من يشتري السيسي؟

من يشتري السيسي؟

25 فبراير 2016
لا يبخل الرجل علينا بطلاته المثيرة للشفقة (مواقع التواصل)
+ الخط -

لا يبخل الرجل علينا بطلاّته البهية المثيرة للشفقة اليوم تلو الآخر، ساعياً إلى البرهنة على تملك "البارانويا" منه، ووصولها إلى مبلغ عظيم من كينونته العسكرية، ولم لا؟ فالرجل الذي قال يوما ما في إحدى تسريباته إن قائده في الجيش كان يناديه بـ "النتن"، بات على رأس سدة الحكم في أكبر دولة عربية يصنع بها الأفاعيل، في ظل غياب دولي ومحلي، وغض الطرف عن كل جرائمه بحق الشعب!

عبد الفتاح السيسي، الذي لم يضبط يوما ما في مؤتمر جماهيري سواء في أثناء الدعاية الانتخابية للترشح لرئاسة الجمهورية أو بعد وصوله إلى سدة السلطة، إنما اكتفى بتوجيه الرسائل الغاضية الواحدة تلو الأخرى إلى المواطنين من داخل مسرح الجلاء حيث يوجد أهله وعشيرته من القوات المسلحة ووزراؤه وحكومته ومقربوه، يتحفنا اليوم بجملة من الجمل التي يعجز كاتب سيناريو أريب ذو نكهة كوميدية فاضحة أن يتخيلها، أو أن يصل إلى فحواها، مهما وفرت له سبل الراحة.

اليوم يقول الرجل إنه على أتم الاستعداد لكي يباع في السوق ليعود ثمن بيعه على الموازنة العامة في مصر، لكي يخدم مصر، من خلال توفير الأموال السائلة، قالها السيسي بتأثر كعادته ودمعت عيناه حزنا على الوضع في القاهرة، وكأنه لا يدرك أنه المسؤول الأول عما آلت إليه الأوضاع في البلاد وما حل بالعباد!

لم يكتف الرجل بإتحافنا برغبته في الابتياع، إنما دعا المصريين قاطبة إلى الاستماع إليه فقط وعدم الالتفات إلى أي من المسؤولين الآخرين، لأنه الوحيد الذي يستطيع حماية مصر بتوجيهاته من أزماتها المقبلة وحل مشاكلها الحالية، واستخرج الرجل من جعبته كل مرجعيته العسكرية وثقافته الجندية، وكأنه يخاطب جنودا في معسكر للجيش في صحراء مصر الممتدة، محاولا إخراس كل الأصوات الزاعقة ضده، أو حتى الأصوات المؤيدة له، وبات المشهد أقرب بمحاضرة للتربية العسكرية في إحدى الكليات، فلا صوت يعلو فوق صوت الجيش ورجالاته وتوجيهاته ومعجزاته.

مرّغ السيسي سمعة البلاد في وحل الوغى، فلا هذا خطاب رئيس جمهورية يدرك ما يدور حوله من تغيرات محلية وإقليمية ودولية، فدول تختفي وأخرى تتقسم وثالثة يبتلعها طاعون الجماعات المسلحة التي تختفي أمامها جيوش منظمة منذ عشرات السنوات، ولا خطاب رجل مسؤول يحاول أن يجد حلولا عاقلة للأزمات الحالية.

استمر السيسي في "ِشحاذته" من المواطنين، ودعا إلى التبرع بجنيه من 10 ملايين مواطن كل يوم، قائلا "كل واحد يصبح على مصر بجنيه على الصبح"، في لغة مبتذلة لا ترقى إلى لغة الحواري والأزقة، ناهيك عن أن تكون لغة رئيس جمهورية، وتناسى أنه رفع ميزانية الجيش في الموازنة العامة الأخيرة 10 مليارات إضافية، بالإضافة إلى زيادة مرتبات حاشيته من القضاء والعسكر والمقربين منه والشرطة ثلاثة أضعاف ما يتقاضونه دون أن يرجف له جفن حول معاناة المواطن المصري!

يستمرئ السيسي في لهجته وتمثيله على الشارع المصري، وهو الذي أبدع في هذا الدور حينما كان وزيرا للدفاع مع الرئيس، محمد مرسي، وانقلب عليه بعد ذلك، وبدا أنه أجاد الدور فاستمر فيه ولا يريد أن ينتهي عنه.

مضت الأيام والسنون وأتى على القاهرة رجل مصاب بالبارانويا، شبيه العهد بمعمر القذافي، ولا يوجد في القاهرة رجل رشيد يأخذ على يديه، أو ينصحه بأن ما يفعله لا يرقى إلى أفاعيل الكومبارس في أفلام هابطة ينتجها ضالة وباهتون ويمثلها فشلة من أهل الفن والتمثيل.

إلا أنه، ولعل الأيام تخيب ظني، لا تستحق القاهرة بقبحها الحالي إلا مثل هذا الأراجوز، ولعلها فترة استثنائية في إدارة البلاد ليفيق الجمهور بعدها ويردد: كان هناك في سالف الأيام وغابر الزمان رجل سطا على سلطة البلاد، ودعا إلى بيع نفسه في سوق النخاسة، لكي تحيا مصر وهو بطبيعة الحال كذوب.

(مصر)

المساهمون