كاتب من العالم: مع ك. ساتشيداناندان

كاتب من العالم: مع ك. ساتشيداناندان

25 ديسمبر 2020
(ك. ساتشيداناندان)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية، مع كاتب من العالم في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع القارئ العربي. "تَمُرُّ الهندُ بفترةٍ مظلمةٍ في تاريخها الحديث مع صعود القومية الهندوسية التي تحاول تدمير النسيج العلماني للأمّة وفرضَ حُكمٍ استبداديّ"، يقول الشاعر الهندي لـ "العربي الجديد".

 

كيف تقدّم المشهد الأدبي والثقافي في بلدك لقارئ لا يعرفه؟
الهندٌ بلدٌ متعدّدُ اللغات، فيه 24 لغة رسمية وأكثر من 600 لغة منطوقة. لدينا تقليدٌ شفهيّ قويّ لا يزال حيّاً في بعض اللغات القبليّة. يمرّ الأدب في اللغات المختلفة بمراحل مختلفة من التطوُّر. ولكن الأدب في أكثر اللغات تطوُّراً مثل لغتي، قد مرّ بالفعل بمراحل الرومانسية والواقعية والحداثة، وهو اليوم في مرحلة يمكن أن يُطلَق عليها ما بعد الحداثة بالمعنى الشرقي. ظهرت النساء والداليت (الأشخاص الذين ينتمون إلى ما يُسمّى بالطبقات "الدنيا") والجماعات الجنسية المختلفة بقوّة في المشهد الثقافي، وهو ما ينعكس أيضاً في الأدب والشعر على وجه الخصوص. هناك طليعةٌ قويةٌ تقتربُ من الكتابة بطرق جديدة وجذرية، تشمل أيضًا العديد من الكتّاب الذين يكتبون باللغة الإنكليزية.

أنا قلقٌ على الأجيال القادمة؛ أيّ عالم أو بلد سنترك لهم؟


كيف تقدّم عملك لقارئ جديد، وبأي كتاب لك تنصحه أن يبدأ؟
أكتبُ الشعرَ للأطفالِ والكبارِ، وأكتبُ قصصاً قصيرة (فتنتي الجديدة هذه الأيام)، وأكتبُ المسرحيات وأشتغل بالنقد الأدبي والاجتماعي، وأحرّر مجلات وكتباً. ولكنّني أوّلاً وقبل كل شيء شاعر، وأتمنّى لو يبدأ القارئ بكتابِ "الضلع المفقود" The Missing Rib المتاح باللغة الإنكليزية والذي يمثّل كتاباً شاملاً ومتطوّراً لأعمالي الشعرية.

الصورة
غلاف الكتاب

ما السؤال الذي يشغلك هذه الأيام؟
تَمُرُّ الهندُ اليوم، مثل العديد من البلدان الأُخرى، بفترةٍ مظلمةٍ في تاريخها الحديث مع صعود القومية الهندوسية التي تحاول تدمير النسيج العلماني للأمّة وفرضَ حُكمٍ استبداديّ لا يحترمُ القِيَمَ الديمقراطية. تتعرّض طوائف الأقلّيات للهجوم، ويجري الطعن في الدستور حتى. أنا لست "شاعرا سياسيًا" بالمعنى التقليدي، لأنني أكتبُ قصائد حول مجموعة من الموضوعات تتنوّع ما بين الطبيعة والحب والمعضلات الوجودية، ولكن لا يمكن اليوم على ما يبدو لأي شخص أن يعيش بمنأى عن السياسة تماماً، كما هو الحال مع فلسطين، حتى لو أردنا ذلك. أمّا مصدر القلق الآخر فهو التدميرُ المُمنهَجُ للبيئة فقط، حتى يتمكّن قِلّةٌ من الناس من جني الأرباح. أنا قلقٌ للغاية على الأجيال القادمة بشأن هذين الأمرين: فأيّ عالم أو بلد سنترك للأجيال القادمة؟ سوف نسلّمهم عالماً أسوأ بكثير من العالم الذي وَرِثْناه.


