تقشف إجباري في تونس... مواطنون يستقبلون موسم التنزيلات بجيوب خاوية

تقشف إجباري في تونس... مواطنون يستقبلون موسم التنزيلات بجيوب خاوية

01 فبراير 2021
الركود يسيطر على الأسواق رغم خفض الأسعار (ياسين غادي/الاناضول)
+ الخط -

يستقبل التونسيون موسم التنزيلات الشتوية هذا العام بجيوب خاوية، بسبب تراجع دخول أغلب الأسر، التي دخلت في تقشف إجباري فرضته الظروف الاقتصادية الصعبة الناجمة عن تداعيات جائحة فيروس كورونا.
وسيطرت مشاهد الركود على معظم المجمعات التجارية خلال الأيام الأولى من موسم التنزيلات (الحسومات)، إذ لم تحفز التخفيضات التونسيين على الشراء، بينما يتزايد قلق التجار من خسارة واحد من أهم المواسم التجارية النشطة في البلاد.
وتعكس السلوكيات الاستهلاكية للتونسيين ما بعد جائحة كورونا حقيقة الأوضاع الاقتصادية في البلاد، خاصة أصحاب المهن الحرة الذين تقدر أعدادهم بأكثر من مليون شخص.
يقول الخبير الاقتصادي خالد النوري لـ"العربي الجديد" إن النمط الاستهلاكي في تونس يتغير بشكل متسارع متأثراً بالضغوط التي تعيشها الأسر، والتي باتت تكتفي بالإنفاق على الاحتياجات الأساسية من طعام وإيجار المسكن والدراسة، مضيفاً أن "شراء الملابس أو اغتنام الفرص من موسم التخفيضات قد تحول إلى نوع من الترف لدى البعض".
ووفق النوري فإن السلوكيات الاستهلاكية في المجتمعات هي بمثابة مرآة تعكس حقيقة الوضع المالي للأفراد، مشيراً إلى أن ما لا يقل عن مليوني تونسي يعانون من الفقر، وهو رقم مرجح للارتفاع مع استمرار تداعيات الجائحة الصحية.

وأشار إلى أن أكثر من مليون تونسي ممن يشتغلون في القطاع غير الرسمي تضرروا بشكل كبير من الجائحة، بينما كانت هذه الفئة تملك قدرات إنفاقية مهمة، غير أنها تنزلق تدريجياً إلى خانة الفقر مع تراجع مداخيلها.
واعتبر أن تراجع إقبال التونسيين على مواسم التنزيلات يعكس حالة مادية متردية، وأخرى نفسية قلقة مما قد تؤول إليه الأوضاع مستقبلاً.
واكتسب التونسيون على مدى عقدين من الزمن ثقافة استهلاكية تضع مواسم التخفيضات في منزلة متقدمة في إنفاق الأسر، إذ ظلت موعداً سنويا متجدداً يستعد له التونسيون مادياً من أجل اغتنام الفرص التي تتاح لهم لشراء الملابس أو غيرها من المواد المنزلية المشمولة بالتخفيضات.
ويحتلّ الإنفاق على الملابس المرتبة الخامسة في هيكل الإنفاق الأسري بنسبة 7.6% بحسب بيانات معهد الإحصاء الحكومي.
وتجابه الكثير من الأسر نفقاتها يوماً بيوم، بحسب ما يتوفر لها من دخل، لا سيما التي يعمل عائلها في قطاعات موازية أو يتحصل على أجور غير ثابتة، ما يؤثر على قدرتها على برمجة الإنفاق والشراءات، بحسب رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك سليم سعد الله.
يقول سعد الله لـ"العربي الجديد" إنّ ارتفاع كلفة المعيشة، لا سيما بعد الجائحة، جعل الكثير من التونسيين غير قادرين على البرمجة المسبقة لنفقاتهم، أو الاستعداد لأي موسم استهلاكي، مشيراً إلى أن من فقدوا دخولهم بسبب البطالة هم خارج دائرة الإنفاق حالياً وهو ما يفسّر تواصل الركود التجاري في فترة التنزيلات.
ويضيف أن المتضررين من جائحة كورونا من طبقات عدة، ومنهم من كانوا من ذوي الإنفاق العالي من تجار وصناعيين ومصدرين وأصحاب مشاريع صغرى ومتوسطة، وهم من المشمولين بموجة التقشف العام التي تشهدها البلاد.

ويقرّ المدير العام للمعهد الوطني للاستهلاك مراد بن حسين بأن الأزمة الصحية الناجمة عن تفشي كورونا أدت إلى حدوث تغيرات في نمط حياة المستهلكين ربما تظل مستمرة على المديين القصير والمتوسط.
وشهد مؤشر أسعار المستهلكين (التضخم) ارتفاعاً بنسبة 0.3% خلال ديسمبر/ كانون الأول الماضي مقارنة بشهر نوفمبر/ تشرين الثاني، بحسب معهد الإحصاء.

وأرجع المعهد الارتفاع إلى زيادة أسعار الملابس والأحذية بنسبة 1.5% وخدمات الصحة 1.2% وأسعار الخدمات المقاهي والمطاعم والنزل بنسبة 0.4%، في المقابل شهدت أسعار المواد الغذائية وأسعار النقل استقراراً نسبياً وأسعار خدمات وتجهيزات الاتصالات تراجعاً طفيفاً.
ولا تزال مستويات البطالة في حدود 16.2%، إذ يبلغ عدد العاطلين عن العمل نحو 676 ألف شخص، وفق البيانات الرسمية، فيما ترجح أرقام غير حكومية أن يكون الرقم أعلى بكثير متجاوزاً المليون عاطل.
وتتجنّب السلطات التونسية تحت ضغط الشارع وتفاقم الاحتجاجات المعيشية أي قرارات قد تسبب مزيداً من الفقر وقطع الرزق للفئات الفقيرة والهشة التي تواجه الوباء بجيوب فارغة.
وبعد أكثر من 7 أشهر من الإعلان عن حزمة إجراءات بقيمة 1.5 مليار دينار (545.5 مليون دولار) لفائدة الأفراد والمؤسسات المتضررين لا تزال القطاعات الاقتصادية تنتظر الدعم الحكومي، فيما لم يحصل العمال المحالون على البطالة الفنية على أي تعويضات.
وطلبت الحكومة من الأجراء (العمال) والمؤسسات المتضررة من الغلق التسجيل على منصة إلكترونية للحصول على التمويلات اللازمة في شكل تعويضات أو قروض بنكية بضمان حكومي.

ووفق بيانات رسمية كشفت عنها أخيراً الشركة التونسية للضمان لم ينتفع من تمويلات الدولة إلا 1250 مؤسسة من مجموع 750 ألف مؤسسة بسبب عدة إشكاليات رافقت آلية ضمان الدولة، وعزوف البنوك عن منح قروض للمؤسسات الاقتصادية وصغار الحرفيين والصناعيين.

وبسبب عدم تغطية منظومة التعويضات الكثير من المؤسسات، أعلنت الحكومة مؤخراً عن إعادة فتح مجال التسجيل على المنصة في بداية فبراير/ شباط الجاري.

المساهمون