما يشيع في بلاد الاستبداد، فصار أصدق على مصر، في عهد منظومة الانقلاب، بفاشيتها ودولتها البوليسية، تصدر من القوانين التي تفرّخ أحوال الخوف في كل مكان، وتزرعه في النفوس، وتأتي من السياسات الغاشمة وقرارات الطاغية ما يجعل من إشاعة الخوف والتخويف استراتيجية نظام "3 يوليو"، حيث يجعل، بإعلامه الفاجر، أن ذلك علامة استقرار واستمرار، ويتحدّثون عن إنجازاتٍ وهميةٍ، ضمن صناعةٍ أجادوها في ترويج الأوهام وبيع الأحلام.
أكتب ذلك بمناسبة أمرين، يؤشران إلى ما نحن فيه من أحوال فاشية وسياسات بوليسية: يتعلق الأول برسالة وصلت إلي من أحد المعتقلين، يتحدث عن أحوال المعتقلين المجهولين والمغمورين سمعة وشهرة، ينتقد اهتمام وسائل التواصل الاجتماعي بالأكثر شهرةً والمنتشر سمعةً لدى عموم الناس، ويعتب على الجميع في إهمال شأن المعتقلين والمظلومين "المجهولين" و"المغمورين" وإغفالهم، إن صح هذا الوصف، ووجدت أن في قوله كثير من الحق وغالب الحقيقة، فمن المهم، بعد كل وقت، أن نشمل كل المعتقلين بالاهتمام والكتابة، والبحث عن أحوال المجهولين منهم، وتفقد بعض مشكلاتهم، والحديث عن بعض مشكلات المعتقلين جملة في أحوالهم السيئة التي تزداد سوءا وتدهورا وتدني الاهتمام بظروفهم، فإن هذا يرفع عنهم بعض الغبن والظلم الواقع عليهم صنوفا وألوانا. وعلى الرغم من ذلك، لفتني أمر آخر ومشهد مختلف، رأيت فيه أن الظلم قد لا يفرّق بين المشهور والمغمور، على عدالة شكوى المجهولين من المعتقلين.
هذا بالضبط ما يحيلنا إلى الأمر الثاني، والمشهد الذي يرتبط بأحد المشهورين الذي لا يجاريه أحد في شهرته الواسعة، أو في سمعته الطيبة التي انتشرت في عموم الآفاق، إنه محمد أبو
تريكة لاعب المنتخب المصري والنادي الأهلي، تواردت الأخبار" توفى والد محمد أبو تريكة، نجم الأهلي والكرة المصرية السابق اليوم الأحد، وفقا لأحد جيران اللاعب في مسقط رأسه بمدينة ناهيا التابعة لمحافظة الجيزة. ويتواجد أبو تريكة حالياً في قطر في ظل عمله بالتحليل في إحدى القنوات الفضائية، الأمر الذي سيضطر صانع ألعاب الأهلي السابق للعودة إلى مصر للمشاركة في جنازة والده". وفي خبر تالٍ "من جانب آخر، ساد الغموض حول إمكانية عودة اللاعب إلى مصر للمشاركة في تشييع جثمان والده، حيث ما زال مدرجاً على قوائم ترقب الوصول لاتهامه في تمويل جماعة الإخوان، وقد يعتقل فور وصوله إلى مطار القاهرة للمشاركة في تشييع جثمان والده". شعرت، في ثنايا تلك الأخبار، أن الظلم لا يفرّق بين مشهور ومغمور، وأن الظلم يطول كل أحد من دون تفرقةٍ، حينما يكون الفرعون المنقلب متألها يعتقد في نفسه ورأيه أنه متعهد الرشد، وينبوع الحكمة "طبيب الفلاسفة"، وحينما لا تقبل منظومة الفاشية أي كلمةٍ أو موقف يعبر عن مخالفة في الرأي أو احتجاجا أو موقفا في الفعل، ولنكمل مشهد الظلم لهذا اللاعب المشهور.