ما أكثر ما تحبّه في الثقافة التي تنتمي إليها وما هو أكثر ما تتمنى تغييره فيها؟
تتمتّعُ الهندُ بتقليدٍ عريقٍ من التعايش المتسامح مع التساؤلات الفكريّة والأخلاقيّة. لطالما كنّا مرتاحين لتنوُّع ثقافاتنا ودياناتنا ولغاتنا. وتتمتّع الهندُ أيضاً بتقليد عريق وراسخ في الآداب والفنون. ولكننا لا نزال كشعبٍ مُنقسمين بحسب الطوائف والطبقات. كما أننا أبويّون أيضاً على الرغم من أنّ كل هذه المشاكل تتعرّض اليوم للمساءلة والمناقشة والتحدّي من قبل الضحايا. إننا بحاجة إلى استعادة احترامنا للتعدُّدية والسعي نحو مجتمع أكثر حرية ومساواة.

الصورة
غلاف الكتاب

■ إذا كنت ستبدأ من جديد، فما المسار الذي ستختاره في الحياة وما هي الخيارات الأخرى التي ستختارها؟
لم يكن الشعر خياري، بل قدري. ولو أتيحت لي فرصة البداية من جديد فسأكون شاعراً مجدَّداً. لست متأكّداً من أنني سأتزوّج أو أنجب أطفالاً: فهناك الكثير من الأطفال حول المرء ليحبّهم ويخدمهم. لا أريد أن أكون شخصية عامّة وقد أصبحتُ هكذا عن غير قصد، عندما أخذت أتدخّل في القضايا العامة، وأشارك في النقاشات الحيوية الدائرة، وأكتبُ مقالاتٍ عن القضايا الاجتماعية. ولو قُيّضَ لي فسأعيش بالقرب من الطبيعة، وقد لا أعيش في المدينة حيث أعيش اليوم.


ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
مزيد من الرحمة والتسامح والحريّة والمساواة، وأن نعيش في عالم أقل ظلماً وجشعاً واستغلالاً وسيطرة على الضعفاء.

قُتل غاندي برصاصِ أناسٍ يُشبهونَ حكّام الهند الحاليّين


شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
هذا سؤال صعب لأنني أحبّ يسوع والنبي محمد وبوذا الذين دافعوا جميعاً عن الرحمة والأخوة والسلام والتضحية، ولكن غاندي تاريخياً أقرب إليّ. لقد قُتل غاندي برصاصِ أناسٍ يُشبهونَ حكّام الهند الحاليّين عندما كنتُ في الثانية من عمري، لذلك لم تُتَح لي الفرصة لرؤيته. مارس غاندي تعاليمَ المُعلّمينَ الثلاثة وتطوّر تدريجياً، وأخطأ أحياناً وكان يُصحّحُ نفسَهُ باستمرار كما يفعلُ جميعُ البشر: لذلك يبدو أنه نموذجٌ ملموسٌ يمكن الوصول إليه من قبل البشر العاديّين أمثالي، يمكنني لَمسُه والحديثُ معَهُ.


ما هو، في اعتقادك، أكبر خطر على حرية الكاتب والكتابة في العالم اليوم؟
الأصولية والدوغمائية التي تمارسها جميع أنواع الأيديولوجيات بما فيها الأديان التي فقدت جوهرها الأخلاقي ونَحَتْ باتجاه التسييس، إضافة إلى الضجيج والإثارة في وسائل الإعلام التي تُغرِقُ صوتَ الكتّاب الضعيف إلى القاع لتخنقه، والسرعة التي قال عنها ميلان كونديرا إنها نشوة عصر التكنولوجيا الجديد.

الصورة
غلاف الكتاب

ما هي قضيتك وهل يمكن أن تكون الكتابة قضية بذاتها؟
الحبّ، الحريّة، الحوارُ مع النفس ومع الآخرين ومع الطبيعة والكون. أمّا اهتماماتي اليوم فتنصبُّ على القومية الأنانية التي تقود إلى "الأخرنة- رؤية مجموعة من الناس كآخر مختلف عنّا: عِرق الآخر، دين الآخر، قومية الآخر.." والكراهية والحرب. الإمبريالية والعولمة التي تُعدُّ شكلاً من أشكال العنف الذي يدمّر الهويات الثقافية واللغات والنقاشات بين الأمم على قدم المساواة، ويسيطرُ على ما تفعله الدول. الرغبةُ المتزايدة في الثروة والسلطة التي تُنتِجُ الفقرَ والمعاناة للأغلبية، وتَحوُّلُ الأديانِ شيئاً فشيئاً إلى أدواتٍ للكراهيةِ والعنفِ بدلاً من المحبة التي دعا إليها كلُّ الأنبياء.


