نساء "قصر العناصر".. السيَرُ الغريبة لوزيرات الثقافة في الجزائر

نساء "قصر العناصر".. السيَرُ الغريبة لوزيرات الثقافة في الجزائر

13 يوليو 2021
الوزيرة السابقة خليدة تومي خلال مظاهرة بالجزائر العاصمة، حزيران/ يونيو 1994 (Getty)
+ الخط -

ليس ثمّة الكثيرُ من المعلومات عن وزيرة الثقافة الجزائرية الجديدة، وفاء شعلال. كلُّ ما نعرفُه عنها أنّها انتُخبت في 2017 نائبةً في البرلمان الجزائري عن "التجمُّع الوطني الديمقراطي" بولاية تيارت غرب البلاد، بينما أشارت وسائل الإعلام المحلّية إلى كونها حاصلة على شهادة دكتوراه، وأنّها ناشطة في جمعية خيرية للتكفُّل بالأيتام. وعلى "ويكيبيديا"، يُمكن أن نقرأ في صفحةٍ أُنشئِت بعد تعيينها سيرةً مِن سطر ونصف كُتب فيها أنّها "سياسية جزائرية عُيّنت عضواً في حكومة أيمن بن عبد الرحمن في منصب وزيرة للثقافة والفنون، بتاريخ السابع من تمّوز/ يوليو 2021".

هذه المعلومات الشحيحة ستدفعُ بعض المنتمِين إلى المشهدَين الإعلامي والثقافي إلى طرح أسئلة على مواقع التواصُل الاجتماعي حول سيرتها وخلفيتها الثقافية، بما أنَّ إعلانَ الرئاسة عن الحكومة الجديدة لم يتضمّن أية معلومات عن الوزراء المعيَّنِين فيها، وهو ما تكرَّر أيضاً مع وزارة الثقافة نفسها التي نشرت، عبر صفحاتها الاجتماعية، خبراً عن تسليم واستلام المهام بين الوزيرتَين القديمة والجديدة مِن دون تقديم أيّة تفاصيل إضافية. يُمكن إدراج ذلك ضمن مشكلة اتّصالية تُعاني منها المؤسَّسات الرسمية الجزائرية التي لا تُقدِّم المعلومةَ كاملةً، أو تُقدِّمها في وقت متأخِّرٍ في أحسن الأحوال. وتلك مشكلةٌ لم يكُن مجرَّدُ إسناد الرئاسةِ مهمّة الإعلان عن التشكيلة الحكومية الجديدة إلى صحافي شابٍ كافياً لحلِّها.

وفي غياب المعلومة، لا بأس مِن أن يُشير بعض المعلّقين على مواقع التواصُل إلى بعض الملاحظات الشكلية؛ كالقصَّات القصيرة المشتركَة بين الوزيرات اللواتي تداوَلن على المنصب. ليس الأمر ذا أهمّية بالتأكيد، لكنّه يُحيلنا إلى جزئية باتت تُمثّل ما يشبه تقليداً في السنوات الأخيرة، وهي إسناد وزارة الثقافة إلى امرأة؛ فمنذ تعيين المناضلة السابقة في "التجمُّع من أجل الثقافة والديمقراطية"، خليدة تومي، وزيرةً للثقافة في 2002، تداوَلَت على المنصب أربع نساء هُنّ - بالإضافة إلى شعلال - كلٌّ مِن الأكاديمية والمخرجة السينمائية نادية لعبيدي، والناشرة مريم مرداسي، وأستاذة الفلسفة مليكة بن دودة.

تداوَلَت على الوزارة خمس نساء في العقدَين الأخيرين

تبايَن أداءُ الوزيرات الأربع في القطاع الثقافي، كما اختلفت فتراتُ وظروف تولّيهن مناصبهنّ؛ فتومي (1958) عُيّنت مع بدايات فترة حُكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بعد انضمام حزبها المعارِض إلى حكومته، وهو انضمامٌ لم يستمرَّ طويلاً؛ إذ سرعان ما قرّر الانسحاب من الحكومة، في حين فضّلت هي التخلّي عن حزبها والاحتفاظ بمنصبها الذي ستظلُّ فيه طيلة 14 سنة، وهي أطول فترةٍ لوزير ثقافة في الجزائر. لكنَّ تلك الفترة ستُلقي بظلالها مجدَّداً على سيرة المناضلة والناشطة النسوية السابقة؛ إذ ستُعتَقل في 2019، بتُهمٍ تتعلَّق بـ"الفساد"، وستظلُّ رهن الحبس المؤقَّت، مِن دون أن تجري محاكمتُها إلى اليوم.

