كمال ميرزا: عن هابرماس وموقفه من العدوان على غزّة

كمال ميرزا: عن هابرماس وموقفه من العدوان على غزّة

25 يناير 2024
من المحاضرة
+ الخط -

في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وقّع الألماني يورغن هابرماس، مع مفكّرين آخرين، بياناً بعنوان "مبادئ للتضامن"، أنكر فيه على المتظاهرين في ألمانيا من المتعاطفين مع غزّة إطلاقهم وصف الإبادة الجماعية على جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحقّ الفلسطينيين، واعتبر ذلك ضرباً من "معاداة السامية" التي "تتنافى مع كون اليهود جزءاً لا يتجزّأ من الحياة الألمانية"، و"تهديداً لوحدة وتضامن ألمانيا الاتحادية".

البيان، الذي عبّر فيه هابرماس عن موقف منحاز للعدوان الإسرائيلي على غزّة، ناقشته محاضرة ألقاها الباحث في علم الاجتماع، كمال ميرزا، أوّل أمس الثلاثاء في مقرّ "الجمعية الفلسفية الأردنية" بعمّان تحت عنوان "هابرماس وغزّة: هل أُصيب وريث مدرسة فرانكفورت بالخرف؟".

يلفت ميرزا، في بداية محاضرته التي أدارتها الأكاديمية لينا الجزراوي، إلى أنّ هابرماس يبلغ من العمر 94 عاماً، لكنّ هذا لا يعني أنّه مصاب بالخرف؛ فموقفه من الشعب الفلسطيني ومن غزّة متّسق تماماً على ثلاثة مستويات: في سياق الحضارة الرأسمالية الغربية، أو "حضارة التنوير/ الحداثة"، وفي سياق "مدرسة فرانكفورت" التي يُعدّ هابرماس وريثها الحالي، ومتّسق مع فلسفة وطروحات هابرماس نفسه.

على المستوى الأوّل، يوضّح المُحاضر أنّ القتل والدمار والعنف والاستلاب والاستبعاد والعنصرية والإمبريالية والتطرّف والإرهاب هي سمات ونزعات جوهرية في أصل ما يُسمّى الحضارة الرأسمالية الغربية، أو حضارة "الرجل الأبيض"، وليست مجرّد أنماط هامشية أو خارجة على أصل المسار التاريخي لهذه الحضارة.

أمّا بالنسبة إلى "مدرسة فرانكفورت"، التي هي "فلسفة اجتماعية"، فيشير ميرزا إلى أنّ علم الاجتماع الحديث هو العلم الذي يدرس المجتمع الرأسمالي الصناعي الغربي، أي المجتمعات التعاقدية، المنضدّة طبقياً، والتي حلّت فيها علاقات الإنتاج الرأسمالية مكان جميع أشكال العلاقات الاجتماعية السابقة، وتسود فيها مرجعية "المصنع والسوق".

ويوضّح المُحاضر، في ما يتعلّق بالمستوى الثالث، أنّ هابرماس يُميّز بين ثلاثة أنواع من "المصالح المعرفية": "مصلحة تُقنية" مرتبطة بالعمل تفضي إلى ظهور "العلوم الوضعية"، و"مصلحة عملية" مرتبطة بالتواصل تُفضي إلى "العلوم التأويلية"، ومصلحة "الانعتاق والتحرّر" التي تُفضي إلى "العلوم النقدية".

يرى هابرماس، مثلما يقول ميرزا، أنّ الأفعال المرتبطة بالمصلحة التقنية هي "أفعال استراتيجية" أداتية غائية عقلانية بالمعنى المادي الترشيدي للعقلانية، يُترك للخبراء والمختصّين والتكنوقراطيين تقديرها وتقريرها، ومن ذلك تقرير أهل الاختصاص من الساسة والعسكر "ردّ الفعل" المناسب تجاه حماس.

أمّا "الأخلاق الكلية" التي ينادي بها هابرماس، فيقول ميرزا إنّها "أخلاق إجرائية" لا يهمّ مضمونها الذي يعتمد على ظروف المجتمع الخاصّة، مضيفاً أنّ وجهة نظر هابرماس تُفضي إلى أنّه طالما أنّ القرار بإبادة وتهجير أهالي غزّة جرى اتخاذه من قبل حكومة خبراء وأهل اختصاص "انتُخبوا بطريقة حرّة وديمقراطية"، فإنّ هذا القرار "أخلاقي" حتى لو كان مضمونه يعني الدمار والإفناء لأهالي غزّة.

ويخلص كمال ميرزا إلى أنّ عنصرية هابرماس، بوصفه قوميّاً ألمانياً أو نازياً مضمراً، منعته من أن يرى في ما يحدث انتقال نزعة الهيمنة والاستلاب والاستبعاد الأصيلة في النظام الرأسمالي من طور النظام العالمي حيث إمبريالية الدولة القومية/ الويستفالية إلى طور العولمة/ النظام العالمي الجديد، حيث إمبريالية الشركات التي تقوّض الدولة وتستعمرها.

المساهمون