تسعير"الصكوك" المصرية

تسعير"الصكوك" المصرية

01 مارس 2023
التسعير الخاطئ للصكوك يعني تحميل الموازنة العامة للدولة مبالغ إضافية (فرانس برس)
+ الخط -

أعلنت الحكومة المصرية نجاحها في بيع أول إصدار من الصكوك الإسلامية السيادية في تاريخ البلاد، بقيمة 1.5 مليار دولار، مؤكدة تلقيها نحو 6.1 مليارات دولار، وهو ما يعادل أكثر من 4 أضعاف قيمة الطرح، إلا أنها اكتفت بالمبلغ الذي سعت لتوفيره.

وأكد وزير المالية، محمد معيط، أنّ تكلفة الإصدار كانت أقل من العائد المطلوب على السندات في الأسواق الثانوية الدولية بأكثر من سبعين نقطة، حيث خُفض سعر الكوبون على الإصدار بنحو 75 نقطة أساس مقارنة بالأسعار الافتتاحية المعلنة عند بداية عملية الطرح، وكانت 11.652%، ليغلق كوبون الإصدار عند 10.875%.

سألت صديقي الجديد برنامج ChatGPT لتطبيقات الذكاء الاصطناعي عن "الصكوك الإسلامية"، وعما يميزها عن السندات التقليدية، فحكى لي صديقي ما أقلقني.

قال الصديق، بنبرة تملؤها الثقة، إن الصكوك الإسلامية هي وسيلة لتدبير السيولة، تماماً كالسندات التقليدية، مع وجود اختلافين أساسيين.

أما الاختلاف الرئيسي بين الصكوك الإسلامية والسندات التقليدية، يقول الصديق، فمنبعه أن السندات التقليدية تمثل التزامًا بالدَين، حيث يُقرض مشتري السند المال للمُصدر، لفترة زمنية محددة، ويتلقى مدفوعات الفائدة الدورية (الكوبون) حتى استحقاق السند، فيتم سداد أصل الدين.

ويتحمل حامل السند مخاطر الائتمان للمُصدر، مما يعني أنه في حالة تخلفه عن السداد، فقد لا يستعيد حامل السند استثماره بالكامل.

أما الصكوك الإسلامية، فيقول صديقي، إنها تمثل ملكية في أصل أو مشروع أساسي، حيث يوفر مشتري الصكوك التمويل للمُصدر، مقابل حصة من الأرباح الناتجة من الأصل أو المشروع، بدلاً من تلقي مدفوعات الفائدة الثابتة.

وأكد صديقي أن مُصدر الصكوك ملزم بإعادة شراء الصكوك في تاريخ مستقبلي، بالقيمة الاسمية، والتي تمثل المبلغ الأساسي، موضحاً أن الأصل، أو المشروع الأساسي، يعمل كضمان، مما يقلل من مخاطر الائتمان لحاملي الصكوك، حيث تؤول ملكية حصة من الأصل أو المشروع الأساسي إلى مشترى الصك، عند تعثر مصدر الصك عن سداد ما حصل عليه من قبل.

وقال ChatGPT إن الفرق الآخر بين نوعي التمويل هو أن السندات التقليدية غالبًا ما يتم تنظيمها وفقًا لمعدل فائدة معلن، وعقوبات للتأخر في السداد، وهو ما يعتبر محرماً في التمويل الإسلامي.

وكتب الصديق، الذي لا يعرف من العربية إلا القليل، واصفاً الفائدة المحددة مقدماً على المنتجات الإسلامية بأنها (Haram)، مشيراً إلى أن تنظيم الصكوك يقضي بتقاسم الأرباح والخسائر، بطريقة تتوافق مع مبادئ التمويل الإسلامي.

سألت صديقي عن كيفية تحديد فائدة الصكوك أو السندات الدولية عند بيعها، فأشار إلى ما قاله آنفاً، من ارتباط عائد الصكوك بالربح أو الخسارة التي يحققها الأصل أو المشروع المرتبط بها. أما تسعير السندات، فقد قال فيه صديقي الكثير.

