لبنان: زيادة الاحتياطي الأجنبي رغم القلاقل السياسية

لبنان: زيادة احتياطي العملات الأجنبية رغم القلاقل السياسية

22 مارس 2018
المركزي حافظ على الاستقرار بثبات سياسته النقدية (غيتي)
+ الخط -

استطاع لبنان أن يحافظ على استقرار سعر صرف عملته واحتياطي النقد الأجنبي لدى مصرفه المركزي، بل وزيادة الاحتياطي في بعض الأوقات على رغم التوترات السياسية التي واجهها خلال الفترات الماضية.

وأعلن حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامه، أخيراً، ارتفاع موجودات المركزي بحوالي 1.4 مليار دولار حتى آخر فبراير/ شباط 2018 مقارنة مع أرقام نهاية سنة 2017.

وأشار سلامه خلال كلمة في مؤتمر "الاستثمار في البنى التحتية في لبنان" الذي نظمته مجموعة الاقتصاد والأعمال والهيئات الاقتصادية اللبنانية، في 6 مارس/ آذار الجاري، إلى أن "ميزان المدفوعات سجل في يناير/ كانون الثاني فائضا يساوي 235 مليون دولار، وهذا ما جعل مؤسسة ستاندرد أند بورز تبقي على نظرة مستقرة للبنان لعام 2018".

ويعكس تصريح سلامه اطمئنان لبنان الرسمي إلى استقرار سعر صرف الليرة، وتأمين تغطية احتياطي العملات الأجنبية للعمليات المالية والواردات وأعباء الديون الخارجية.

وبحسب كبير الاقتصاديين ورئيس مديرية البحوث والتحاليل الاقتصادية في مجموعة بنك بيبلوس، نسيب غبريل، فإن "الاحتياطي النقدي يتأثر بارتفاع نسبة الودائع بالعملات الأجنبية، وقد استمر ارتفاع الودائع بغض النظر عن الخضات الأمنية والسياسية في لبنان خلال الأعوام الماضية".



وبحسب الخبير الاقتصادي، فإن "احتياطي العملات الأجنبية لدى مصرف لبنان، لم يتأثر بشكل جذري خلال السنوات القليلة الماضية على رغم الخضات السياسية والأمنية، مع أنه شهد بعض التقلبات صعوداً وتراجعاً".

ويُقدّم غبريل في حديث لـ"العربي الجديد"، مثالاً عن حجم "الودائع في المصارف التجارية، التي تبلغ 169 مليار دولار وتُوازي وحدها 3 مرات حجم الاقتصاد اللبناني".

وتُشير بيانات مصرف لبنان حول الاحتياطي الأجنبي تعود إلى أكتوبر/ تشرين الأول 2017 إلى أن "الاحتياطيات لدى المصرف المركزي تبلغ 44.3 مليار دولار". 

ويتحدث كبير الاقتصاديين في بيبلوس بإيجابية وتفاؤل عن وضع الاحتياطي الأجنبي لدى مصرف لبنان، على رغم تراجع مداخيل بعض القطاعات، مثل السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر والصادرات، التي ترفد الاقتصاد اللبناني بالعملات الصعبة، خلال السنوات الماضية".

ويشير غبريل إلى أن "تحويلات المُغتربين اللبنانيين إلى بلدهم لم تتأثر سلباً كما هو شائع، بل على العكس، فقد أشارت الأرقام الرسمية الصادرة عن المصرف المركزي إلى أن ارتفاع حجم التحويلات مستمر لكن بوتيرة بطيئة.

ويبلغ معدّل التحويلات، بحسب المركزي اللبناني، 7 مليارات و200 مليون دولار سنوياً. وتعد التحويلات أبرز موارد احتياطيات البلاد الأجنبية.

وينظر غبريل إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية كأحد مصادر العملات الصعبة، على رغم محدوديتها، مشيراً إلى "تراجعها من 15% من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2008 و2009 إلى أقل من 5% عام 2017".

كما تراجعت الصادرات "مع أنها كانت ضعيفة أصلاً قياساً بحجم الواردات، ولم تتجاوز في أفضل حالاتها 4 مليارات دولار سنوياً". وبحسب الخبير الاقتصادي أيضاً، فإن "النفقات السياحية ككل تراجعت بين عامي 2010 و2016 بحوالي 28%".

ومن جانبه، يرى الخبير الاقتصادي والأكاديمي سامي نادر، أن "تطور الاحتياطي النقدي يعكس قوة الاقتصاد بما يكفي لجذب العملات الأجنبية عبر السياحة والتصدير والتحويلات".
ويؤكد نادر أن "الاحتياطي الحالي كان كافيا لاستيعاب الصدمات المُتتالية التي هزت لبنان، ولكن القلق السياسي الدائم في لبنان يُبقي خيار خروج الودائع الأجنبية من المركزي اللبناني قائماً".

ويشير الخبير اللبناني إلى أن تحديد 3 أشهر كمدة زمنية لتغطية الاحتياطي النقدي "يعود لأن هذه المدة عادة ما تكون كافية لاستيعاب أزمة مرحلية معنية، وأي تجاوز لهذه المدة يُعطلّ ضخّ الأموال المُجمدة من الاحتياطي في السوق ويحرم المُستثمرين من فرص لتطوير أعمالهم". ويعتبر نادر أن "هذا المعيار تم اعتماده بالممارسة وليس نتيجة عملية حسابية".



وبحسب نادر، فإنه يتم اليوم النظر إلى الكميات الإنتاجية الواعدة من النفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية كعامل استقرار وتشجيع لدخول العملة الصعبة إلى لبنان.

ويؤكد أن "النفط والغاز سيُعززان من تصنيف لبنان الائتماني، لكن ذلك لن يعني تغاضي مؤسسات التصنيف عن معايير التصنيف، كقدرة الاقتصاد على جذب العملات الأجنبية، ومديونية الدولة وكمية سندات الخزينة، والتوجه الاقتصادي للدولة وإذا كان يتجه نحو تقليص العجز أو ضبطه أو زيادته".

وتُظهر مراجعة تاريخية للاحتياطي الأجنبي في لبنان أن المركزي اللبناني شهد 3 عمليات سحب كبيرة للودائع الأجنبية من خزنته: عام 2005 عند اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، وعام 2006 عندما شنت إسرائيل عدواناً واسعاً على لبنان، وعام 2011 عند إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري أثناء لقائه الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما.

وبحسب إحصاءات "بنك بيبلوس"، فقد أعقبت اغتيال الحريري أكبر عملية سحب ودائع بلغت نسبتها 4% من مجموع الودائع، لتنخفض بعدها 5% خلال عدوان تموز/ يوليو 2006، ثم فقد 1% فقط بمطلع عام 2011 عندما أٌسقطت حكومة الرئيس سعد الحريري. 

ولجأ مصرف لبنان إلى رفع الفائدة على الليرة اللبنانية لضمان عدم تأثر الاحتياطي الأجنبي بأزمة استقالة الرئيس سعد الحريري غير الطوعية التي أعلنها من الرياض نهاية العام الماضي.

ويواصل المصرف المركزي اللجوء إلى هندسات مالية بين وقت وآخر لضمان أقل قدر من التأثير السلبي للأزمات السياسية المحلية والإقليمية على الاقتصاد.

المساهمون