وجوه متشابهة: لاجئون قاصرون هاربون إلى الحياة (2)

وجوه متشابهة: لاجئون قاصرون هاربون إلى الحياة (2)

03 يناير 2016
سينضم القاصرون لـ"صفوف ترحيب" قبل إلحاقهم بالمدارس (العربي الجديد)
+ الخط -
في فندق قريب من لانسدبرغر أليه في برلين، يوجد نحو 220 فتى وفتاة من المهاجرين القاصرين؛ تتراوح أعمارهم ما بين 15 و18 عاماً. المكوث مع هؤلاء القاصرين، من مختلف الجنسيات والإثنيات، لنحو أسبوع، يدخلك في تفاصيل الحكاية الأولى للهجرة. حكايات الوطن والهروب تتشابه. وكذلك المعاناة اليومية للحصول على حق اللجوء.

يتشارك المهاجرون القاصرون في الفندق في رحلة ركوب البحار والمخاطر، وترك عائلاتهم خلفهم، على أمل انتهاء إجراءات لجوئهم ثم التحاق أسرهم بهم، استناداً إلى قانون لم الشمل الألماني. وتتشابه حكاياتهم في الانتقال إلى تركيا والاتفاق مع "تجّار الهجرة"، والركوب في البحر على قارب صغير إلى اليونان. والسير لساعات لعبور حدود دولتين. وأحياناً في مشاهدة موت أحد رفاق الرحلة غرقاً، أو في خسارة بعض الأشياء الشخصية الثمينة في إحدى محطات الرحلة، والتي يتم الاستيلاء عليها في أحد مراكز حرس الحدود (يتحدث اللاجئون عن الحرس الأتراك واليونانيين، الذين يصادرون منهم ساعات أو حلّيا أو هواتف عند تفتيشهم ولا يعيدونها).

باليفان ولانا (16 و17 عاماً)، شقيقتان من عين العرب، من أسرة تضم والدتين و15 أخاً وأختا. تنتظران الحصول على حق اللجوء، للم شمل الأسرة في ألمانيا. كرديتان سوريتان مشاكستان، تصرّان على تسمية عين العرب بكوباني، وتتباهيان بالمآثر الكردية، وبأنّ "الكرد" أوّل من خرج في الشوارع لحرية سورية. أحمد (18 عاماً)، ابن تاجر سوري من دمشق، دفعه الأهل للهروب إلى بلاد آمنة. جاء إليها مع أقاربه، الذين واصلوا السير إلى السويد، فيما فضل هو التوجه إلى برلين، حيث لقيه صديقه جابر. يستعجل أحمد إنهاء إجراءاته، وفكرة العودة لسورية لا تفارق خياله، خصوصاً عند تأخر والده في إرسال الأموال إليه. أوّل أسباب رحيله عن سورية، كان الهرب من الخدمة في جيش النظام السوري، الذي بات يلاحق الشباب السوريين في كل مكان لتجنيدهم في صفوفه، وإرسالهم إلى جبهات القتال، ليعودوا جثثا هامدة إلى عائلاتهم، كما جرى مع إثنين من رفاق أحمد.

جابر (18 عاماً) من حلب، لكنه كان يسكن في دمشق. يردّد بين مناسبة وأخرى شعارات مؤيدة للأسد، لكن بطريقة ساخرة. دارا (17 عاماً) من الحسكة، يكتوي بالحنين إلى الأهل، ويتأوّه بألم لاستشهاد شقيقه بين ذراعيه أثناء مواجهة مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). يلتم حوله الرفاق في ساعات المساء، كي يعزف لهم على القيثارة ألحانا عربية وكردية. 

تامر (15 عاماً) يتناقش مع المشرف المصري الأصل حول فكرة إنجاز "وثائقي" عن أيامهم الأولى. تنبع حماسته من تعلّقه بشقيقه الصحافي، الذي يعمل في تركيا. حسن من النبطية، يبدو كتوماً. يرافق شابا إيطاليا من أصل مغربي. يقيم الإيطالي مع اللاجئين في الفندق، ويقول إنه ينتظر رفاقه كي ينضموا إليه من إيطاليا للتسكّع معاً. يقضي حسن وقته لاهياً عابثاً، ويرجع إلى الفندق أحياناً مخموراً، يحاول عنصر الأمن الألماني أن يساعده، لكن الشباب يتكتلون ليمنعوه من التدخل، كي لا يلحق ذلك ضرراً بحسن، كأن يتم نقله إلى مركز آخر "أقل ترفاً". وأحياناً أخرى، يعود حسن مع الشاب الأيطالي بعد عراك مع عناصر الأمن في بار قريب.

محمد (17 عاماً) من مخيم عين الحلوة في لبنان، جاء برفقة زوجته (16 عاماً). هربا من عائلتيهما اللتين رفضتا تزويجهما. انقطع التواصل مع العائلتين، باستثناء خيط صغير لا يزال يربط محمد بشقيقه في لبنان.

