ليست إسرائيل وحدها

ليست إسرائيل وحدها

30 يوليو 2014
+ الخط -


يجب ألا  نبالغ في استغرابنا من المجازر الإسرائيلية وبشاعتها في فلسطين، ولا يجب تصديق الكيان الغاصب، وهو يتظاهر بالأسف عن قتل الأبرياء، ولا ينبغي استنجاده بالكلمات والدموع، فقتل كل عربي بالنسبة له إنجاز ومفخرة، وذلك جزء من عقيدته العنصرية. بحيث كتب مؤسس الحركة الصهيونية، وصاحب قيام دولة اليهود على أرض فلسطين، تيودورهرتزل، قبل الغزو الصهيوني لفلسطين: "لـن يـكون للعرب سوى وظيفة القيام بالأعمال المنحطة، جمع القمامة وتطهير الأرض وتجفيف المنابع وملاحقة الثعابين"، وصورة الاحتقار هذه هي الصورة العامة التي يحملها الصهاينة عن العرب، والتي تترجمها الوقائع على الأرض، لجعل العربي يشعر بالدونية في علاقته بالإسرائيلي "المتفوق" حسب الزعم الاستشراقي الصهيوني.

لا شك هي علاقة خالية من أي رباط إنساني، صادرة من عدو تسلح بكراهية قاتلة لشعب أعزل، كراهية ينقلها بالوراثة، ليذكر ضحيته بهذه الحقيقة مراراً، عبر اللجوء إلى همجيته المعهودة ليُعرف بنفسه؛ أنه كيان إرهابي مارق، لا يحترم إنسانية الإنسان. وغايته وراء ذلك، أن نألف بوجود كيانٍ اسمه إسرائيل، نحمله في وعينا الجمعي بصفات القوة والجبروت، يسكن أرضاً مسروقة من أهلها، ويسعى، من خلال رسم حدودها والاستيلاء على ما يرضيه من مساحتها، إلى أن يكون سيدها، تبعاً لما يختلق من ظروف مع ما يصنع من حلفاء. يبقى الغريب والمستعصي على كل فهم، هو أن تستسيغ الأنظمة العربية هذه الممارسة تحت أي مبرر. وما يثير الألم ويُدمي القلب، وإن كانت هذه كلمات لا تفيد. هو سخف بعض الأنظمة العربية في مواقفها، ويا ليتها التزمت الصمت، بدلاً عن اتخاذ مواقف صهيونية من هذا الشكل.

متى كان موقف الحاكم العربي تجاه قضية فلسطين في مستوى الحدث، ومستوى المقاومة ورؤية الشعوب للقضية. التآمر بالصمت تارة، وبالتهاون تارة، والذي هو حصيلة طبيعية تعكس طبيعة سلطتهم، غير القادرة على تبني قضايا شعوبهم العادلة، يبقى أهون من التواطؤ المكشوف الذي ظهر، هذه المرة، على أرض الكنانة، والذي عبر عن تحول نوعي وغير متوقع تجاه القضية الفلسطينية. تجلى هذا التحول، كما لا يخفى، في تبني الخطاب المضاد والرغبة المجنونة في القضاء كلياً على المقاومة الفلسطينية. حتى وصل الحد إلى أن تكون الحرب الجارية على غزة مصلحة مشتركة بين مصر وإسرائيل. ولنفهم بأن كل شيء انقلب مع الانقلاب في مصر، بما في ذلك معاني الكلمات، ومسميات الأعداء وهوياتهم.

