ما يبدأ بحسنين هيكل ينتهي حتماً بسمير رجب (5)

ما يبدأ بحسنين هيكل ينتهي حتماً بسمير رجب (5)

26 فبراير 2019
+ الخط -
الجزء الثاني من الصفحة الرابعة: إبراهيم سعدة طفل النظام المدلل

...

منذ أن أتيحت له الفرصة أن يتصل مباشرة بأنور السادات، حرص إبراهيم سعدة على ألا تنقطع تلك الصلة أبداً، متذكراً نصيحة أستاذه مصطفى أمين بأن يستأذن السادات في ما ينشره عنه، ولذلك نجا إبراهيم سعدة من أزمة عنيفة كان قد تعرض لها بعد أن نشرت (أخبار اليوم) مجموعة صور خاصة للسادات التقطها له مصور الرئاسة وأخبار اليوم فاروق إبراهيم، ظهر السادات فيها في أوضاع غير رسمية وهو يحلق ذقنه مرتدياً ملابسه الداخلية، وهي صور أغضبت جيهان السادات وكثيراً من رجال السادات، ورفعت الأجهزة الأمنية تقارير عديدة عن تهكم الرأي العام ووسائل الإعلام العربية على تلك الصور، التي رأى السادات أنها تشبه ما تنشره الصحف والمجلات الأمريكية عن رؤساء أمريكا، وأن مهاجمتها تعبر عن التخلف الفكري والإعلامي، ولذلك فقد ساند إراهيم سعدة الذي كان قد استأذن السادات سلفاً في نشر الصور، بناءاً على نصيحة مصطفى أمين، ولذلك كما يقول سعدة: "قطع السادات كل الألسنة التي طالبت برقبتي"، وبالطبع كانت تلك الأزمة أشد حدة من أزمة أخرى حدثت بعد تولي إبراهيم سعدة لمنصبه، حين نشر مقالاً افتتاحياً بتوقيعه، اتضح بالمصادفة أنه مأخوذ بالنص عن صحيفة فرنسية، وذلك بعد أن نشرت (الأهرام) في اليوم التالي ترجمة للمقال الفرنسي.
في مقدمة كتابه (آخر عمود) الذي صدر في أغسطس 1976 تحدث إبراهيم سعدة عن الأوضاع المزرية التي وصلت إليها الصحافة المصرية في ظل "النظام السياسي الذي خنق الصحافة وكمّم أفواهها ومنعها من الابتكار والتقدم والازدهار، كانت الرقابة صارمة وكان النقد ممنوعاً، وكان الرأي المعارض محرماً، استمرت الصحافة المصرية ـ طوال سنوات حكم عبد الناصر ـ عبارة عن نشرة رسمية تصدر بثلاث طبعات وبثلاثة أسماء: الأهرام والأخبار والجمهورية، وكانت الأخبار توزع على الصحف الثلاث بالعدل مرة، أو تقتصر على صحيفة واحدة ـ بأمر من الرقابة ـ عدة مرات، وتحول الكتاب إلى حملة المباخر، يهللون للحاكم ويتغنون بأمجاده وانتصاراته التي امتدت إلى خارج حدود المنطقة. خطب الحاكم وأعوان الحاكم أصبحت مقررات عامة تحتل أكبر مساحة في صحفنا ومجلاتنا، إذ تحدث عن تصوره لمستقبل السياسة العالمية في المنطقة، خرجت علينا مانشيتات الصحف لتصف الخطبة بأنها رسالة تاريخية لرئيس الدولة، إذا تحدث مع مراسل صحفي أجنبي، نشرت الصحف المصرية نص الحديث مؤكدة أنه أخطر حديث للرئيس، أو تعود فتؤكد: حديث تاريخي للقائد المعلم، ولو أحصينا عدد الخطب التاريخية وعدد الأحاديث التاريخية وعدد الرسائل التاريخية التي نشرت في صحفنا طوال السنوات الماضية لما استطعنا أن نحددها لكثرتها، وكان من نتيجة هذا كله أن القارئ المصري لم يعد يحفل بما يقوله الكاتب أو الصحفي، لم تعد الكلمة الصحفية تؤثر في القارئ، ولم تعد تثيره أو تحمسه أو حتى تهمه، واضطر الصحفيون إلى أن يكتبوا ما يريده الحاكم لا ما يريده القارئ".

