الكتابة في سن الشباب!

الكتابة في سن الشباب!

02 مايو 2021
+ الخط -

في غمرة انتشار الرواية وتنوع العناوين الكثيرة، والتي أغلب أصحابها شباب، تقف أحيانا رغما عن أنفك مدهوشا أمام نصوص تفتح لك شهية القراءة والخيال، وحين تنتهي منها وتعود لتمزج اسم الكاتب الذي قتلته طول مدة القراءة، وتحاول أن تركبه بحيث ينسجم مع نصه، أحيانا كثيرة لا تصدق أن هذه النصوص كتبها شباب لا تتعدى خبرتهم الحياتية ثلاثين سنة، وتجد نصوصهم مترفة بالمتعة، خصبة الخيال، بالإضافة إلى معرفة أو دهشة تجعلك تتساءل عن أشياء كانت تبدو يقينيات بداخلك. وما نفعها إذا لم تحركك؟ هكذا تحس وأنت تقرأ روايات لشباب أمثال صادق فاروق وعبد المنعم بن السايح ومحمد الأمين بن ربيع وغيرهم، بحيث تغرقك نصوصهم في متعة اللغة، وتتيه بك عبر أزمنة وأمكنة متعددة، من خلال أدوات روائية عالية الجودة. 

صباح الخير أيها الحزن!

عديدة الأسماء التي اشتهرت كتاباتها وهي في بداية شبابها، ومثال على ذلك الكاتبة الفرنسية فرانسواز ساغان، التي نشرت روايتها الأولى "صباح الخير أيها الحزن" " bonjour tristesse"، سنة 1954، وفي عمر تسع عشرة سنة، وكانت أول أعمالها الروائية وأشهرها، فقد فتحت أمامها باب الشهرة على مصراعيه لتدخله وتتربع إلى جانب كتاب كبار آخرين على عرش الكتابة الروائية والسينمائية، وقد بيع من روايتها قرابة المليون نسخة بعد سنة من نشرها، وكان هذا الرقم كبيرا وقتها ولم تكن تتخطاه سوى بعض الأعمال القليلة كرواية "الغريب" لألبير كامو، كما وقع الناشر آنذاك أكثر من عشرين عقدا لترجمتها إلى لغات أخرى. أ كانت ساغان تحلم قبل نشر روايتها بكل هذه الشهرة؟ وأن تصير إلى ما هو عليه اسمها اليوم؟ لقد أدهشت هذه الشابة المجتمع الفرنسي بنص عن مراهقة تدعى "سيسيل" وكيف استطاعت أن تحلل نفسية البطلة وتفسر أحاسيسها بسرد خفيف وممتع لشابة في بداية المشوار، واستطاعت أن تصور حياة البورجوازيين الفرنسيين الذين انغمسوا في ملذات الحياة ورفاهيتها، مقابل حياة المحافظين. لقد اتخذ الناشر "جوليار" قرارا شجاعا يعدّ مغامرة كبرى حيث تنبأ بولادة موهبة إبداعية وقبل بدفع ضعف ما عرضته عليه الكاتبة ( 25ألف فرنك)، ولم تتوقف فرانسواز هنا بل بعد عام سافرت إلى "الو م أ" حيث عرض عليها تحويل روايتها إلى فيلم.

تعرفت على عبد المنعم بن السايح من خلال نصه "المتحرر من سلطة السواد" ثمّ تلتها رواية حبيبتي زاني "حكاية الوهراني المقلقة"

حتى للعشق شجرة!

حين تقرأ عنوان رواية للصادق فاروق " شجرة العشق" تظن في الوهلة الأولى أنه نص عادي مبتذل، لكن بمجرد أن تشرع في القراءة تجد نفسك أمام نص روائي مبهر يغوص فيه الكاتب في أغوار التاريخ، بلغة رفيعة فيها نفحة صوفية وشيء من عبق قرطبي. اختار قصة دخول الإخوة عروج وخير الدين بربروس الجزائر، وعلاقتهما بسكان المحروسة ومع الأمير سليم تومي، ينسج قصص حب بين الجواري وبعض الخدم والقواد، وفي تسلسل الأحداث تجد نفسك في نهاية الرواية تتساءل أكان الكاتب يمجد فعل الأخوين أم كان ينتقدهما؟ تدفعك الأسئلة إلى الاطلاع أكثر على التاريخ لتصنع وجهة نظرك الخاصة حوله. وليس بغريب على شاب نال عديد الجوائز في مجال الرواية -رغم أن الجائزة لا تعد معيارا حقيقيا-، وتزخر سيرته الإبداعية بنصوص وجوائز عدة فقد تحصل على جائزة الدكتور أبي شنب للرواية 2015، وكذلك جائزة وزارة المجاهدين للرواية 2016، ومتحصل على المرتبة الأولى في جائزة القصة القصيرة التي تنظمها مجلة نفحة. صدرت له رواية "الصخرة الأسيرة" عن دار ميم للنشر 2016 الفائزة بجائزة رئيس الجمهورية "علي معاشي" في الرواية الأدبية، كما فاز سنة 2018 بجائزة طاهر وطار للرواية.