هذه المرة، وبشكل سافر، تجاوز الأمر كل الخطوط السابقة للخيانة العربية، مع ظهور خطاب غير مألوف في الساحة العربية، عبّر عن نفسه بلغة التآمر والوعيد لأهل غزة. حمل هذا الخطاب اتهامات لحماس بالإرهاب، وقبلها اتهم الرئيس المُنقلَب عليه بالتخابر معها، وعلى إثر هذه التهمة اتهم بالإرهاب، وهكذا لم يكتف بانقلابه السياسي، بل أراد أن يقلب حتى المفاهيم بقاموس جديد من المعاني، سعياً منه إلى فرض رؤية جديدة، ونمط تفكير جديد معادٍ للشعوب وللقيم. يجعل من الحق باطلاً، ومن الباطل حقاً. ولخلق وهْم أن لجوء المستضعفين للكفاح المسلح غير مجدٍ، خوفاً من أن تشملهم شرارته. وسلطة الانقلاب بهذا لا تعكس في واقع الأمر، سوى عجزها عن فهم قوانين العدو الذي اتخذته صديقها الحميم. ولم تفهم قوانين الاجتماع البشري والتاريخ، التي تؤكد أن العنف لا يواجه إلا بعنف ثانٍ، عنف عادل ضد عنف ظالم.

ها هو عبد الفتاح السيسي الذي حذر من خطورة حماس، يتخابر علناً مع إسرائيل. لأن هذه تنسجم معه عقدياً، كما يفهم من كلامه، وكما يتضح من سلوكياته، وكأن التآمر على المقاومة ليس إرهاب دول، ولا يرى أن ما تفعله إسرائيل بأطفال غزة جريمة حرب، فكيف يعتبر ذلك وهو فعل بأبناء جلدته أكثر من ذلك في ميدان رابعة، وباقي ربوع مصر، وما يزال؟

الحقيقة أنه ليس وحده في هذه المعركة، معركة قلب الثوابت، بل يعكس رؤية كل من اعترف به، ودعم انقلابه. هذا ما يقوله لنا النظام الحالي في مصر، في وقت يدور فيه العدوان على غزة. أما إعلامه المسعور، الذي قل نظير عدوانيته للمقاومة، حتى فاقت كراهية العدو الحقيقي. وليسقط القناع عن القناع، برغبتهم المجنونة في نزع سلاح المقاومة. لذلك، من الضروري أن نسأل هؤلاء، هل عرف التاريخ شعباً صودر حقه في تقرير المصير والعيش كإنسان، ولم يلجأ إلى السلاح، وأمامنا جنوب إفريقيا وفيتنام والجزائر، أمثلة واضحة في هذا الباب. بل إن التأكيد على رفع السلاح حق لكل شعب يعترضه استعمار، ناهيك عن فلسطين التي تتعرض لأخطر أنواعه، استيطان ونفي وإجلاء يسبقه اعتقال وحصار وتشريد.

وهناك سؤال مخز آخر لكل مُعادٍ للمقاومة، ما بديلكم؟ ماذا قدمتم لفلسطين غير مزيد من التهويد والحط من قيمة الإنسان العربي، بمواقف مفلسةٍ، تكرس التفاوض بأسلوب عشائري، عوض مواجهة ألاعيب الصهاينة على المستوى الدولي. وفي النهاية، يأتي التباهي بإعادة الإعمار لإبراز من يدفع أكثر. لم السماح بالجرح، حتى نضطر للبحث عن الضمادة؟

خزي وعار أن يسرق نظام موقف شعبه، وإن يصرف أمواله لتكديس أسلحة تظل مركونة حتى يصيبها الصدأ. أو تفرغ في صدر من سولت له نفسه طلب حريته، حقيقة مُـرّة يقولها لنا التاريخ، "الغرب يقتل عدوه، والعرب قتلة شعوبهم". خـزي وعار أن نلوم المقاومة، مهما كان الاختلاف في الرأي معها، فالفلسطيني صاحب قضية، ونحن إخوة فيها، مهما بلغ تطرفنا. وخيانة الأخ في القضية خيانة للقضية.
لا تلوموا إسرائيل وحدها، ففي محيطها بيئة عربــية متصهينة حاضنة.

avata
avata
لحسن عبود (المغرب)
لحسن عبود (المغرب)