استقرار الدولار في لبنان رغم الهزّات السياسية

استقرار الدولار في لبنان رغم الهزّات السياسية

22 سبتمبر 2023
سعر الدولار يدور حول 89 ألف ليرة (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -

يواصل سعر صرف الدولار بالسوق السوداء في لبنان استقراره على خطّ 89 ألف ليرة منذ أشهرٍ عدّة، على الرغم من الهزّات السياسية والمالية التي شهدتها الساحة المحلية في الفترة الأخيرة، وذلك فيما كان مساره دائماً يرتبط صعوداً أو تراجعاً بأحداث البلدِ واضطراباته.
وحافظ سعر صرف الدولار على نوعٍ من الثبات رغم توقع عودة ارتفاعه ربطاً بالسيناريوهات التي سبقت انتهاء ولاية حاكم البنك المركزي رياض سلامة (31 يوليو/ تموز الماضي)، والضبابية التي أحاطت بمصير الحاكمية، في ظلّ تهديد نواب الحاكم الأربعة بالاستقالة، والتلويح بعدم تسلّم نائبه الأول وسيم منصوري مهامه، مروراً بالعقوبات الأميركية الأوروبية الدولية على سلامة.
وزاد مضمون التقرير الأولي للتدقيق الجنائي شبهات الفساد حول سلامة، وصولاً إلى زيادة حدّة الصراع السياسي، وعدم حصول أي خرق في جدار الأزمة الرئاسية التي اقتربت من عامها الأول، وكله في ظلّ غياب تام للإصلاحات، وهو ما حذّر صندوق النقد الدولي من تداعيات كبيرة له على الاقتصاد لسنوات قادمة.

ويعزو خبراء اقتصاد أسباب الاستقرار إلى عوامل عدّة، منها ضخ كميات كبيرة من الدولارات في السوق خلال الأشهر الماضية، ولا سيما في فترة الصيف التي شهدت موسماً سياحياً هو الأكثر ازدهاراً منذ بداية الأزمة، أواخر عام 2019، مع قدوم أكثر من 1.5 مليون وافد، ما أعاد الحياة بشكل لافت إلى المؤسسات والقطاعات السياحية التي عاود الكثير منها فتح أبوابه هذا العام بعدما اضطر قسراً إلى الإقفال بفعل الانهيار النقدي، في حين سجّلت عودة لافتة جداً للمهرجانات التي شارك فيها نجوم صفّ أول، عرب وعالميون، بعدما كانت قد غابت في الفترة الماضية عن المشهد.

وساهمت الإيرادات السياحية التي يُتوقَّع أن تناهز ست مليارات دولار هذا العام، كما التحويلات المالية من الخارج، في ترسيخ نوع من الاستقرار في سعر الصرف، بعدما انتعش السوق بالعملة الخضراء، علماً أن هذه المبالغ الضخمة لم تدخل القطاع المصرفي، في ظلّ استمرار انعدام الثقة بالمصارف، التي لا تزال تحتجز ودائع الناس.

