كيف عاش آخر البشر البدائيين؟

كيف عاش آخر البشر البدائيين؟

03 فبراير 2020
انقرض إنسان نياندرتال قبل 28ألف عام(سيباستيان ويلنو/فرانس برس)
+ الخط -
لم نكن النوع البشري الوحيد على قيد الحياة قبل 40 ألف عام في أوروبا، بل كان هنالك 3 أنواع أخرى أبرزها الإنسان البدائي المعروف باسم "نياندرتال"، الذي عاش لأكثر من 300 ألف سنة في كهوف أوروبا، وانقرض قبل حوالي 28 ألف عام، فكيف كانت الفترة الأخيرة من حياة هذا الكائن الذي يشبه الإنسان المعاصر بشكل كبير، ويتميز ببنيته الضخمة وحواجبه الكثيفة؟
 

مدينة النياندرتال
أشارت الأبحاث الأحفورية إلى أنّ القلة الأخيرة من البشر البدائيين تشبثوا بالحياة في محاولة للنجاة، في أماكن مثل جبل طارق، منطقة الحكم الذاتي التابعة اليوم للتاج البريطاني، في أقصى جنوب شبه جزيرة إيبيريا، وساعدتنا الاكتشافات التي عُثر عليها في تلك المنطقة، على فهم المزيد عن حياتهم، وكشفت أنهم كانوا يشبهوننا أكثر مما كنا نتخيل، وفقًا لموقع "بي بي سي". وكان كهف غورهام من بين 4 كهوف في جبل طارق، كُشف أنّ أفراد النياندرتال الأخيرين عاشوا فيها، وأوضح كلايف فينليسون مدير الآثار في متحف جبل طارق، أنّ هذه الكهوف كانت بمثابة مدينة للنياندرتال، وكان فيها أعلى تركيز من البشر البدائيين في أوروبا، ومن غير المعروف ما إذا كان تعدادهم هنالك يقتصر على العشرات فقط، أو على عدد قليل من العائلات، بعد أن أشارت الأدلة الجينية إلى أنّهم عاشوا في "العديد من المجموعات السكانية الصغيرة". واكتُشفت أول جمجمة لإنسان نياندرتال بالغ في جبل طارق عام 1848، ثم عُثر بعد ذلك على عظام 7 أفراد آخرين، بالإضافة للعديد من القطع الأثرية التي استخدموها في حياتهم اليومية، مثل الصّدف وبقايا الحيوانات، وتشير بقايا الحفريات المكتشفة في طبقات الرواسب داخل كهف غورهام، إلى أنّ البشر البدائيين استوطنوا المكان لأكثر من 100 ألف عام، حتى وقت ما بين 24 ألف و33 ألف عام سابقة، مما يجعل المنطقة واحدة من بين آخر المناطق المعروفة التي عاشوا فيها.



 

أسلوب العيش
تدخل أشعة الشمس إلى الكهف من مدخله الأمامي، ذي الإطلالة المباشرة على المحيط، في حين يعم الظلام الجزء الخلفي منه والمقسم إلى عدة تجاويف، تبقى باردة في الصيف ودافئة في الأشهر الباردة، مما يجعلها مكانًا مثاليًا للراحة وآمنًا من الحيوانات المفترسة. وعلى الرغم من أنّ البشر البدائيين كانوا ذوي أقدام قصيرة وبنية أضخم من بينتنا، وكانوا يتسمون بالعنف حيال أي كائن يقترب من تجمعاتهم، إلا أنهم كانوا يشبهون الإنسان المعاصر لحد كبير، ولا نتشارك معهم بـ 99.5% فقط من الحمض النووي نفسه فحسب، بل ما زلنا نحمل بعضًا من حمضهم النووي حتى اليوم، بسبب الاختلاط الجيني ما بين أفراد من الإنسان الحديث الذي نزح من أفريقيا لأوروبا، وأفراد من بشر النياندرتال الذين عاصروهم. وتشير الاكتشافات في كهف غورهام إلى أنّ البشر البدائيين تغذوا على الأحياء والثدييات البحرية، وأنهم كانوا يصطادون الدلافين، كما عُثر في الكهف على بقايا أكثر من 150 نوعًا مختلفًا من الطيور من بينها طيور جارحة، وتشير علامات القطع والأسنان عليها، إلى أنّ بشر النياندرتال اصطادوا بعضها للأكل، وبعضها الآخر لاستخدام ريشها في اللباس أو صناعة المجوهرات، مما يشير إلى أنّ مهاراتهم المعرفية ربما كانت مشابهة لمهاراتنا.

فنانون قدماء
اكتشف فينليسون وزوجته جيرالدين عام 2014، علامة على جدار كهف غورهام عام 2014، تبدو كأنها أول دليل على الفن البدائي، وأشارت جيرالدين إلى أنّ الدلائل كشفت أنّ العلامة متعمدة ولم تنشأ عن طريق الخطأ، بل نتيجة عملية فكرية واستخدام أداة حجرية. وأشارت اكتشافات أخرى لأصداف مزخرفة، واستخدام أصبغة حمراء من أكاسيد المعادن في مواقع استيطان البشر البدائيين، إلى أنهم وظفوا العديد من الأدوات لأغراض فنية، كما نسبت العديد من لوحات الحيوانات والأشكال الهندسية في الكهوف، والتي عُثر عليها في إسبانيا عام 2018، لبشر بدائيين عاشوا قبل 64 ألف عام.

قدرات لغوية متطورة
كشفت إحدى الدراسات عام 2013، أنّ أجساد البشر البدائيين تضمنت عظمًا فريدًا يوجد لدى الإنسان، يطلق عليه اسم "العظم اللامي"، وهو عظم يقع في مقدمة الرقبة تحت الذقن وفوق الغضروف الدرقي ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحديث، مما يشير إلى أنّ إنسان النياندرتال ربما كان له لغة مثلنا، وأنه ربما كان قادرًا على نقل المعلومات والتواصل الشفهي. كما أشارت أبحاث أخرى إلى أنّ البشر الحديثين، ربما تعلموا استخدام الأدوات العظمية من البشر البدائيين الذين عاصروهم، بل وحتى استخدام الثياب، نظرًا لأنّ أفراد النياندرتال عاشوا في المناخات الأوروبية الباردة سنوات طويلة قبلنا، وربما كان لقاء الإنسان الحديث مع إنسان النياندرتال مهمًا أكثر مما نعتقد، فيما أصبحنا عليه اليوم.

 

 

 

 

 

 

المساهمون