أمّا لعبيدي (1954)، الحاصلة على دكتوراه في التصوير السينمائي من "جامعة السوربون" في باريس عام 1987، فأُقيلت بعد سنة من تعيينها (2014 - 2015) في سياق حملةٍ شنّها عليها "حزب العمّال" الذي اتّهمها بالفساد وباستغلال منصبها في مشاريعها الشخصية. غادرت لعبيدي المنصب، لكنّها ظلّت تُلاحِق الحزب قضائياً. وفي العام الماضي، كسبت دعوىً قضائيةً ضدّ مسؤول الإعلام فيه، جلّول جودي، حيث أدانته محكمةٌ جزائرية بتُهمتَي القذف والتشهير.

وعُيّنت مرداسي (1983) في أوّل حكومةٍ بعد الحراك الشعبي الذي شهدته الجزائر في 2019، ثمّ غادرت المنصب بعد تقديمها استقالتها في آب/ أغسطس مِن العام نفسه، على خلفية حفلٍ قدّمه المغنّي الجزائري عبد الرؤوف درّاجي (سولكينغ) بالجزائر العاصمة وشهد سقوط خمسة قتلى وعشرات الجرحى، وتلته حملة إقالات وسَجن لعددٍ من المسؤولين في القطاع. كانت تلك الأشهر الخمسة أقصر فترة يقضيها وزير في "قصر هضبة العناصر" (مقرّ وزارة الثقافة)، وكانت تلك الاستقالة الأولى لوزير ثقافة جزائري أيضاً.

اعتُقلت خليدة تومي في 2019 ولم تُحاكَم إلى اليوم

أمّا بن دودة، فعُيّنت مطلع العام الماضي في أوّل حكومةٍ في فترة الرئيس الحالي عبد المجيد تبّون، الذي وصل إلى السلطة بعد أوّل انتخابات رئاسية تلت الحَراك. وخلاله، عبّرت أستاذة الفلسفة عن مواقف راديكالية مِن السلطة، قبل أن تنضمّ إليها، وتُصدِر تعليماتٍ تمنع موظّفي قطاعها مِن التعبير عن آرائهم في الشأن على العام على مواقع التواصُل الاجتماعي. وعلى غرار بعض الوزراء الذين عرفهم الجمهور عبر ظهورهم المتكرّر على وسائل الإعلام، عُرفت بن دودة من خلال تقديمها برنامجاً تلفزيونياً على إحدى القنوات التلفزيونية الخاصّة، وهو ما حدا ببعضهم إلى القول بأنَّ معظم وزراء حكومة عبد العزيز جرّاد "عيّنهم التلفزيون".

ضمّت تلك الحكومة، أيضاً، منصبَين آخرين على صِلة بالقطاع الثقافي؛ هما كتابة الدولة المكلَّفة بالصناعة السينماتوغرافية التي أُسندت إلى الممثّل يوسف سحايري، وكتابة الدولة المكلَّفة بالإنتاج الثقافي التي أُسندت إلى الموسيقي سليم دادة. وبدا أنَّ ذلك أحدث تضارُباً في المصالح بين الهيئات الثلاث، انتهى بالاستغناء عن المنصب الأوّل، ثمّ عن الثاني.

وعلى خلاف سابقاتها، لم يُعرف عن شعلال، التي تُمثّل واحدةً مِن أربع نساء تضمُّهن الحكومة الجديدة - وهو رقمٌ أقلَّ مِن سابقه في حكومة جرّاد التي ضمّت خمس وزيرات - أيُّ نشاطٍ ثقافي قبل تولّيها وزارة الثقافة. على أنَّ ذلك ليس مؤشّراً سلبياً وحده، بالنظر إلى تولّي مثقّفين الوزارة مِن دون أنْ يُضيفوا إلى القطاع شيئاً أو يُسهموا في حلّ بعض اختلالاته. لعلَّ المؤشّرَ السلبي الأوضح هو مقاربة المنظومة الحاكمة في الجزائر للقطاع الثقافي الذي لا ترى فيه غير حصّةٍ يُكافَأ بها حزبٌ سياسي موالٍ للسلطة أيّاً كان اسمُ رئيسها: عبد العزيز بوتفليقة... أو عبد المجيد تبّون.


ــــــــــــــــــــــــــــــــ

حصيلة هزيلة

قبل أيام من إعلان الحكومة الجديدة، نشرت وزارة الثقافة حصيلةً لما حقّقته خلال النصف الأوّل من العام الجاري. ولأن الوزارة لم تفعل الشيء نفسه العام الماضي، فقد بدا الأمر إشارةً إلى أحقّية الوزيرة السابقة، مليكة بن دودة، بالبقاء في منصبها. تضمّنت الحصيلة "إنجازات" هزيلة في قطاعات الكتاب والسينما والمسرح، وكان لافتاً أن مجلّة "انزياحات" التي توقّفت في عددها الرابع فقط ذُكرت ضمن تلك "الإنجازات".

المساهمون