لكن المثير للضحك والقرف أن إبراهيم سعدة بعد هذه المرافعة الحماسية ضد نظام عبد الناصر الذي لطالما تطوع لنفاقه، لم يكتب كلمة واحدة في كتابه ينتقد فيها أنور السادات، بل خصص أغلب فصول كتابه لمهاجمة عبد الناصر ورجال عهده، بالإضافة إلى بعض انتقادات وجهها لبعض مسئولي الدرجة الثالثة في عهد السادات، وحين قرر أن يباغت قارئ كتابه بفصل يحمل عنواناً جريئاً هو (مشكلة السادات!)، ملأ فصله بنفاق فاقع للسادات الذي اتضح أن مشكلته لدى إبراهيم سعدة أنه لا يبحث عن شعبية كاسحة، ولا يبحث عن أمجاده الشخصية ولا يواصل الأسلوب القديم في تخدير الشعوب والتلاعب بالعقول، "فالسادات لا يبحث عن مجد شخصي ولا عن تمثال في مقاهي بيروت، السادات يبحث عن سعادة شعبه، يحاول أن يرفع عن كاهل المواطن المصري البائس بعض ما يحمله من ظلم وقهر وحرمان... ويعمل من أجل بلاده ورفاهية شعبه، بدلا من أن يجمع الرخام والجرانيت ليبني به تمثالا له في ميدان التحرير"، ليعود إبراهيم سعدة بعد هذه السطور "الجريئة" لمواصلة هجومه على عبد الناصر وعهده، وعلى اليسار المصري "الذي لا يمتلك الشجاعة لكي يعلن إلحاده وشيوعيته"، ولا يظهر من بين صفوفه "من يملك الشجاعة ويعلن أنه لا يؤمن بالله ولا بالآخرة ولا بالرسل والأنبياء، وأنه اتخذ من ماركس إلهاً، ومن لينين نبياً، ومن ستالين زعيماً، ومن خروشوف رائداً، ومن بريجنيف رفيقاً أعلى".


لم يكن غريباً أن يحرص إبراهيم سعدة على أن تكون كتاباته السياسية من هذا المستوى الردئ المصمم على مزاج وذوق رئيس البلاد، فهو يعرف أن بقاءه في منصبه مرهون برضا الرئيس السادات عنه، ولذلك قرر أن يركز كل مجهوده على إثارة إعجاب السادات الذي سرعان ما شعر أنه أحسن اختيار كاتبه الجديد، وأحس بطعم مختلف لقلمه يختلف عما ذاقه من قبل من اقلام موسى صبري وأنيس منصور ومحسن محمد وغيرهم، ولذلك طلب السادات من إبراهيم سعدة بالتحديد أن يصدر له صحيفة (مايو) لتكون لسان حال الحزب الوطني الحاكم، ليجمع إبراهيم سعدة في سابقة فريدة من نوعها بين رئاسة تحرير (مايو) و(أخبار اليوم)، لتزيد نار عواذله اشتعالاً، خصوصاً بعد أن تم تكليف كل أجهزة الدولة بالتعاون مع الصحيفة الوليدة وتسخير كل الإمكانيات لنجاحها، بعد أن أحبط السادات من تراجع مستوى مجلة (أكتوبر)، وبالفعل لم يخذله إبراهيم سعدة، حيث وزع أول عدد من الصحيفة 500 ألف نسخة، لتصبح الدنيا في مصر وقتها "مايو في مايو" على حد تعبير إحدى إعلانات الصحيفة، لكن ذلك النجاح المصنوع لم يدم، بعد أن زادت حركة المعارضة للسادات من تأثيرها في الشارع المصري، لتفشل كل محاولات إنعاش (مايو) بعد ذلك، وتقضي بقية عمرها في حالة غيبوبة سريرية.

