التونسيون عالقون بين رفع الفائدة والتضخم: غلاء متواصل

التونسيون عالقون بين رفع الفائدة والتضخم: غلاء متواصل

18 ديسمبر 2022
التضخم ارتفع إلى 9.8% في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي (فرانس برس)
+ الخط -

تتزايد مخاوف القطاعات الإنتاجية والخدمية المختلفة في تونس من زيادات جديدة في أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي لمواجهة التضخم الذي وصل إلى أعلى مستوى في ثلاثين عاماً، لتبدو الكثير من الأنشطة عالقة بين ارتفاع تكاليف التشغيل لا سيما المعتمدة على التمويل المصرفي، وبين التضخم الذي يؤثر في المقابل على القدرات الشرائية للمواطنين، ما ينعكس على حجم الطلب في الأسواق.

والاثنين الماضي، أعلن معهد الإحصاء الحكومي عن صعود التضخم إلى 9.8%، مقترباً من توقعات البنك المركزي بلوغ التضخم رقمين مع بداية العام المقبل 2023.

ومنذ بداية مسار جموح التضخم يستعمل البنك المركزي التونسي وسائله الحمائية لكبح الاستهلاك، عبر ترفع نسب الفائدة الرئيسية، بينما يحذر خبراء اقتصاد من الاستمرار في هذا النهج، مؤكدين أنه يحمل مخاطر أكثر ضرراً للمؤسسات والأشخاص.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي رفع المركزي نسبة الفائدة الرئيسية 25 نقطة أساس، لتصل إلى 7.25%، سبقها زيادة في مايو/ أيار بـ 75 نقطة أساس لتبلغ حينها 7% مقابل 6.25% سابقاً.

وسائل جديدة أكثر جدوى لمكافحة التضخم

وقال الخبير الاقتصادي آرام بالحاج، في تصريح لـ"العربي الجديد" إنه: "يجب التفكير في وسائل جديدة أكثر جدوى لمكافحة التضخم بدلاً من مواصلة رفع أسعار الفائدة"، مضيفاً أن "نسبة التضخم تواصل ارتفاعها إلى مستويات قياسية، بينما أسباب انفلات النسب قائمة، وستظل قائمة في الأشهر المقبلة، بسبب تواصل زيادة أسعار المواد الأساسية والمناخ الجيوسياسي الصعب، الذي أدى إلى طفرة تضخم عالمي".

وتوقع بالحاج أن يبلغ التضخم رقمين في الأجل القريب، داعيا السلطات إلى ضرورة إعادة النظر في استراتيجية توفير السلع، وتحديد هوامش الربح، ودعم منظومات الإنتاج، مشيراً إلى أن "رفع نسبة الفائدة لمواجهة التضخم لن يُجدي نفعاً، ويجب التفكير في آليات أخرى تحد من نسبة التضخم".

وشدد على ضرورة التنسيق الكامل بين البنك المركزي والحكومة قبل الإقدام على أي زيادة أخرى لنسبة الفائدة، لافتا إلى أن زيادة نسبة الفائدة ستنعكس سلبا على القدرة الشرائية للمواطن والقدرة التنافسية للمؤسسات الإنتاجية بمختلف أنشطتها.

ووفق البيانات الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء، يوم الاثنين الماضي، ارتفع التضخم على أساس سنوي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إلى 9.8% مقابل 9.2% في أكتوبر/ تشرين الأول، مشيرة إلى صعود مؤشر أسعار الأغذية بنسبة 15%.

ويزيد التضخم من الضغوط المعيشية التي يواجهها المواطنون، كما يوسّع الهوة بين طبقات المجتمع، بعد أن خسرت الطبقة المتوسطة التي تشكل 80% من التونسيين قدراتها الإنفاقية وانزلق جزء منها إلى الفقر.

وتنفذ الحكومة خطة إصلاح اقتصادي، لا تحظى بقبول شعبي، مقابل توقيعها على اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي بقيمة 1.9 مليار دولار ستصرف على مدار أربع سنوات.

ومن المتوقع أن تشمل الإصلاحات خفض دعم المواد الغذائية والطاقة، بالإضافة إلى طرح شركات عامة للبيع، وخفض نسبة الأجور من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات المقبلة، وفق البرنامج الذي كشفت عنه حكومة نجلاء بودن في يونيو/حزيران الماضي.

وفي مقابل الضيق الشعبي من الغلاء المتواصل، اعتبرت وزيرة التجارة وتنمية الصادرات فضيلة الرابحي، في تصريحات إعلامية في وقت سابق من الشهر الجاري، أن ارتفاع نسبة التضخم والأسعار في بلادها "مقبولة" مقارنة ببلدان أخرى.

مراجعة سياسة رفع أسعار الفائدة

وقالت الرابحي إن "نسبة التضخم المسجلة في تونس أقل مما جرى تسجيله في العديد من بلدان العالم، على غرار أوروبا التي تجاوزت نسبة 10%، مضيفة أن التضخم في تونس مقبول، خاصة أن البلد يستورد كل احتياجاته من الخارج، بينما الأسعار العالمية سجلت ارتفاعاً كبيراً، وكلفة الشحن تضاعفت 7 مرات في العديد من القطاعات، وكذلك سعر الصرف.

في السياق، قال وزير المالية السابق سليم بسباس، إن التضخم في تونس يأتي في سياق عالمي شامل تسبب في تصاعد الغلاء، وطاول الدول التي لم تكن تشكو من معدلات تضخمية، مضيفاً أنه رغم هذا الواقع فإنه ينبغي على البنك المركزي التونسي مراجعة سياساته بشأن رفع أسعار الفائدة.

وأضاف بسباس لـ"العربي الجديد" أن سعر الفائدة في تونس يعد من بين الأعلى على مستوى المنطقة، محذرا من تأثير ذلك على المؤسسات والأفراد، خاصة أنه سيؤدي في المقابل إلى استمرار جموح التضخم.

ولفت إلى أن الأفراد باتوا يتحمّلون كلفة إضافية لأعباء القروض، بسبب زيادة سعرها، وهو ما يزيد في تكبيل قدرتهم على الإنفاق والاستهلاك.

وتابع "يمكن للبنك المركزي أن يعتمد سياسات أكثر نجاعة عبر تقييد قروض شراء السلع الكمالية المستوردة والتي لها مثيل مصنع محلياً"، لافتا إلى أن العديد من الدول خفضت نسب الفائدة مؤخراً بهدف تحريك النمو والاستثمار، وبالتالي امتصاص التضخم.

وارتفع عجز الميزان التجاري خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري إلى نحو 21.3 مليار دينار (نحو 6 مليارات دولار) مقابل 13.3 مليار دينار في الفترة نفسها من العام الماضي، بزيادة حادة بلغت نسبتها 60.2% عن الفترة نفسها من العام الماضي، وفق بيانات المعهد الحكومي للإحصاء الصادرة نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

المساهمون