علاء عبد الفتاح لـ"العربي الجديد": المصالحة قبل وحدة الصف

علاء عبد الفتاح لـ"العربي الجديد": المصالحة قبل وحدة الصف

15 ابريل 2014
على هامش إحدى جلسات محاكمة عبد الفتاح في 2013
+ الخط -

قميص أزرق عليه صورة المراسل المعتقل لقناة "الجزيرة"، عبد الله الشامي، وعيون غائرة يملأها التفكير في "الكابوس" الذي حطّ على مصر، وشعر أسود مموج الخصلات منسدل للخلف، وصوت مبحوح شقه الهتاف بالحرية للمعتقلين. هكذا تشكلت ملامح الناشط السياسي، علاء عبد الفتاح، بعد خروجه من السجن الذي قضى فيه أكثر من مئة يوم منذ القبض عليه بتهمة التظاهر من دون تصريح أمام مجلس الشورى في 26 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي.

علاء، الذي سبق وسُجن في عهد حكم حسني مبارك على خلفية مشاركته في وقفة احتجاجية للمطالبة باستقلال القضاء عام 2006، وسُجن في فترة حكم المجلس العسكري بعد ثورة 25 يناير 2011، على خلفية أحداث ماسبيرو، خصّ "العربي الجديد" بالحديث عما يدور في خاطره عن المستقبل القريب والبعيد، وعن الأوضاع السياسية في مصر، وعن "الحلم" القابع في ظلام السجون، وعن خطوات المصالحة ووحدة الصف الوطني وهدم مؤسسات الدولة.

ــ ما هو تقييمك للموقف السياسي الراهن، والنخب السياسية وأدوار الأحزاب في ضوء المعطيات الحالية وممارساتها قبل إجراء الانتخابات الرئاسية؟

* تقييمي أوسع من حدود الانتخابات الرئاسية، هناك نظام جديد يُبنى، ليس عودة لنظام مبارك، فنظام مبارك كان معقداً ومركباً، ولم يكن مبنياً على القمع فقط، كان القمع أداة رئيسية فيه، ولكنه كان يحاول استيعاب قطاعات يستخدمها للحفاظ على تماسكه. وكان يعتمد على علاقات مركبة مع كبار العائلات في الصعيد، ليبني كياناً كبيراً اسمه الحزب الوطني، وهو عبارة عن منفعة. يترك العشوائيات تتّسع بحرية ليبقى دور الشرطة المصرية منع خروج العشوائيات من إطارها، وهكذا. ومع صعود مشروع جمال مبارك، كان التغيير قد بدأ، ولكن مع آلة الحكم المعقدة تلك، كان يسمح لنا بالتحرك والعمل، وكان القضاء على قدر معين من الاستقلالية، وكان بإمكاننا في عهد مبارك أن نخوض حروباً ونخرج منها بمكتسبات.

أما النظام الآتي، أو الحالي بمعنى أدق، فهو مبني على الدم، كانت اللحظة الكاشفة له في فض اعتصام رابعة، لم يكن في استطاعته فض الاعتصام من دون مذبحة، لأنه اعتصام ضخم جداً، ولكن كان بمقدرته أن يفضّه بمذبحة أصغر من ذلك بكثير. أنا بالطبع ضد المذبحة، وضد الفض من الأساس، ولكن ما أقوله إنه كان هناك إصرار على التعامل بعنف أكثر حتى من الأهداف المباشرة للسلطة، لكي يشكل حالة ردع لإعادة تشكيل الخريطة السياسية.

كان السبب في ذلك المشهد، أن الأحزاب السياسية والنخب في مصر تتبع أسلوب "التطبيل" للنظام الحاكم، ليس عن اقتناع، ولكن من شدّة الرعب، لأن هذا النظام قادم باستعداده للذبح، فضلاً عن رعبهم من أي نظام بديل لأنهم تورطوا بالفعل مع النظام القائم، فعودة الإسلاميين ستكون بمثابة تنكيل عكسي بحقهم، وبالتالي ليس أمامهم خيارات سوى "التطبيل".