قالت وزارة الداخلية المصرية إنه لا مانع من عودة لاعب كرة القدم الدولي السابق، محمد أبو تريكة، للمشاركة في عزاء والده الذي توفي الأحد بعد صراع مع المرض، وأوضح مساعد وزير الداخلية لقطاع الإعلام والعلاقات، في مداخلة هاتفية بشأن عودة أبو تريكة إلى مصر، أنه "لم يصدر أي قرار بشأن اللاعب حتى الآن يتعين علينا تنفيذه كجهة لإنفاذ القانون". وأضاف "الأجهزة الأمنية ليس لديها ما يحول دون عودة أبو تريكة لمصر ومشاركته في عزاء والده، كما أنه ليس لدينا ما يحول دون خروجه، ويمكنه التحرك بحرية شأن أي مواطن مصري". وفي وقت سابق، قال مصدر قضائي مصري لوكالة الأناضول إن لاعب كرة القدم الدولي السابق، المدرج على قائمة "الشخصيات الإرهابية"، يمكنه العودة إلى مصر بشكل طبيعي".
تبدو تلك رسالة تطمين من الداخلية ومن مصادر قضائية، إلا أن مجموع الناس من العاديين
استحضروا خبرة النظام الانقلابي وغدره في رسائل التطمينات التي لم تكن، ولم تزل، إلا شركا وفخا منصوبا واستدراجا مقصودا، مذكّرين بقانون الكيانات الإرهابية، وما تبعه، للأسف الشديد، من قوائم صدرت تجرّم الناس، بعد أن قام القضاء بتبرئتهم في قضايا جزئية، تتعلق بالأموال والأفعال، ففي أواخر يناير/ كانون الثاني 2017، أدرجت محكمة جنايات القاهرة نجم الكرة المصرية السابق، محمد أبو تريكة، ضمن قوائم المنظمات والشخصيات "الإرهابية"، على الرغم من أنه لم يخضع لتحقيقاتٍ قضائيةٍ، حسبما أفاد محاميه. وتتهم السلطات أبو تريكة بالمساهمة في تمويل جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، التي صنفتها القاهرة في نهاية العام 2013 "منظمة إرهابية". وبحسب قانونٍ لمكافحة الإرهاب، أقرّته السلطات المصرية في 2015، تفرض على الأشخاص المدرجين على قوائم الإرهاب عقوباتٍ تشمل منعهم من مغادرة البلاد، ومصادرة جوازات سفرهم، وتجميد أصولهم المالية. المهم أن هذا المشهد انتهى إلى تلقي اللاعب العزاء في والده في الدوحة، حيث كان، وتلقي أهله وذويه وابنه الصغير العزاء في جده وفقيدهم، ليعبر عن أحد أهم مشاهد الظلم للاعب المشهور.
ومن المهم أن ننهي استعراض هذين الأمرين بتعليقٍ يؤكّد ما نقول إن مواجهة الظلم الذي تفشّى من هذا النظام الذي طغى، لا نفرّق فيه بين ظلم وظلم، ولا مشهور أو مغمور، ولا فقير أو غني، الكل مقهور، فالمعتقلون المجهولون أمر لا يحتمل الإغفال أو الإهمال، بل علينا التذكير بمآسيهم والظلم الرهيب الواقع عليهم، وعلى ذويهم، خصوصا ما يتعلق بأطفالهم وأهاليهم، فمن المؤسف حقا أن الحاضنة المجتمعية لم تعد كما كانت، وأن الاستقطاب المجتمعي وتأثيره على قضية المعتقلين صار كبيرا، على الرغم من أن الدفاع عن حرية أي إنسان هي في مقدمة المبادئ الثابتة التي لا تقبل التشكيك أو التجزيء، كما أن طول الأمد قد أثر تأثيرا كبيرا على قضية المعتقلين، وهذا كله شعبة من الظلم والظُلمة، والظلم والقهر ظلمات على المشهور والمغمور.
ECE602C0-DB35-414B-9572-17B675CE3C2A
سيف الدين عبد الفتاح

كاتب وباحث مصري، مواليد 1954، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، من مؤلفاته "في النظرية السياسية من منظور إسلامي"، و" التجديد السياسي والواقع العربي المعاصر.. رؤية إسلامية".