فداء (23 عاماً) من صيدا. ادّعى أنّه قاصر كي يلقى اهتماماً خاصاً. لكن تصرفاته وحديثه، وحتى مظهره، لم تقنع اللجنة، التي أعادت فرزه بعد جلسة محاكمة إلى مخيم آخر. فداء لا يستطيع مفارقة النرجيلة، حتى وإن اضطره الأمر إلى تدخينها في غرفته بالفندق، حيث عطّل جهاز إنذار التدخين. كانت لياليه تسير وفق ما خطط؛ يضع النرجيلة والفحم إلى جانب السرير، فيما تصدح الأغاني من جهازه الخليوي، إلى أن تعارك شابان أفغانيان في الغرفة المجاورة، ما استدعى أمن الفندق إلى التدخل، ثم مصادرة نرجيلته، بعدما اشتمّوا رائحتها من غرفته. لم يستسلم بسهولة للأمر، لكنه في النهاية رضخ، وصارت رفيقته تجالسه أمام الباب الخلفي للفندق، في ساعات الليل الباردة.

حمد (17 عاماً)، عراقي يعيش في الإمارات، ترك أهله ومضى في رحلة الهجرة إلى بلاد الشمال. مهدي (17 عاماً) من طهران، وصل إلى ألمانيا بعدما سافر إلى تركيا ومنها إلى اليونان. ومصطفى (17 عاماً) من كابول في أفغانستان؛ بدأ رحلة الهجرة بالتوجه إلى إيران ومنها إلى تركيا. يأتي الأفغان بعد السوريين من حيث العدد في هذا الفندق تحديداً. فيما يشكّل اللبنانيون نسبة غير قليلة. تُعقّد مسألة اللغة والثقافة التواصل بين المهاجرين العرب، وبين غيرهم من الأفغان والباكستانيين والألبان والإيرانيين، ما يؤدي إلى تقوقع اللاجئين، بحسب انتماءاتهم، في مساحات خاصة.

تتوزّع ساعات نهار الفتيان والفتيات بين تعلم اللغة، وبين نشاطات ترفيهية ورياضية، ينظمها المشرفون عليهم، الذين ينتمون إلى جمعيتين أهليتين تتوليان رعاية القاصرين. جميع القاصرين يضعون "العلامة الفارقة" حول معاصمهم؛ السوار البلاستيكي. تقول الجمعيتان المشرفتان إنه لتمييز أفراد مجموعتيهما عن بعضهما البعض، وإنه فقط للاستخدام داخل الفندق. وغالبية المشرفين والمترجمين هنا أيضاً، من أصول عربية وأفغانية، لتسهيل التواصل مع المهاجرين. 

خلال الأسبوع الماضي، جرى تسجيل أسماء القاصرين لإلحاقهم في المدارس، بعد تعلّمهم اللغة. وبحسب المشرفين، فإنه لن يتم إرسال القاصرين إلى مدارس ألمانية عادية، بل سيوضعون في "فيلكومن كلاس" (صفوف ترحيب)، يجري من خلالها اختبار مستواهم الأكاديمي؛ وبناء عليه، يُصار في مرحلة تالية إلى إلحاقهم بمدارس ألمانية عادية.

الادّعاء بأنّك لاجئ لبناني لأيام، يضعك في مواقف مُحرجة، قد لا يرويها اللاجئ، لكنها ستدفعه نحو التقوقع في حلقة مغلقة، والشعور بالتمييز والتهميش. في مطعم الفندق، حيث يمكث القاصرون، تقدّم امرأة ألمانية بملامح آسيوية، الطعام للاجئين. تتعامل أحياناً بعدوانية عند إصرارها على تطبيق النظام في كميات الطعام المقدّمة لكل لاجئ، أو في مواعيد تقديمه. تطلب في كلّ صباح رقم الغرفة، الذي أُعطي لها خطأً عن عمد في طابق إقامة اللاجئين، وليس الضيوف. وأمام صفّ طويل من الضيوف السيّاح، ترمي كيسا إلى لاجئ بشكل مُهين كي يملأ الخبز، وترفض أن تعطيه كفايته من الطعام، لأنّ لائحة الطعام حدّدت "بيضة واحدة لكلّ لاجئ". وبين ثانية وأختها، تتبدّل ملامح العاملة وتعلو ابتسامة خدّيها، ويخفت صوتها، لتنظر وتتحدث إلى ضيفة هندية، لا تبخل بابتسامة أسى على ما تعرّض له اللاجئ. المشرفون في الفندق، يشيرون إلى أنّ لائحة الطعام حدّدت بيضة واحدة، وأنّ السيّدة تتصرّف بناء على ردّة فعل، لأنّ لاجئين "مراهقين" عبثوا معها واستفزوها أكثر من مرةّ.

اقرأ أيضاً: هجرة قاصرة.. أطفال من دون أهل في بلدان اللجوء

المساهمون