ــ هل ترى أن الوضع السياسي الراهن قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، وضع مؤقت أم دائم؟

* هناك مؤشرات إلى أن هذا النظام مبني على أن لا يكون  لديه التزامات تجاه أي أحد، وأن تسير كل الأمور بالأمر المباشر، في مشهد عنوانه "إحنا حنعمل إلي على مزاجنا"، ويثبتون قدرتهم على صنع أشياء مجنونة كغلق محطات القطار لأشهر عدة، والتخريب المنهجي للقضاء حتى وصل الأمر للقوانين المخيفة التي تصدر، مثل قانون إلغاء طلب رد المحكمة، وهو ما ينذر بهدم منهجي لأية التزامات من قبل الدولة بإجراءات القانون ومنظومة العدالة، وكل شيء يحسب حالياً على الرشوة والمحسوبية والقمع المباشر الذي يصل للتعذيب والقتل.

هذا النظام الجديد أقرب لأنظمة الحكم في دول أفريقيا جنوب الصحراء بعد الاستعمار، مثل عيدي أمين. نظام مجنون ليست لديه أية التزامات أو عقد اجتماعي، عبارة عن عصابات تحكم بالقهر فقط، ليست لديها أي مشكلة بانهيار الاقتصاد تماماً، ولا في عدم حدوث تنمية، أو انهيار البنية التحتية، ومستعدة لدخول حروب كاملة في مناطق مثل سيناء من دون أن تكون آبهة بالإرهاب، بل على العكس، فمثل هذه الأنظمة تستخدم الإرهاب كذريعة. هذه السلطة لا تعبأ إلا بالاستمرار في السيطرة على الجيش والشرطة والقضاء والوزارات والمدن الكبرى مثل القاهرة، من دون الاكتراث بالعشوائيات، وتعمل لمصالح ضيقة جداً، مثل إنشاء المشاريع الكبرى بأموال دول خليجية.

نحن أمام نظام أسوأ من مبارك بكثير، لم تشهد مصر مثيلاً له. نظام معني أصلاً بهدم مصر وهدم مقومات الحياة والاقتصاد فيها. التخريب كان موجوداً في الماضي، ولكنه كان تخريباً ناتجاً عن فساد أكثر من كونه تخريباً مقصوداً. أمّا الآن، فالتخريب مقصود، لأن البلد كلما كان أقل تعقيداً وأقل تقدّماً، سيتحول إلى ما يشبه أسوان حالياً، أي مواجهات بالسلاح الذي يتم تخزينه منذ سنوات. يريد النظام تحويل مصر إلى هذا المشهد، من دون أن يكون ملزماً بأي شيء تجاه أي جهة كانت.

بالتالي، فإنّ الانتخابات والتفاوض مع الأحزاب، هي الوضع المؤقت، بينما القمع والطوارئ والحرب على الإرهاب، فهي أوضاع دائمة، يريد أن يثبّتها النظام الحالي إلى مدى الحياة، والواضح أنه مضطر إلى تنظيم مسرحية انتخابات رئاسية، لأنه لم يحكم سيطرته بعد بشكل كامل على المجتمع، وبالتالي فهو لا يزال مضطراً إلى إجراء مسرحيات انتخابات، وعندما تزيد الفضائح عن حجم الاعتقالات والقمع، يضطر لإخراج بعض الحالات الإنسانية، مثل السيدة ذهب (السيدة التي ظهرت صورتها في المستشفى وهي تضع طفلتها بينما هي مكبلة بالأصفاد)، بمعنى أنه أحياناً يكون مضطراً للعودة للخلف خطوتين، من أجل خطوات أخرى أسوأ إلى الأمام.

