بدلاً من لوم المنتحر

بدلاً من لوم المنتحر

03 مارس 2023
+ الخط -

"الانتحار هو فعل قتل المرء نفسه عمداً. وعوامل اختطار الانتحار تشمل الاضطراب العقلي - خصوصاً الاكتئاب والاضطرابات العصبية - والسرطان والعدوى بفيروس العوز المناعي البشري"، بحسب منظمة الصحة العالمية.

شهد لبنان عدّة حالات انتحار منذ بدء الأزمة الاقتصادية التي يزيد وقعها، سلباً وانهياراً، على الشعب اللبناني الصامت، ففي يوم الأربعاء الموافق الأول من مارس/آذار، أقدم رجل على الانتحار تاركاً رسالة تقول إنه لم يعد يستطيع تحمّل الأوضاع المعيشية... ضجت وسائل التواصل الاجتماعي على أثر هذا الحدث؛ منهم من أخذ يلوم الرجل واعتبروه ضعيفاً هشاً، ومنهم من تفهموا وضعه ودعوا له بالرحمة. لكن: كيف نلوم من انتحر ونحن جالسون لا نحرّك ساكنا؟ لماذا لا نلوم من أوصل البلد والشعب والمواطنين إلى القيام أفعال كهذه؟ هل تعتقدون أنه من السهل إنهاء حياتنا هكذا؟ أتعلمون كم تعاني الناس جسدياً ونفسياً لمجرّد أن توفّر الأكل والشرب للأبناء؟

لا تلوموا المظلوم، ألقوا اللوم على الظالم، فتلك الطبقة السياسية المجحفة بحقنا هي طبقة تنهش لحم شعبها ولا تبالي، طبقة قائمة على غطرسة الكرسي، فما يحصل في لبنان لا يقبله عقل ولا ضمير. نحن نعتقد أننا نتأقلم، لكن في الحقيقة نحن في مرحلة الإنكار ليس أكثر، نعيش في بلد تتغيّر فيه رواتب الموظفين مع كلّ نفس يأخذونه، فكل شيء الآن "مدولر".

كقطار الملاهي الذي يعلو ويهبط، هكذا هي قيمة عملتنا. المفارقة أنها الآن دُفنت تحت التراب حيث الناس يحاولون العيش بلا جدوى.

أعتقد أننا بلا أمل، لم تَصدق فيروز حين قالت "في أمل، أوقات بيطلع من ملل"، ففي لبنان، لا نعيش في ملل، فهنالك دائما حدثٌ ما يحصل في تلك البقعة الجغرافية الصغيرة.

لا تلوموا المظلوم، ألقوا اللوم على الظالم، فتلك الطبقة السياسية المجحفة بحقنا هي طبقة تنهش لحم شعبها ولا تبالي

بعد ثورة 17 تشرين 2019، فقدنا الأمل الأخير، لم نعد نشبه بلدنا بأي شيء.. تهجرنا، ومن ثم حلّت علينا لعنة الانتخابات النيابية في عام 2022، وهنا يمكننا القول إنّ "الدمار الشامل" حلّ بنا. بالمختصر، فشلنا.

وتريدون أن نلقي اللوم على رجل أقدم على الانتحار؟ هذا ليس اختياراً أو قراراً يُتخذ ببساطة. نحن نعاني في صمت وأفكارنا في حالة تخبّط وتشتّت في كلّ ثانية.

نحن مهزومون، نحن بكلّ بساطة ضحايا، ضحايا عملة نقدية خضراء، ضحايا انهيار ليرة لبنانية سرقوها منذ أكثر من ثلاثين سنة باسم الدين. لم يتبق لنا شيء، أصبحنا كفُتات خبز على الطريق، حتى الطيور لم تعد تهوى التحليق في سمائنا السوداء.

لكن اعلموا أينما كنتم أنكم لستم وحيدين، لا تسجنوا أفكاركم واطلبوا المساعدة، نحن في هذا النفق معاً. لسنا بخير وليس من العيب الاهتمام بصحتنا النفسية.

(يمكنكم التواصل مع الخط الساخن للدعم العاطفي ومنع الانتحار 1564)

مايا حيدر
مايا حيدر
مدوّنة لبنانية، درست الهندسة. تعرّف عن نفسها بالقول "واغتراب وبي فرح".