الأمن الغذائي في غزة كارثي

الأمن الغذائي في غزة كارثي

13 أكتوبر 2023
قصف إسرائيلي جنوني على سكان غزة (Getty)
+ الخط -

بعد ساعات من بدء عملية طوفان الأقصى، فرضت إسرائيل حصارًا كاملًا على قطاع غزة وحرمت سكانه البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من الطعام والمياه. وأعلن وزير الحرب الإسرائيلي، يوآف غالانت، أنه أمر بفرض حصار كامل على غزة، قائلا إنه لن يكون هناك كهرباء ولا غذاء، مضيفا "سنعلق كل شيء، نحن نقاتل الحيوانات البشرية ونتصرف وفقا لذلك" عقب اجتماعه في قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش بمنطقة بئر السبع. ثم أعلنت وزارة الدفاع أنها أمرت بقطع "فوري" لإمدادات المياه إلى غزة، وذلك بعد إعلان وزير الطاقة يسرائيل كاتس، أنه أمر عمليا بالتوقف عن تزويد قطاع غزة بالكهرباء بعد ساعات من اندلاع الحرب.

في الوقت الحالي، يتعرض الفلسطينيون في قطاع غزة لعمليات تجويع وقتل غير بطيء، ورغم انتقاد منظمة هيومن رايتس ووتش تصريحات غالانت ووصفها بأنها مقززة ودعوة لارتكاب جرائم حرب، تماما مثل استخدام التجويع سلاحا، ومناشدة مدير شؤون إسرائيل وفلسطين في المنظمة عمر شاكر، المحكمة الجنائية الدولية بأخذ العلم واعتبار هذه الدعوة ارتكاب جريمة حرب، باعتبار أن حرمان السكان في أراض محتلة من الغذاء والكهرباء يشكل عقابا جماعيا، لكن مؤسسات المجتمع الدولي أو الأمم المتحدة لم تحرك ساكنا.
على الأرض، رصد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية نقصا حادا في إمدادات المواد الغذائية الرئيسية في اليوم الثالث من الحرب، منها نقص في دقيق الخبز بنسبة 54%، والبيض 73%، والخضروات 38%. وأفاد المكتب بأن 30% من المحلات التي عقد المقابلات معها أكدت على أن مخزون دقيق القمح لن يكفي إلا لأسبوع واحد. كما أن نقل المواد الغذائية من جنوب إلى شمال غزة معطل تماما.
وبالتزامن مع عجز الإمدادات، علقت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، الأونروا، توزيع المساعدات الغذائية على سكان القطاع ولم يتمكن ما يقرب من نصف مليون شخص (112 ألف عائلة) من الحصول على حصصهم الغذائية منذ إغلاق مراكز توزيع الغذاء التابعة لها في 7 أكتوبر، ونعت الوكالة في بيان مقتل 11 من موظفيها في غزة منذ بدء الحرب.
وسجلت وزارة الزراعة بالقطاع أضرارًا فادحة لحقت بالأراضي الزراعية ومزارع الدواجن بسبب القصف. وتمنع الحرب المزارعين الغزيين من الوصول إلى أراضيهم الزراعية، لإنجاز الأعمال اليومية والاعتناء بالمحاصيل والري والحصاد، ويمكن أن تتلف المحاصيل الزراعية جميعها. ويواجه مزارعو الفراولة والطماطم خاصة خطر فقدان إنتاجهم الموسمي بالكامل بسبب القيود المفروضة على الوصول للحقول التي تحتاج لرعاية حرجة في هذا التوقيت. وقد تؤدي عدم إمكانية الوصول إلى حقول أشجار الزيتون إلى فقدان محصول الزيتون والزيت.