ــ هل يفرق النظام بين المعتقلين بناءً على خلفياتهم السياسية أو شهرتهم وتأثيرهم في الرأي العام؟

* في ملف المعتقلين، لدينا ظاهرة جديدة، كنا نقلق على المجهولين، أما المشهورون فكنا نعلم أنه إذا تم حبس أحدهم، سيقضي في السجن أشهراً عدة، وسيعامل جيداً، ثم يخرج. أما الحاصل الآن، فهناك تنكيل وتعذيب لنشطاء معروفين، لم يحدث هذا السيناريو مع كل النشطاء سابقاً خشية رد الفعل. أنا مثلاً لم أتعرض للتعذيب، ولكن ضُربت في منزلي، وضُربت زوجتي، واقتحموا شقتي وسرقوها. والأخطر من التعذيب والتنكيل، هي الأحكام القضائية الصادرة بحق النشطاء، فهم يقصدون حبس أحمد دومة ومحمد عادل وأحمد ماهر، ويقصدون حبس منظمي تظاهرات قضية خالد سعيد في الإسكندرية، لكسر الجيل ومحو رموزه من الوجود تماماً.

ــ كيف ترى مستقبل الحياة السياسية والعمل السياسي في مصر؟

* أنا أعتقد أولاً أن هناك صعوبة في مواجهة سيناريو جديد ومجهول تماماً، تجربة دكتاتورية مثل عيدي أمين، وبول بوت، كل منهما لم يكن فقط دكتاتوراً سلطوياً يريد السيطرة، وعندما يتمكن من السيطرة لا يخرج من السلطة إلا بتدخل خارجي وكوارث. ولنا في القذافي وصدام حسين أمثلة عظيمة عاصرناها بالفعل، بالتالي لدينا معركة حياة أو موت، وليست لدينا رفاهية البدائل، بل نحن بحاجة إلى أن نصالح أطراف المجتمع لأن هناك حالة استقطاب سياسي انتقلت إلى المجتمع، ويتم التعبير عنه بعنف واقتتال، لذلك نحن بحاجة لوقف هذا النظام و"فرملته"، وأعتقد أنه لا يزال في استطاعتنا ذلك.

من الصعب توحيد الناس على برنامج واحد حالياً، ولكن من الممكن توحيد الناس على ملفات لا خلاف حولها، وهذه أهمية مبادرة مثل إسقاط قانون التظاهر أو ملف المعتقلين. لا بد من كسر قدرة النظام على العبث بالنظام التشريعي، وكسر الحالة المجنونة لاستقلال القضاء عن القانون، إذ إن السلطة القضائية أصبحت لا تختلف عن الأجهزة الأمنية في عدم التزامه بأية ضوابط. لذلك، نجد التنكيل بقضاة الاستقلال والشباب الذين نظموا أولى تحركات وقفات وفعاليات خالد سعيد، وقضايا خاصة لحركة 6 أبريل وقضايا أخرى للعمال، وهذا يعني أن هناك إعداداً لقضايا تقضي تحديداً على جذور ثورة يناير.

ــ ما هو تقييمك لموقف الأحزاب السياسية وجماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية من هذه الحالة من الاقتتال والعنف والاستقطاب؟

* الأحزاب مصرة على أن هذه أوضاع مؤقتة، لكن على العكس، هذه أوضاع دائمة، لذا لا بد أن تدرك الأحزاب السياسية في مصر هذا الأمر، وأن يبدأوا في الانسحاب من هذه السلطة وأن يعادوها بشكل صريح من أجل "فرملتها".

وصلت قناعتي لحد أنّ كل مؤسسات هذه الدولة متهرئة، ولكن من الصعب الدعوة لحركة جامعة موحدة لهدم الأجهزة الرسمية القمعية والتي ينخرها الفساد، في رأيي هذه ضرورة لأن هذه سلطة دورها القتل فقط، وما يمكننا فعله هو إقناع الناس بضرورة إيقاف هذا الجنون، والجلوس سوياً مرة أخرى.

