على هامش حرق الكساسبة

على هامش حرق الكساسبة

07 فبراير 2015
+ الخط -

علمتنا عروبتنا، ونحن صغار، كل ما في الشهامة من فضل، وما في الكرامة من إخلاص، فظللنا متشبثين بعادات أجدادنا، نرفض الإهانة، ولا نقبل المساومة في الكرامة، حتى حلّ زمان أصبحنا فيه "غزاة مدينتنا". نؤجّج حروب القبائل والعشائر والطوائف، ونغيّر اتجاه البنادق إلى حروب الإخوة - الأعداء: حرب لبنان - حرب اليمن - حرب الصحراء الرمال.. حرب ليبيا. ألا يكفي هذا؟.

ألا يكفي أن تضيق بعض السجون العربية بنزلائها من العرب، كالسجن الصهيوني تماما، وترتفع أسعار النّفط في بلاد النّفط، وأسعار القطن في بلاد القطن، ويتحوّل النفط العربي في أنابيب أميركا إلى قذائف إسرائيلية وأميركية حارقة على الشعب الفلسطيني الأعزل، وعلى ليبيا.. وبغداد؟
واليوم، ها نحن، اليوم، نساق إلى هوّة الانكسار، ونغدو منها على الشفير، حيث لا شيء في القاع غير الندم وصرير الأسنان. وما علينا، إذاً، والحال هذه، إلا أن نحدّد، للأجيال المقبلة، من كان القاتل، ومن كان القتيل؟ من أين جاء كل هذا الخراب؟ وكيف صيغت أقدارنا، وارتسمت خطا مستقيما من حديقة البيت الأبيض إلى ساحة الفردوس في بغداد؟ ويظل السؤال حافيا عاريا ينخر شفيف الرّوح. الخطب، هذه المرّة، مؤلم وفجيع. 
المؤلم، هنا، أنّه ما من أحد يفسّر السعي الأداتي المتقن للضمير العربي إلى تحويل جراحنا الغائرة إلى أشكال هندسية، داخل المشهد الجغرافي السياسي لمنطقة الشرق الأوسط. مجرّد أشكال هندسية قابلة للترتيب والبعثرة والتلوين أمام أية فضائية، في الوقت الذي نشحذ فيه سكاكيننا، كي ننهال على رقاب بعضنا قتلاً وترويعاً.
من محمد البوعزيزي إلى شهداء فلسطين، إلى أرقام أخرى في سجلات معتقل أبي غريب، إلى الرصاصة الأولى قبل سقوط بغداد، إلى تل الزعتر، إلى بيروت 82، إلى حديقة البيت الأبيض وسلام الشجعان، إلى طائرات الأباتشي تفترس الرضع، إلى داعش تذبح، وتحرق وتقتل، إلى "خريطة الطريق" تجرف مديح الظل العالي، إلى طائرات الناتو وهي تقصف أحفاد عمر المختار، إلى الذبح والسحل والقتل والرجم والحرق والكفر والتكفير، على الهواء مباشرة. هذا في وقت "يحجّ " فيه دعاة فتاوى الموت إلى لندن وباريس ونيويورك.
منذ تراكم الخيبات، صرت لا أعلم إن كانت أصوات الشباب العربي الثائر، المنادية بالحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، تصل إلى الحكام العرب الذين تربعوا على كراسي "المجد" عقوداً، من دون أن ينال "الإرهاق" منهم؟ لأكون صادقا أقول إنني، الآن، وأنا غارق في عجزي، أحسّني على حافة ليل طويل، بهيم، ولا أستطيع أن أعزّي النّفس بأنني أنتظر فجراً، أو قيامة.
والأسئلة التي تنبت على حواشي الواقع: ألم نخض حربا مهزومة عام 67 وأخرى بديلة عام 73 وحربا أهلية عام 75 وما زالت هذه الحروب، علاوة على أخرى غير معلنة، تنزف، وما زال كذلك صفّنا العربي مبعثرا، كما ظلّت فلسطين تبكي بصوت مشنوق حظّها العاثر؟ ألم نتغافل عن تفاصيل هذا الواقع المأزوم، من دون صياغته بما يسمو بطموحاتنا إلى ما وراء تخوم الراهن، واكتفينا بالإدانة والهتاف لثورة حتى النّصر؟ ألم نتجاهل تداعيات الهزيمة، بدل التوغّل في أدغالها وشعيراتها الدقيقة، لتعريتها وكشف انعكاساتها المريرة على الفرد والجماعة والوطن والعقيدة، واعتمدنا، في علاجنا، وريقات التّوت لتغطية جسد عربي عليل، ترهّل وأثخنته الجراح؟

ألم نصمت حين ظهرت القاعدة وفرّخت "داعش" و"النصرة"، وباقي أخواتها. فهل اختلطت علينا الأمور إلى حد لم نعد نميّز بين تجليات الهوية في مواجهة الاغتصاب الأجنبي، وإفرازات الإقليمية كإحدى ثمار الهزيمة، وتصالحنا، تبعاً لذلك، مع الوهم، وأدرنا ظهرنا للحقيقة، وافتقدنا، نتيجة لهذا وذاك، الحساسية القومية، كأحد العناصر الجوهرية في بناء أي صرح حضاري؟

avata
avata
محمد المحسن (تونس)
محمد المحسن (تونس)