في العادة، يقطف المزارعون الفلسطينيون في قطاع غزة ثمار الزيتون خلال شهر أكتوبر. وكانت الإحصائيات تتوقع إنتاج 24 ألف طن من الزيتون من مساحة 50 ألف دونم، واستخراج 1500 طنٍ من الزيت هذا العام من 38 معصرة موزعة على مناطق القطاع، لكن الحرب قد تعطل الإنتاج بالكامل.
إغلاق معبر كرم أبو سالم يعني عدم دخول أي علف حيواني إلى غزة. وهذا يعرض قطاعي الثروة الحيوانية والدواجن للخطر بما يؤثر على سبل عيش أكثر من 10 آلاف منتج يوفرون البروتين الحيواني لأهالي غزة.
أيضا، يتميز قطاع غزة بزراعة محصول الفراولة في مساحة 3600 دونم تقريبا بطريقة عمودية مبتكرة بدعم من وكالة الأنروا ومنظمة الفاو، وهي تنتج آلاف الأطنان من ثمار الفراولة، ويطلقون عليه الذهب الأحمر، حيث يصدر نصف الإنتاج إلى خارج القطاع، أوروبا والضفة الغربية وإسرائيل، ويوفر فرص عمل للشباب الغزي المتعطل من العمل خلال موسم الحصاد، إذ إن الدونم الواحد يحتاج لأكثر من عشرة عاملين على الأقل. لكن الحرب التي تتزامن مع موسم الزراعة والخدمة قد تقضي على المحصول بكامله، وبالتالي تتحقق خسائر فادحة، حيث يكلف الدونم الواحد 2500 دولار.
وكذلك أغلقت إسرائيل البحر المتوسط في وجه الصيادين، ما يعرض أكثر من 4 آلاف منهم لفقد مصدر رزقهم وقوت أسرهم البالغين 40 ألفا، بحسب نقيب الصيادين هناك. عدا عن أن غزة تصدر نحو 80 طنا من الأسماك شهريا. كما أن قطع الكهرباء والوقود سوف يؤثر بلا شك على ري المحاصيل ومخازن حفظ الأغذية المبردة وغيرها من الآلات الكهربائية المستخدمة في الزراعة وحظائر الدواجن والماشية والأسماك.
خسارة القطاع الزراعي تمثل ضربة للاقتصاد الغزي، حيث تصدر غزة سنويا بضائع بقيمة 134 مليون دولار سنويا، أغلبها تعود للقطاع الزراعي بقيمة 82 مليون دولار، بنسبة 61%، وفق بيانات وزارة الاقتصاد.
ما يؤكد جدية بنيامين نتنياهو في تنفيذ سياسة التجويع والعقاب الجماعي ضد سكان قطاع غزة، توثيق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في بيان على موقعه الإلكتروني على أن معبري إيرز وكرم أبو سالم أغلقا تماما بعد تصريحات وزير الحرب، وهما المعبران الأساسيان لدخول المواد الغذائية للقطاع من إسرائيل.
وكذلك معبر رفح مع مصر، وهو شريان الحياة الوحيد حاليا لغزة ونافذتها الخارجية، كان مفتوحا وسمح بعبور حمولة 100 شاحنة من المواد الغذائية، و30 شاحنة من الوقود، و70 شاحنة من مواد البناء، حتى تصريح غالانت، بعدها أبلغت إسرائيل السلطات المصرية بأنها ستقصف قوافل المساعدات في حال قررت القاهرة إدخالها عبر معبر رفح، وهو ما نفذته في نهاية اليوم، وأذعنت الحكومة المصرية للتهديدات الإسرائيلية، وقامت قوات الأمن المصرية برد قوافل الغذاء للعريش، والمسافرين من غزة إليها مرة أخرى، ما يعتبر مشاركة في الحصار والتجويع.
ما يكشف عن حجم المأساة، أن إسرائيل تغلق معبر إيريز، أو بيت حانون، أمام أهالي غزة منذ منتصف سبتمبر/أيلول الماضي بحجة الأعياد اليهودية، واستمر المعبر مغلقًا بحجة أعمال العنف بالقرب من السياج الأمني، وظل أكثر من 22 ألفا من حاملي تصاريح العمل والأعمال التجارية من أهالي القطاع ممنوعين من دخول إسرائيل منذ الإغلاق.
إغلاق معبر إيرز منذ منتصف الشهر الماضي تسبب في خسائر مباشرة تقدر بـ 32 مليون دولار، بواقع مليون دولار يوميا تقربيا، وهو رقم كبير جدا نتيجة لأوضاع العمال المعيشية الصعبة، ولحالة الاقتصاد الفلسطيني الضعيف في غزة بسبب استمرار الحصار منذ 17 عاما. أضف إلى ذلك أن العامل الفلسطيني يدفع شهريا 2500 شيكل (660 دولار) للمشغل الإسرائيلي لمنحه تصريح عمل، وفق رئيس نقابة عمال فلسطين في غزة.