الأدب العالمي يكتبه المترجمون، إلى أي درجة توافق على هذه المقولة وإلى أي درجة كتبك المترجمون؟
ربما كانتْ هذه العبارةُ مُجرّدَ مبالغةٍ جميلة. صحيحٌ أننا لم نكن لنعرفَ بعضاً من أفضل الكتّاب في العالم لو لم يجدوا مترجمينَ جيّدين إلى اللغاتِ التي نعرفُها، ولكنَّ هذه الأعمال كان ينبغي أن تُكتبَ في المقامِ الأول لتُتَرجَمَ لاحقاً. لذا فإن الأدب العالمي نتاجٌ مشتركٌ لكتّابٍ عظماءَ ومترجِمينَ جيّدين. المترجمونُ بناةٌ حقيقيّون للجسور وربما يكونون، كما قال والتر بنيامين، العنصر الذي يعملُ على إعادة بناءِ بابل باكتشاف اللغة المشتركة التي عرَفَها البشرُ يوماً ثم نَسَوها. أنا ممتنٌّ لجميع المترجمين - بمن فيهم مُتَرجِمي للغة الإنكليزية الذي تصادف أنه أنا، لنقلِ قصائدي إلى أجواءَ وبيئاتٍ أُخرى، وإتاحتَها للقرّاء الذين قد لا ألتقي بهم يوماً. ولكنني في النهاية سأظلُّ كاتباً بلغتي الصغيرة، المالايالامية التي لا يتكلّمُها أكثرُ من أربعينَ مليون شخص.

الصورة
غلاف الكتاب

كيف تصف علاقتك مع اللغة التي تكتب فيها؟
لغتي هي الكون الذي ولدتُ فيه، والذي تشكّلتْ فيه تصوّراتي عن العالم والحياة على نحو لا مفر منه. لغتي ملاذي في الحزن ورفيقي في الفرح، ولغتي هي التي تعبّرُ عنّي في صَحوي وجنوني. ولا وجود لي بدونها.


كاتب منسي من لغتك تودّ أن يقرأه العالم؟
إذا كانت ثقافتي هي الثقافة التوفيقية بين الثقافات المختلفة في الهند، فأودّ أن يقرأ الناس فياسا Vyasa (مؤلف المهابهاراتا)، أو ميرزا غالب Mirza Ghalib، أو الشاعر كبير Kabir، الذين لم يَغِبْ ذكرهم أبداً ولكن نادراً ما تُقرأ أعمالهم اليوم.


لو بقي إنتاجك بعد 1000 سنة، كيف تحب أن تكون صورتك عند قرّائك؟
لست متأكّداً من أن جنسنا قد يستمرّ لألف سنة أُخرى، ولكن إذا نجا الإنسان من الذكاء الاصطناعي والتلاعب الجيني، أودّهم أن يتخيّلوني كإنسانٍ عاديّ مثلهم، عاشَ العديد من الإخفاقات، وكافح دائماً في صراعه مع الكلمات للتعبير عن نفسه وعن العالم الذي أحسَّ به وعايَنَه.


كلمة صغيرة شخصية لقارئ عربي يقرأ أعمالك اليوم؟
لديّ مجموعة شعريةٌ واحدةٌ باللغة العربية وقليلٌ من القصائدِ الجديدة التي نشرتها صحيفتكم. لا يسعني إلا أن أتمنّى أن يجد القرّاءُ العرب الكثير مما يعبّر عنهم، وعن آلامهم ومخاوفهم وحبّهم وخساراتهم، في قصائدي التي تَحمِلُ في طيّاتها ذكرى الصحارى أكثر من ذكرى الحدائق والغابات.

وقفات
التحديثات الحية

المساهمون