بعد أن مات أنور السادات وتولى حسني مبارك الحكم، وجمع الدكتور فؤاد محيي الدين بين منصبي الأمين العام للحزب الوطني ومنصب رئاسة الوزراء، حاول إبراهيم سعدة مد حبال المودة معه، لكنه لم يتفاعل معه بالشكل الكافي، فبدأ في شن حملة هجوم شرسة عليه، لكنه حاول في الوقت نفسه تقوية صلته بالرئيس مبارك، وطلب منه أن يسمح له بلقاءات منتظمة، قائلاً له إن صحيفة (مايو) كانت تقوم على ما يمنحه لها الرئيس السادات من أخبار وحوارات، وأنه لا بد أن تحصل (مايو) كل عدد من الرئيس مبارك مباشرة على حديث أو خبر أو مقال يكتبه لها خصيصاً، ورغم أن مبارك وافق في البدء على طلب سعدة، إلا أن مبارك لم يكن بطبعه مهتماً بالصحافة بنفس القدر الذي كان السادات وعبد الناصر مهتمَين بها، ولذلك لم تجد محاولات إبراهيم سعدة لإقناعه بدعم (مايو)، وهو ما وصفه سعدة قائلاً: "كانت هناك حرب علينا من داخل الحزب والرئيس ليس لديه وقت لنا وبدأ الضرب الشديد في مايو، والعملية وصلت إلى القول بأن مايو لا تعبر عن الحزب الوطني"، ليعلن سعدة أنه لن يسمح بتحول مايو إلى نشرة حزبية، ويتركها بعد خلاف مع صوفي أبو طالب رئيس مجلس الشعب وقتها.

بعد رحيله عن (مايو) كتب إبراهيم سعدة مقالاً يهاجم صوفي أبو طالب في (أخبار اليوم) بقوة لم تكن معهودة في الصحافة الحكومية، ولم يكن الكثيرون يدركون أن سعدة لم يكن ليشن ذلك الهجوم على رئيس مجلس الشعب، لو لم يكن مبارك يرتب للتخلص من صوفي أبو طالب، الذي كان قد تولى رئاسة الجمهورية لفترة محدودة بعد اغتيال السادات، وأنه كان يحضِّر لتصعيد الدكتور رفعت المحجوب في مكانه، ولذلك السبب وحده، لم تتم الإطاحة بإبراهيم سعدة كما توقع البعض، بعد الضجة الكبيرة التي أثارها مقاله الذي أغضب أبو طالب وعدداً من رجال النظام الأقوياء، لتبدأ بتلك الحركة مراسم اللعبة التي كان مبارك يحبها كثيراً، وهي توجيه رسائل إلى رجاله من خلال المنابر الصحفية الحكومية، التي كانت تستغل تلك الحملات في الإيحاء بأن هناك عهداً صحفياً جديداً، أصبح من الممكن فيه أن يتم مهاجمة رئيس الوزراء ورئيس مجلس الشعب وبعض الوزراء، على عكس ما كان يحدث في عهد السادات، ويبدأ العزف المتكرر على نغمة أن الرئيس مختلف عن رجاله، وأننا حين يخطئ رجاله لن نجد أفضل منه لكي نشكوهم إليه، وهي النغمة التي عزفتها الصحف الحزبية والمستقلة بعد ذلك، وظلت النغمة الأكثر عزفاً طيلة عهد مبارك، ثم أصبحت النغمة الوحيدة لفترة في عهد عبد الفتاح السيسي، قبل أن يعتبر نظامه أن من يهاجم أصغر مسئول فيه، يهاجم السيسي شخصياً، وأن مهمة الصحافة ليست الانتقاد ولا المعارضة، بل الدفاع عن النظام بأكمله ضد المؤامرات الخارجية التي تستهدف الدولة.