لا يمكن تنفيذ ذلك في ظل حالة الانقسام الداخلي التي تصل إلى حد الاقتتال، وللأسف الشديد، لا يزل خطاب الإسلاميين و"الإخوان" يشع طائفيةً ضد الأقباط في مصر بالتحديد؛ مثلاً، قرار الحجر على أموال الجمعيات الخيرية والإسلامية، هو قرار ظالم تأثيره واسع جداً، ليس على جماعة الإخوان المسلمين فحسب، ولكن أثره يمتد على كل المستفيدين من خدمات تلك الجمعيات، وخصوصاً الخدمات الصحية. هذا القرار وحده كان من شأنه أن تقوم ثورة من أجله. لكن البيان الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين في الخارج، المنفصلة عما يحدث على أرض الواقع، يقول إن مثل هذا القرار يؤدي لزيادة خطر التبشير. الإخوان، الذين يخوضون معركة مع مؤسسات النظام حول عناوين تتعلق بعموم الناس، وتخص أفقرهم وأكثرهم عوزاً، مثل الحجر على الجمعيات، كان بإمكانهم إصدار موقف سياسي جامع شامل يجعل عموم الناس وأكثرهم فقراً ينتصرون للقضية، ولكنهم اختاروا أن يعادوا المسيحيين.

كذلك فإنّ طرفَي الجماعات والأحزاب السلفية، سواء المتحالفين مع العسكر أو مع الإخوان، يعتبران أن الشيعة هم الخطر الرئيسي على الدولة.

أما "الدولجية" (نسبة للمنتمين لنظام الدولة) و"السيسجية" (نسبة لأنصار السيسي)، فيصنعون حملات تشويه متتابعة، مثل تشويه الاعتصام النسائي الأخير عند قصر الاتحادية، من خلال التركيز على صور نساء يشربن سجائر، منهنّ والدتي.

في ظل هذه الحالة المجنونة من التحريض الطائفي والعنف المستمر ضد النساء، عندما أقول للناس إنه يجدر بنا هدم الأجهزة القمعية والفاسدة، يُقال عني إني مجنون وأسعى لتدمير حياتهم، لذا أنا حالياً مضطر إلى البحث عن بناء تيار يوقف هذا الجنون في المجتمع، ويوقف هذا النظام الجديد الذي يدفع إلى المزيد من التوحش، لكي نتمكن بعد ذلك من الجلوس بعضنا مع بعض لنرى ماذا يمكننا أن نفعل.

ــ كيف ترى إمكانية العودة إلى مشهد ما قبل 19 مارس/آذار 2011، تاريخ الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي كانت بمثابة الشق الأول في الصف الوطني؟

* للأسف، من الظلم الشديد أن أطلب من الناس أن تقوم بمراجعات فكرية وهي في السجون مهددة والسلاح مصوَّب نحو رؤوسهم، ولكن هذا ليس معناه أنّ التورط في الخطابات الإقصائية صادر من القيادات فقط، ولكنه مستمر من الناس المسجونين أيضاً. لذلك أرى انه لا بد من وقف موجة القمع أولاً، وإخراج الناس من السجون لكي نقدر أن نتحدث عما إذا كان بالإمكان استعادة وحدة الصف أم لا، وأنا أتصور أن استعادة وحدة الصف بعيدة المنال، لا بد من الوصول أولاً لقناعة أن ليس لأحد القدرة على الحسم والإقصاء، لكي نخرج من هذه الدائرة المجنونة. أولاً، لا بد من الوصول إلى قناعة بأن كل طرف لا يستطيع أن يفرض على الآخر نظاماً بالقمع، وأنه لا بد من قيام نظام على التراضي من دون الخضوع لخطة أي طرف.