للدهشة عطر!

وجدتها صدفة في غرفة أحد طلبة الجامعة الذين غادروا الإقامة، وتركها خلفه مع كتاب آخر، اسم الكاتب-محمد الأمين بن ربيع- والكاتب كان معروفا عندي، لكنني لم أقرأ له بعد، وكانت الفرصة مواتية لأكتشف عالمه وعوالمه الإبداعية بنصه الممتع " عطر الدهشة"، كان حجم الرواية صغيرا لكنني قسمتها إلى جلستين حتى استمتع أكثر وأنا أتتبع تفاصيل الأحداث، لغة رشيقة استخدمها محمد الأمين ليعجن نصا مترفا بالإبداع، وتحس بأن هذا المبدع لا يكتب من فراغ بل انطلاقا من موهبة صقلها بالاطلاع والممارسة، ويؤثث عمله بإتقان، وتعد رواية عطر الدهشة  أول رواية منشورة للكاتب سنة 2012 بحيث نالت جائزة الرابطة الولائية للفكر والإبداع بوادي سوف، وعالجت موضوع البحث عن الذات، والغربة، من خلال شخصية تخيلية أراد الكاتب من خلالها أن يحاكي قصة صديقه الذي عاش نفس التجربة.
وهذا النص والتتويج ليسا الأخيرين بل تلتهما نصوص وتتويجات أخرى بحيث نالت “بوح الوجع" المنشورة سنة 2015 جائزة رئيس الجمهورية علي معاشي، وتوجت "قدس الله سري" المنشورة سنة 2016 بجائزة الطاهر وطار للرواية، ونال أيضا  نصه المسرحي "موت الذات" الثالثة جائزة رئيس الجمهورية، كما نالت مسرحية "كفن البروكار" جائزة الهيئة العربية للمسرح.

ماذا نعرف عن أوجاع سماهر؟

تعرفت على عبد المنعم بن السايح من خلال نصه "المتحرر من سلطة السواد" ثمّ تلتها رواية حبيبتي زاني "حكاية الوهراني المقلقة"، قرأتهما بصيغة إلكترونية بعد أن وضعهما كاتبهما، وراسلته بعد كل واحدة منهما، ثم بعد ذلك اشتريت منه روايته الثالثة " بقايا من أوجاع سماهر" التي وصلتني بعد شهر من شرائها عبر الإنترنت، كان نصا ثقيلا وجميلا كسابقيه، وكل رواية من رواياته تنوع فيها المجتمع من فلسطين إلى الجزائر، وتناول عدة قضايا، وكان للحب والمرأة النصيب الأكبر، وجدتني مضطرا شغفا لأطالع روايته الأخيرة "لنرقص الترانتيلا ثمّ نموت"، وقد كتبت إليه عقب الفراغ منها لأبثه رأيي حولها، وقلت له بأن هذا النص -الذي نال مؤخرا جائزة الطاهر وطار للرواية- بالنسبة لي كقارئ معجب بقلمه الممتع يعد من بين أضعف نصوصه متعة رغم الجرأة التي فيه والاجتهاد الذي بذله الكاتب حسب رده على رسالتي.

ومما جاء في نص رسالتي: إن الذي يقرأ نصوص الشاب عبد المنعم بن السايح يحس بأنه يحمل هاجسا يود الدفاع عنه، وأنه يريد أن يوصل عدة رسائل للعالم من خلال كتاباته.
بداية من المتحرر من سلطة السواد وصولا إلى نرقص الترانتيلا ثم نموت، جلّ أعماله يطغى عليها طابع السوداوية والحزن والكآبة وهذا ما يظهر أولا من خلال العناوين "المتحرر من سلطة السواد، بقايا من أوجاع سماهر، قد بلغت من الوجع عتيا، لنرقص الترانتيلا ثم نموت"، كلها تحمل هذه الدلالات من خلال كلمة السواد والوجع والموت. وثانيا من جانب الغلاف بحيث يطغى اللون الأسود على كل من غلاف المتحرر وبقايا ولنرقص، وثالثا من خلال النصوص بحد ذاتها، فحين تقرأها تتحدث عن جرح فلسطين وسورية وجرح المرأة.

وفي آخر أعماله المذكور عنوانها سابقا، حاول المزج بنوع من التراجيديا بين الفرح والحزن، حتى أن الذي يقرأ العنوان يحس بأن مساحة الفرح في العنوان ضئيلة، وهذا واحد من هواجس المبدع أن يدافع عن آلام الأوطان والشعوب بدءا من إنسانيته قبل قوميته.

عدة هي التجارب المشابهة لهذه الأمثلة التي ذكرتها في المقال، والتي أبدعت في مجال الكتابة وفي أنواع أدبية أخرى، ولن يسعنا المقام لذكرها ها هنا، لكنها حقا خطت نصوصا بروح شبابية متميزة تستحق أن يسلط عليها الضوء وتأخذ حقها من الإعلام.