توثقت صلة إبراهيم سعدة بحسني مبارك، حين انهارت صحيفة (مايو) التي تولى صبري أبو المجد رئاسة تحريرها بعد سعدة لمدة سنتين، ففشل في إنقاذها برغم خبرته الصحفية الواسعة، وعاد إبراهيم سعدة لرئاسة تحريرها بطلب شخصي من حسني مبارك، لكنه طلب من مبارك اعفاءه من مسئوليتها لكي يتفرغ لرئاسة تحرير (أخبار اليوم) التي كانت قد أصبحت بعد ما أدخله سعدة عليها من تغييرات، أكثر صحف النظام شعبية وانتشاراً، وظهر وجود فرق بينها بين الكثير من الصحف والمجلات الحكومية "المتكلسة"، كان من أبرز الخبطات الصحفية التي حققها سعدة سعيه لاستكتاب محمد حسنين هيكل في (أخبار اليوم) بعد اقتراح عشوائي من إحدى محررات الدار، جعله يذهب لمقابلة هيكل، رغم أنه كان على خلاف سياسي معه، بوصفه تلميذاً لمصطفى أمين عدو هيكل اللدود.

بدأ اللقاء متوتراً حين سأل هيكل سعدة: "ما الذي يجعلك تهاجمني دائماً رغم أنني لا يربطني بك شيء؟"، ليفاجأ هيكل بأن سعدة يطلب استكتابه في (أخبار اليوم)، ليسأله هيكل عما إذا كان قد استأذن الرئيس مبارك في هذه الخطوة، فيقول له سعدة إنه لم يستأذن مبارك وأنه ليس في حاجة إلى استئذانه، لم يكن يمكن لهيكل أن يفوت فرصة كهذه حتى لو كان متشككاً في مصيرها، لذلك وافق هيكل على الكتابة بشرط ألا تُشطب كلمة من مقالاته، وألا يتم الرد عليها في نفس العدد، بل في العدد التالي لنشر مقالته، وحين سأل سعدة الرئيس مبارك ـ بعد لقائه كما يزعم ـ عما إذا كان معترضاً على كتابة هيكل في (أخبار اليوم) لم يعترض مبارك الذي كان قد أدرك مدى الفوائد التي يحصل عليها نظامه من وراء توسيع الهوامش السياسية والصحفية، تاركاً للأجهزة الأمنية أن تحدد الخطوط الحمراء التي لا يتم تجاوزها، وأن تختار اللحظة المناسبة التي يتم فيها تضييق الهوامش أو "تفييش الهوامش"، وهو ما حدث بالفعل حين تم إيقاف مقالات هيكل بعد وقت قصير من بدء نشرها، ليقول إبراهيم سعدة إنه لم يوقف نشر المقالات بتعليمات عليا، بل لأن (اخبار اليوم) نفسها لن تتحمل نيران الانتقاد الموجهة إلى هيكل وإليها.