المشروع الإسلامي غير نافع تنفيذه، والمشروع الناصري كذلك، وأي محاولة لتطبيق مشروع جاهر سينتج عنه إقصاء للآخر. لذلك، لا بد من الوصول أولاً إلى قناعة تفيد بأنه لا إمكانية لحل أي شيء إلا بالتراضي، وأن لا أحد سيقضي على الثاني، وبعد ذلك نرى.

ــ ما هو تقييمك لتعامل النظام الحالي مع الانقسامات السياسية والاجتماعية داخل مصر وخارجها؟

لا يمكن فرض حلول حاسمة وسريعة وعنفية لمشاكل متوطنة وصعبة، لا اقتصادياً ولا سياسياً ولا اجتماعياً ولا ثقافياً، لكن المقتنعين بعدم وجود حلول حاسمة قليلون. حتى في التعامل مع أزمة التحرش الجنسي في مصر، التي تشكل تهديداً حقيقياً ضد النساء، فالحديث عن وجود خطوات رادعة ليس حلاً، لأنه من الواضح أن التحرش الجنسي تمارسه نسبة غير قليلة من الرجال، لا يمكن سجنهم كلهم، والأمر نفسه ينطبق على التعامل مع ما يحدث في أسوان. يصعب البحث على المتسببين في المذبحة ونحبسهم، طالما لدي أزمة متفجرة، لا يمكن الحديث عن حل ردعي وحاسم. الأمر نفسه ينطبق عند الحديث عن أزمة سد النهضة وأثيوبيا، على طريقة كلام الصحافي مصطفى بكري: "حندخل ندبح الأمريكان في بيوتهم في مصر". هذه الطريقة في التفكير لا بد أن تتوقف لأنها تجعل الحديث عن المصالحة أمراً عبثياً، لذا يُفترض أن نصل إلى خطوات المصالحة هذه قبل الحديث عن وحدة الصف. لا أستطيع أن أرى كيف ستعود وحدة الصف مع "الإخوان" حالياً، ولا حتى في المستقبل القريب، ويصعب جداً أن أطلب منهم أن يغيروا من أفكارهم تحت ما يتعرضون له من قمع، ولكن ما أستطيع القيام به، هو الضغط من أجل خروجهم من السجون أولاً. كل ما أستطيع تصوّره حالياً، خطوات قصيرة للخروج من الكابوس، لكي نستطيع أن نكمل الطريق.

ــ هل هناك سبيل للحديث عن حلول للخروج مما تسمّيه الكابوس؟

* أتصور أن ذلك ممكن. اللفظ المجتمعي للشباب وللثورة وللتغيير، وحالة التأييد الأعمى للعسكرة وللدم، تغيرت الآن، وأصبحت أفضل كثيراً مما كانت عليه الأحوال قبل سجني منذ أربعة أشهر، فمعارك الجامعات وما حدث في 25 يناير، في ذكرى الثورة، وعزوف الشباب عن المشاركة في الاستفتاء، وعودة أزمات الطاقة التي أخرجتنا من ادعاءات البعض عن أن "الإخوان يحوّلون الكهرباء لغزة"، ومن ادعاءات "الإخوان" أن "هناك مؤامرة وموظف يحصل على 20 جنيهاً ليتحكم في شبكة الكهرباء"، والطرفان متمسكان بنظريات مؤامرة ليست لها علاقة بالواقع وبأنّ لدينا أزمة طاقة حقيقية نتحدث عنها منذ 2008.