موقف
التحديثات الحية

تاريخيا، تعمل إسرائيل منذ العام 1984 بجدية لحرمان الفلسطينيين من موارد الأرض والمياه والتكنولوجيا اللازمة لإنتاج الغذاء، وزيادة الاعتماد على المنتجات الإسرائيلية حتى تتمكن من السيطرة وقيادة الجماهير التواقة للحرية.
ونجحت إسرائيل، من خلال سياسة السيطرة والتحكم والحصار، بتفريغ القطاع الزراعي والاقتصاد الفلسطيني، وحصره في علاقة تبعية، وإخضاعه للإملاءات الإسرائيلية. أدى ذلك إلى تراجع القدرة الإنتاجية وانكماش الزراعة والتصنيع، وانخفاض حصة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي من 33.2% في عام 1972 إلى 8.1% في عام 2019. وقد أدت عملية تراجع التنمية وتدهور الظروف المعيشية للفلسطينيين إلى زيادة حاجتهم إلى العمل في إسرائيل والاعتماد على السلع الغذائية التي يتم جلبها من الأسواق الإسرائيلية.
لقد عمدت إسرائيل إلى تدمير قطاع الزراعة في فلسطين، وكان له تاريخ عريق يعود إلى ما قبل إنشاء دولة إسرائيل، وقد كان محركًا أساسيًا للاقتصاد الفلسطيني، ولا سيما إنتاج الخوخ والزيتون والموالح وزيت الزيتون والتمور، حتى أن الفلسطينيين كانوا ينتجون أكثر مما تنتجه إسرائيل حاليا، وفي عام 1967، صدرت الضفة الغربية 80% من إنتاج محاصيلها، بالإضافة إلى 45% من الفواكه المنتجة، وفقا لدراسة أعدها مركز الرئيس ويلسون لدراسة السياسات الدولية الأميركي. ونال قطاع غزة النصيب الأكبر من السياسات الإسرائيلية، وأصبحت الزراعة لا تمثل سوى 4.8% من الناتج المحلي الإجمالي لغزة، وفقًا لدراسة أجرتها منظمة العمل الدولية عام 2018.
استخدام دولة الاحتلال سياسة غلق المعابر أمام العمال لمساومة حكومة غزة، وتحقيق أهداف سياسية وأمنية، وفي فرض عقاب جماعي على سكان قطاع غزة، مخالف لقوانين العمل الدولية. هناك تفاهمات رسمية لزيادة تصاريح العمل إلى 30 ألف عامل وليس 19 ألفا، ولكن الاحتلال يمتنع عن تنفيذ هذا البند في التفاهمات ويرفض زيادة العدد رغم حاجة أهالي القطاع.
في ظل هذه السياسة، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، قبل اندلاع الحرب بثلاثة أسابيع، عن الحاجة الماسة إلى 75 مليون دولار لتوفير المساعدات الغذائية لـ 1.2 مليون فلسطيني، نصف السكان، في غزة حتى نهاية العام.
أما بعد اندلاع الحرب وإغلاق المعابر، فإن فرص صمود مخزونات الطعام في القطاع القطاع قد لا تزيد عن أسبوعين فقط. والمؤسف أن جامعة الدول العربية والحكومات الإسلامية تترك غزة فريسة لإسرائيل وتقف موقف المتفرج من هذه الكارثة الإنسانية التي توشك على الانفجار.

المساهمون