كان عدد من أبناء (أخبار اليوم) العالمين بـ "بواضن الأمور"، قد أكدوا أن استكتاب إبراهيم سعدة لمحمد حسنين هيكل، لم يكن له علاقة برغبته في توسيع هامش الحرية، بل كان رغبة منه في ضرب أستاذه السابق مصطفى أمين، والذي كانت قد تعمقت قطيعته به منذ أن اتسع خلاف السادات مع مصطفى امين، لدرجة أن السادات أصبح يهاجمه في خطاباته العامة ويتهمه بنكران الجميل وعض اليد التي أخرجته من السجن، ومع أن مبارك سمح لمصطفى أمين بأن يكتب كما يشاء في صحف (أخبار اليوم)، إلا أن الجفاء بين مصطفى أمين وإبراهيم سعدة تزايد وتعمق كما تقول شهادات كثيرة، لدرجة أن إبراهيم سعدة لم يحضر حفل التأبين الذي أقامته المؤسسة لمصطفى أمين بعد رحيله. في حين لم تنقطع صلة إبراهيم سعدة بموسى صبري، الذي وقف معه إبراهيم سعدة في كل معاركه وأزماته، بما فيها أزمته مع الكاتب الكبير محمود عوض، التي وصلت إلى القضاء، حيث شهد إبراهيم سعدة أمام المحكمة ضد محمود عوض ولصالح موسى صبري، برغم أن 12 كاتباً من كبار كتّاب مصر وأعضاء مجلس نقابة الصحفيين وقفوا في المحكمة إلى جوار محمود عوض ضد موسى صبري، لكن شهادة إبراهيم سعدة أدت إلى تعقيد النزاع القضائي الذي ظل متداولاً في المحاكم بعد سنوات من رحيل موسى صبري.

في السنوات التالية لرحيل موسى صبري، واصل سعدة ما بدأه موسى من حرب على محمود عوض، ولم يكتف بمنعه من الكتابة، بل قام بالتضييق على حقوقه المادية في عز احتياج عوض لها، وكنت قد كتبت عن تفاصيل ذلك ثلاث مقالات نشرت في صحيفة (المصري اليوم) عام 2007 بعنوان (سعدة يغسل تاريخه)، وحكيت فيها كيف وصل حقد سعدة الموجه ضد محمود عوض، لدرجة أن سعدة حين أبلغته الرئاسة أنه سيترك منصبه كرئيس لمجلس إدارة أخبار اليوم، نظراً لرغبة جمال مبارك في إتمام حركة التغييرات الصحفية التي سيتولى فيها رجاله مواقع المسئولية في الصحف والمجلات الحكومية، اختار سعدة أن يكون من آخر قراراته إصدار قرار فصل نهائي لمحمود عوض من مؤسسة أخبار اليوم، لكي لا يكون من حقه الحصول على أي مستحقات مادية، واعترض بعض أعضاء المجلس على ذلك القرار، لأن محمود عوض المنزوي في بيته منذ سنوات كان ينتظر حكم القضاء في القضية التي رفعها على (أخبار اليوم)، وكان وقتها يعاني من أزمات صحية متتالية انتهت بأن مات وحيداً في بيته دون أن يتم إنصافه إلا من تلاميذه وقرائه.

على مدى السنوات التي احتفظ فيها إبراهيم سعدة بمنصبه كرئيس لمجلس إدارة (أخبار اليوم) ورئيس لتحريرها، لم ينس سعدة الدرس الأهم الذي تعلمه منذ أن بدأت علاقته بالسادات، وهو أن رضا الرئيس وحده سيجلب لك رضا كل من دونه، أياً كانت أهمية مناصبهم، وأن علاقتك بالأجهزة السيادية ستسهل لك الكثير من العقبات التي سيضعها أمامك منافسوك وحسادك، ولذلك تمكن من إحداث حالة من الشغب السياسي بعيداًعن الجمود المعتاد في الصحف الحكومية، انعكس إبجاباً على توزيع (أخبار اليوم) وعلى أداءها الاقتصادي، مما سمح له باستحداث عدد من الصحف والمجلات المتخصصة التي حسّنت موقف المؤسسة لدى النظام، وسمحت لإبراهيم سعدة بأن يكون له مكانة خاصة لدى رئيس الجمهورية، لدرجة أنه لم يعد يحرص على السفر المتكرر مع الرئيس مبارك في جميع رحلاته الخارجية، كما كان يفعل زملاؤه، وكان يمتنع عن تلبية الكثير من الدعوات التي يوجهها رؤساء الوزراء لرؤساء مجالس إدارة ورؤساء تحرير الصحف الحكومية، وهو ما كان يثير ضيق بعضهم، مثل الدكتور كمال الجنزوري الذي لم يحضر إبراهيم سعدة في عام 1997 لقاءه مع رؤساء تحرير الصحف المصرية، برغم أنه حضر قبلها بأيام لقاء الشيخ زايد بن سلطان مع رؤساء تحرير الصحف، وهو ما أثار ضجة في الوسط الصحفي، لم يأبه لها إبراهيم سعدة الذي نجح في تحويل مؤسسة (أخبار اليوم) إلى عزبة أو ابعدية يتحكم فيها كيف يشاء، دون أن تؤثر فيه عشرات البلاغات والقضايا التي اتهمته بالفساد المالي والإداري، ودون أن يهتز له جفن، حين يقرر استخدام صحف ومجلات المؤسسة لتصفية حساباته، ليس فقط مع السياسيين الذين يدوسون له على طرف، بل حتى مع الفنانين الذين يختلفون معه.