أظن أن الناس سترى مع الوقت أن هذه السلطة لن تقدم لهم جديداً، وبالتالي فإنّ بقاءها مرتبط بالخوف، وأثر الخوف لدى الناس من النظام الحالي والإسلاميين يتراجع. أستطيع أن ألمس مساحة الحديث عن كسر الخوف، وهذا يترجم سبب حبسنا ومنعنا من الظهور في الإعلام. النظام يتركنا ننشط على الإنترنت، ولكنه يحاول عزلنا عن الفئات العمرية والمجتمعية التي يستهدفها، لأنه مدرك أنه لو كان قد حسم أموره في شهرين، لكان قضى علينا نهائياً، ولكن عجزه وفشله، كل هذه الإطالة والمماطلة في خريطة الطريق، وخسارته لحلفاء طول الوقت، وعجزه عن إحراز أي تقدم في الملف الدولي والملف الاقتصادي، كل ذلك يجعل الناس مهيأة للاستماع لكلامنا، لذلك يمنعنا النظام من الظهور في الإعلام والتواصل مع فئات المجتمع، وهذا تكرار للمنظومة السابقة نفسها التي تجعل صوت المعارضة الوحيد الظاهر، هو صوت الإسلاميين، بالتالي سنبقى في الدائرة نفسها مع تطورات أكثر دموية وعبثية.

ــ ما هو موقفك من الانتخابات الرئاسية؟ وهل حمدين صباحي كواجهة للثورة، يمكن أن ينهي هذا "الكابوس" على حد تعبيرك؟

* إنهاء هذا الكابوس هو نية حمدين وحملته بالفعل، هم مقتنعون بأنهم سيتمكنون من إيقاف هذا الكابوس، وهذا شيء أنا أحترمه، ولكنّ تقييمي أن الشباب سيمتنعون عن المشاركة في الانتخابات، مثلما حدث في البرلمان والرئاسة والاستفتاء. مع مرور الأيام، تقلّ نسبة مشاركتهم أكثر فأكثر، حتى وصلنا في الاستفتاء على الدستور مع نسبة مشاركة شبه منعدمة للشباب. أتصور أن هذا سيحدث في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بالتالي مهما كان حسن نوايا حمدين وحملته، فهذا واقع يفرض نفسه، وأرى أن مخرج حمدين من هذا المأزق ثمنه غالٍ، هو أن يتبنى خطاباً نقدياً بشكل جذري تجاه المؤسسات، وأعلم أنه كرجل ناصري، رؤيته ستكون معتمدة بشدة على استخدام المؤسسات من أجل تنمية وتطوير المجتمع، وأنا رأيي أن هذه الخطة لم تعد تنفع، وكان ممكن حدوثها لو حصلت الثورة قبل 30 عاماً، لكن بعدما دخلنا في سيناريو التوريث لجمال مبارك، انتهت فرص هذه الخطة تماماً، والتخريب المنهجي للمؤسسات في السنوات الثلاث لما بعد الثورة، يجعل ذلك مستحيلاً.

لا أرى أملاً بالسماح في انتخابات نزيهة، ولا بحدوث التفاف حول حمدين بشكل يمكن أن يغير الأمور. أتفهّم دبلوماسيته ومحاولته للحديث مع جمهور واسع، ولكنه مُطالَب بأن يتفاعل مع الواقع. حمدين تحدث سابقاً عن قانون التظاهر، ولكن الآن عليه أن يدرك أن القانون أيضاً ينظم الحملات الانتخابية، لدرجة التضييق والقمع في مواده الخاصة بالمؤتمرات الانتخابية. لذلك يجب على الحملة والحزب أن ينتقدوا القانون من هذا المنطلق، ومن المهم للأحزاب السياسية التي تنوي المشاركة في الانتخابات البرلمانية، أن تنتقد القانون أيضاً.

فقانون التظاهر اعترضت عليه الأحزاب، وصدر، وقانون الانتخابات الرئاسية اعترضت عليه الأحزاب، لكنه أيضاً صدر، ولم يتم استشارتها أصلاً في قانون الإرهاب، وهذا وارد أن يحدث معها في قانون الانتخابات التشريعية، لذلك ستكون النتيجة محو هذه المعارضة، ولن يسمح لها في الانتخابات التشريعية المقبلة بالحصول على "كرسيَّين" في البرلمان، وكل ذلك في إطار القوانين.

المساهمون