ومع ذلك، تبقى الخشية موجودة من ارتفاع مفاجئ لسعر صرف الدولار كما حصل سابقاً مع تجاوزه عتبة الـ140 ألف ليرة، خصوصاً مع استمرار الصراع السياسي على موقع الرئاسة الأولى، وغياب أي أفق للحل السياسي الاقتصادي النقدي.
في السياق، يقول أحد الصرّافين في بيروت، لـ"العربي الجديد"، إن "من أسباب استقرار سعر الصرف، هو أن الدولار بات موجوداً في السوق بكثرة، وذلك نتيجة الدولرة التي طاولت جميع الخدمات والقطاعات، وقد أصبح التعامل بالدولار متبادلاً بين الناس، وهو ما لم يكن سائداً في الفترة السابقة، فمثلاً، من يدفع ثمن المحروقات لتعبئة خزان سيارته بالدولار النقدي، يُردّ له الباقي بالعملة نفسها، ومن يدفع فاتورته بالمقهى أو المطعم أو المؤسسة السياحية بالدولار، يُردّ له أيضاً بالدولار، والأمر نفسه في المدارس الخاصة، والمحال التجارية والسوبرماركت وحتى المستشفيات والعيادات والصيدليات وغيرها".
ويلفت الصرّاف إلى أن "معظم المؤسسات والشركات الخاصة باتت تدفع رواتب موظفيها إما بالدولار كاملةً، أو جزء منها بالدولار، والجزء الثاني بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف في السوق السوداء، الأمر الذي يدفع هؤلاء أيضاً إلى الدفع بالدولار نظراً لإلزامية الدفع بالعملة الخضراء في غالبية القطاعات".
وأضاف الصرّاف، الذي رفض ذكر اسمه: "كما أن البعض بات يفضّل الدفع بالدولار ليُردّ له بالدولار، أو باللبناني وفق سعر أعلى من الصرافين، باعتبار أن السعر المعتمد للدولار من قبل الصرافين بات أقل من ذلك المسعَّر في المقهى أو المطعم أو المحال التجارية، وهو ما أدى إلى تراجع الحركة عند الصرّافين أيضاً".
ويشير الصرّاف إلى أن "الإقبال عند الصرّافين تراجع بشكل لافت، خصوصاً أن الصراف مثلاً يسعّر الدولار بـ89 ألف ليرة تقريباً، بينما أصحاب المحال التجارية والمؤسسات السياحية يسعّرون سلعهم وبضائعهم بأرقام تتخطى الـ92 ألف ليرة، الأمر الذي يدفع بالزبون إلى تفضيل الدفع مباشرة بالدولار، عدا عن أن الطلب على الدولار تراجع بعدما باتت الرواتب تدفع بالدولار بنسبة لا بأس منها".

تبعاً لذلك، يقول الخبير الاقتصادي لويس حبيقة، لـ"العربي الجديد"، إن "من أسباب استقرار سعر الصرف هدوء العرض والطلب، إذ لم تعد هناك كمية كبيرة من الليرة اللبنانية في السوق، ومن يرغب بشراء الدولار لا ليرة لديه لإتمام هذه العملية، وبالتالي فإن عرض الدولار حالياً كافٍ ليواجه أي طلب موجود بالليرة، لذلك سيعاود الدولار مساره التصاعدي عندما يصبح لدى الناس ليرة لبنانية لشرائه".

ويلفت حبيقة إلى أن "المشكلة في لبنان لم تعد متصلة بسعر الصرف، حتى أن الصرافين تراجع عملهم ولم يعد كالسابق، لأن البلد أصبح كله مدولراً، الرواتب والإيرادات وأسعار السلع والبضائع كلها أصبحت بالدولار، لكن المشكلة في أن مدخول المواطن وإن أصبح بالدولار سواء كله أو بجزء منه، لا يتناسب ولم يتأقلم بعد مع الأسعار والكلفة والمصروف بالدولار"، موضحا أن الراتب مثلاً الذي عاد ليُدفع بالدولار النقدي ويبلغ 500 دولار لا يكفي للعيش ودفع الفواتير المدولرة، التي تتطلب راتباً يفوق الألف دولار، في حين ليس بمقدور المؤسسات رفع الرواتب لتتلاءم مع كلفة العيش. هنا المشكلة الأساسية.

ويشير إلى أن تعاطي حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري كان جيداً وأثر أيضاً على البلد إيجاباً في هذه الفترة، لكن بشكل عام، لا رؤية إيجابية لمستقبل البلد.
كما يتوقف حبيقة عند التطورات الأخيرة في العلاقة مع صندوق النقد الدولي، مشيراً إلى أنها لم تكن مفاجئة، فلبنان لم يقم بأي من الإصلاحات التي طلبها الصندوق منذ بداية الأزمة حتى الآن، ولعدم حصول الاتفاق انعكاس كبير على البلد، الذي سيزيح تماماً عن المركز الاقتصادي العالمي، وستزداد فيه البطالة والفقر والجوع والهجرة سواء الشرعية أو غير الشرعية.

المساهمون