قال صديقي إنه في أسواق رأس المال نجد أسعار فائدة يتم التعامل عليها طوال الوقت، وإن المنتجات الجديدة يتم تسعيرها من خلال منتجات موجودة بالفعل في الأسواق، وتدفع فائدة معلنة.

تتعامل أسواق السندات مع سندات الخزانة الأميركية باعتبارها الأهم، والأكثر سيولة، وأساس تسعير كل السندات الأخرى. وتعد السندات الأميركية الأكثر أماناً بين السندات الدولارية. ليس فقط لأنها صادرة عن الاقتصاد الأكبر في العالم، أو لأن أميركا هي القوة العظمى الوحيدة حالياً، وإنما لأن الحكومة الأميركية ببساطة لديها "مطبعة" الدولار، التي يمكن أن تستخدمها في طباعة ما تعجز عن سداده من سندات أصدرتها.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

‏وعندما تصدر الدول الأخرى سندات، يتم تسعيرها باستخدام الفائدة/العائد المطبق على سندات الخزانة الأميركية، مضافاً إليه ما يطلق عليه "تكلفة التأمين على الديون" أو ما تسميه أسواق المال Credit Default Swap، ويكون خاصاً بكل دولة، وفقاً لـ "الصحة المالية" التي تتمتع بها، والتي تنعكس عادة على تصنيفها الائتماني.

قال لي صديقي إنه، في كثير من الأحيان، يقال إن سندات بلدٍ ما بيعت بمائة نقطة، أو مائة وخمسين، أو مائتين، فوق سندات الخزانة الأميركية، وهو ما يعني أن الفائدة التي يحصل عليها المشتري تكون 1%، أو 1.5%، أو 2%، فوق عائد السندات الأميركية، وفقاً لدرجة ثقة المستثمرين في قدرة المُقترِض على رد المبلغ المُقترَض.

سارعت بالبحث في وكالتي بلومبيرغ ورويترز عن عائد السندات الأميركية لثلاث سنوات، فوجدتها 4.40% - 4.30%، ثم بحثت عن تكلفة التأمين على الديون المصرية، فوجدتها 5.70% - 5.30%، وقت بيع الصكوك.

وتقول الأرقام السابقة إن الفائدة التي تدفعها مصر على السندات الدولارية يجب أن تتراوح بين 10.10% - 9.60%، وذلك حال كونها سندات تقليدية. أما لو كانت صكوكا إسلامية، فيفترض أن يكون العائد أقل، كونها مضمونة بحصة (صك) في شركة أو مشروع أساسي، وذلك لو افترضنا إمكانية تسعيرها بالطريقة التقليدية، المحرمة في التمويل الإسلامي، وفقاً لـ ChatGPT.

التسعير الخاطئ للصكوك، إن كان قد حدث، يعني تحميل الموازنة العامة للدولة، واحتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي، مبالغ إضافية، تسرع من نزيف العملة الأجنبية المتوفرة لنا، خاصة في مبلغ ضخم، كالذي تم اقتراضه، ولمدة ثلاث سنوات.

أضاف برنامج تطبيقات الذكاء الاصطناعي معلومة بسيطة، تعرفها أي آلة حاسبة صغيرة، مهما كانت محدودية إمكاناتها، وهي أن تكلفة الـ1% الإضافية على مبلغ 1.5 مليار دولار تساوي 15 مليون دولار، في السنة الواحدة، فما بالك بتكلفتها في ثلاث سنوات.

أما حجة "الاضطرار"، بسبب الظروف التي تمر بها البلاد حالياً، فهي داحضة، حيث تعكس تكلفة التأمين على الديون، كما يقول صديقي، كافة الظروف التي يمر بها البلد المقترض، وبالتالي فلا توجد حاجة لإضافة نقاط أخرى عند الاقتراض!

عدت لصديقي فسألته، هل أخطأت الحكومة في تسمية ما أصدرته صكوكاً، أم أن هناك بالفعل "أصلا أو مشروعا" يضمن هذه الصكوك، وتؤول ملكيته للمشترين في حالة العجز عن السداد، وقبل أن أسمع رده، نفد شحن الكمبيوتر، واكتشفت وقتها أنه لم يكن متصلاً بمصدر الكهرباء!

المساهمون