شذرات مانغاليش دبرال

شذرات مانغاليش دبرال

14 ديسمبر 2020
(الشاعر مانغاليش دبرال 1948 - 2020)
+ الخط -

من أكبر المفاجآت في حياتي أنني تمكّنتُ من كتابة الشعر، وأنني قادرٌ على أن أطلق على نفسي لقبَ الشّاعر. تدهِشُني حتى اليوم حقيقة أنني أكتبُ الشّعر. يمازحُني والدي قائلاً: "لقد أحسنتَ بكتابةِ الشّعرِ والاهتمام بالأدب، فلولا هذا لما نجحتَ في شيء".

■ ■ ■

عندما وصلت إلى دلهي، بعد بضع سنوات، شعرت فجأة بأنني قد نفيت من موسيقى الراجا. عشش بداخلي غياب الراجا، بينما كنت أنظر إلى الشجرة الأخيرة في قريتي تتلاشى وعبرت النهر الرفيع الذي يتدفق إلى آخر القرية. كما لو كانت هذه الراجا قد أبقتني على قيد الحياة وملأتني بصدى عميق لا يزال يتردد في قلبي حتى اليوم. ربما كان وطني يطفو على أعمدة من الراجا.

■ ■ ■

تميل قوى السوق العالمية إلى محو الذاكرة. ينسى الناس غالباً نوعية الهاتف المحمول أو نوع الكمبيوتر الذي كانوا يستخدمونه قبل عامين، أو الملابس التي اشتروها العام الماضي. يُمحى التاريخ أيضاً من خلال التكنولوجيا إلى جانب الذاكرة، ولا شيء يقدر على مواجهة كلِّ هذا سوى اللغة والأدب.

■ ■ ■

الطفولة هي الغذاءُ الحقيقي لأي رحلة شعرية. قال أحد المخرجين العظام من البنغال، المخرج ريتويك جاتاك، إننا لا بد أن نبقي قطعة من طفولتنا في جيوبنا، لنحافظ على بشريّتنا في ما تبقى لنا من حياة. أذهبُ إلى مسقط رأسي وطفولتي، مرّةً في السنة، ولكنّني أشعر دائماً بالفرق بين زيارة موطنك والعودة إليه حقاً.

■ ■ ■

هربتُ من الجبال مثلُ حجرٍ أو حصاةٍ، وتوقّفتُ في المدن كلما وجدتُ مُستَقَرّاً أستريحُ فيه. شعرتُ في فترة ما أنني فشلتُ في الانتماء إلى أي مكان. لم أتصالح يوماً مع مدينة كبيرة مثل دلهي، ولم أتمكّن أيضاً من الحفاظ على هويّة مسقط رأسي. كان وضعي أشبه بوضع اللاجئ، كما لو كنتُ شخصاً مشرّداً غير قابل للاستقرار.

■ ■ ■

ينبغي على المرء أن يهتم بالسياسة، سواء ككاتب أو كمواطن أو كإنسان، فلا أخطرَ على البلاد من ترك مصيرها في أيدي السياسيين.

■ ■ ■

الطبقات الحاكمة سلّمتْ البلاد للمافيا والطوائف والعقائد الدينية والبلطجية والقادة الدينيين. صحيح أن المجتمع يتضمّن دائماً كل أنواع القوى الهدّامة، ولكن مهمة الديمقراطيات تثبيط هذه القوى ووأدها في مهدها. أمّا المؤسف حقاً فهو أن سياسيينا قد تركوا المجتمع يَستَبْطِنُ كلَّ هذا العنف والطائفية والجنون والهذيان.

■ ■ ■

لقد تحوّلَ نصفُ العالم تقريباً إلى ساحة معركةٍ قذرةٍ وإلى مخيّم للاجئين. كانت العولمة، التي تكاد تكون اسماً آخر للأمركة، نزعةً غير إنسانيةٍ على الإطلاق، حيث حاولتْ تقديمَ نفسِها على أنها الحلُّ الفكريُّ الوحيدُ المتاح، والفلسفةُ الوحيدةُ في عصرنا.

■ ■ ■

لا بدّ أن نأخذ بعين الاعتبار أن عصر الرأسماليّة "الكلاسيكيّة" والشيوعيّة "الكلاسيكيّة" قد انتهى، وأن "العدو الطبقي" لم يعد يتمتّع بذلك الشكل القديم نفسه، بل انصهرت جميع تلك الكتل المصمتة في بوتقةِ أشكالٍ رأسماليةٍ جديدةٍ مختلفةٍ ومتنوعة.

■ ■ ■

استمدّ شعري قوّته أحياناً من التجارب المتشائمة التي صادفتُها في مجتمعٍ يَغُصُّ بانعدام المساواة والظلم والظروف غير الإنسانية. أردتُ أن أعكس الزمن المعاصر وأن أتجاوزه أيضاً لخلق عالمٍ أفضل وأكثر إنسانيّةً، عالمٍ مضادّ قد يكون أكثر قابليّة للعيش فيه.

■ ■ ■

الذاكرة ليست عبارةً عن حنين عميق وحسب؛ إذ يعني الحنين إلى الماضي التوق إلى الأشياء التي لم تعد موجودة، أمّا الذاكرة فتعيش داخل الإنسان وليست شيئاً من الماضي. تعيش الذاكرة في الزمن الحاضر، وتُمثّل المصدرَ الأهم للخيال والشعر. لا وجود للخيال الذي يُعدّ جوهر الشعر بدون ذاكرة.

 

* ترجمة: عماد الأحمد

المساهمون