حدث ذلك على سبيل المثال لا الحصر، حين رفض عادل إمام أن يمثل فيلماً سينمائياً مأخوذاً من قصة بعنوان (القنبلة) نشرها سعدة على حلقات في (أخبار اليوم)، محاولاّ بها تدشين نفسه كروائي كما كان يفعل أستاذاه مصطفى أمين وموسى صبري، لكن القصة فشلت فشلاً ذريعاً على عكس ما كان ينشره مصطفى وموسى من قصص، وحين رفض عادل تمثيلها، بدأت صحف ومجلات أخبار اليوم تشن عليه حملات منتظمة، لدرجة أنها توقفت عن نشر اسمه حتى ضمن جداول الأفلام والمسرحيات التي تعرضها قنوات التلفزيون، لينشر في جدول برامج التلفزيون مثلاً أن القناة الأولى ستعرض اليوم مسرحية (الواد سيد الشغال) من بطولة مشيرة إسماعيل وعمر الحريري، بل ووصل الأمر إلى تصفية الحسابات بشكل قذر مع عادل، واستهدافه في شخص ابنه رامي حين قام بحادث قتل خطأ بسيارته، فلم تتم تغطية الحادث بشكل طبيعي ومنصف، حتى حين انتهت الأزمة بالصلح بين عادل إمام وأسرة القتيل، وهو ما تواصل بشكل أكثر انحطاطاً حين شنت صحف المؤسسة ومجلاتها حملة تخوين شرسة على الفنانين نور الشريف ومحمود الجندي وبشير الديك وعاطف الطيب، لقيامهم بعمل فيلم (ناجي العلي)، ووصل الأمر لدرجة المطالبة بسحب الجنسية منهم ومحاكمتهم بتهمة الخيانة العظمى، ولم ينقذ نور الشريف وزملاءه من تلك الحملة إلا تدخل الدكتور أسامة الباز وتوسطه الشخصي لدى حسني مبارك، ليقوم نور الشريف بعدها بعمل مسلسل (الثعلب) المأخوذ من ملفات المخابرات العامة، برغم إدراكه لرداءة المسلسل، لكنه كان يعلم أن تمتين صلته بالمخابرات العامة هو السبيل الوحيد لكف أذى كاتب مثل إبراهيم سعدة لم يصل إلى منصبه إلا بفضل علاقاته بالأجهزة الأمنية، ولم يساعده على البقاء فيه برغم كل أخطائه وخطاياه، إلا رضا رئيس الجمهورية، الذي كان الصحفيون ولا يزالون يعلمون أنه "إذا كان الرئيس ورجاله وألاضيشه معك، فليس مهماً من سيكون ضدك" .

...

في الأسبوع القادم: 
الصفحة الخامسة من ملف كتّاب السلطة في مصر: كيف وصلنا من سمير رجب إلى ما هو أسوأ من سمير رجب؟

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.