تونس... كيف تحولت إلى دولة بائسة؟

تونس... كيف تحولت إلى دولة بائسة؟

11 أكتوبر 2022
انقلاب قيس سعيد رفع منسوب المخاطر في تونس/ فرانس برس
+ الخط -

تحولت تونس إلى دولة بائسة في نظر مواطنيها، فالطوابير في كل مكان، وغلاء الأسعار يطحن المواطن ويزيد فقره ويضغط على قدراته الشرائية، والأزمات المعيشية تتسع رقعتها يوما بعد يوم.

وهناك حالة سخط عام جراء الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية ونقص السلع خلال الفترة الماضية حيث تختفي سلع تموينية مهمة مثل السكر والزيت النباتي والأرز، وحتى الأدوية وزجاجات المياه المعبأة تختفي من أرفف الصيدليات والمتاجر الكبرى ومحال البقالة.

وهناك زيادة في معدلات البطالة وانهيار مستمر في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار بشكل أوحى بقرب تعويمها في إطار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لاقتراض 4 مليارات دولار، ومعدل التضخم تجاوز 9.1% في سبتمبر، وهو ما دفع البنك المركزي لزيادة سعر الفائدة في محاولة لاحتوائه.

سخط عام بين الونسيين جراء الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية ونقص السلع خلال الفترة الماضية

والتونسيون يقفون في صفوف لساعات أمام المخابز والمحال التجارية لشراء السلع الغذائية المدعومة من الحكومة والتي زاد سعرها بشكل ملحوظ، بشكل يجعل الكثيرين منهم عاجزين عن سداد ثمنها المرتفع.

وهذه الأيام تشهد شوارع تونس طوابير طويلة أمام محطات الوقود، حيث تشهد أغلب المحطات نقصا ملحوظا في البنزين والسولار، ما نتج عنه طوابير للعربات أمام المحطات لا تزال تتوفر فيها مشتقات بترولية.

الأزمة مرشحة للتفاقم، وخاصة أن المخزونات من الوقود لا تكفي سوى أيام، كما قال الكاتب العام للجامعة العامة للنفط التابعة لاتحاد الشغل التونسي، يوم الاثنين، والذي خرج بتصريح صادم قال فيه إن احتياطي تونس من الوقود يكفي أسبوعاً واحداً فقط بعد أن كان المعدل في حدود 60 يوماً.

يحدث ذلك الاختناق على الرغم من زيادة الحكومة سعر الوقود 4 مرات خلال العام الجاري، آخرها في سبتمبر/ أيلول الماضي.

الأزمات لا تقف عند هذا الحد، فتونس التي تصنف على أنها ثالث أكبر مصدر عالمي لزيت الزيتون تعاني من أزمة في زيت الطهي وقفزات في سعره واختفائه من الأسواق، فقد ارتفعت أسعاره إلى مستويات قياسية خلال الأشهر الماضية فاقت 21% خلال شهر واحد.

العملة باتت مرشحة لمزيد من التهاوي مع هبوط احتياطات البلاد الأجنبية إلى أدنى مستوى في 3 سنوات

أزمة أجبرت المواطن على الوقوف في طوابير طويلة لشراء زجاجة زيت مدعم بسبب الظروف المعيشية الصعبة وعدم القدرة المالية على اقتناء زيت الزيتون مرتفع السعر والذي يوجه عادة للتصدير.

وإضافة إلى الأزمات السابقة، تواجه تونس أزمة اقتصادية ومالية حادة، وندرة في النقد الأجنبي مع هروب الاستثمارات الأجنبية والسياح وتراجع الصادرات، حيث بلغ العجز التجاري للبلاد خلال النصف الأول من العام الجاري 3.6 مليارات دولار، بنسبة زيادة 56%.

والعملة باتت مرشحة لمزيد من التهاوي مع هبوط احتياطات البلاد الأجنبية إلى أدنى مستوى في 3 سنوات لتصل قيمتها إلى 7.16 مليارات دولار في شهر سبتمبر الماضي، وهو مبلغ ضعيف مقارنة بالتزامات البلاد الخارجية من سداد أعباء ديون وفاتورة واردات الأغذية والوقود.

كما تعاني البلاد صعودا في معدل الجرائم الاجتماعية وفي مقدمتها الرشى والعمولات والسمسرة والفساد المالي مع ضعف الرواتب وغلاء الأسعار.

الحكومة تقف عاجزة أمام الأزمة المعيشية والاقتصادية، بديلها الوحيد من وجهة نظرها هو الاستدانة واللجوء لصندوق النقد الدولي وغيره من الدائنين الدوليين.

ودائما ما تلقي الحكومة الأزمة على الغير، وحجتها جاهزة وهي أن السبب الأساسي لكل تلك الأزمات المعيشية المتلاحقة وغيرها هو انتشار السوق السوداء وتفشي الفساد وتداعيات أزمتي حرب أوكرانيا والتضخم العالمي.

لكنها لا تتحدث بالطبع عن مسؤوليتها المباشرة عن تلك الأزمات المستفحلة، وكيف أدخلت حكومة قيس سعيّد البلاد في نفق مظلم عقب انقلاب 25 يوليو/ تموز 2021، وكيف تسببت سياساتها المتهورة في ارتفاع منسوب الغموض السياسي وزيادة المخاطر الجيوسياسية في البلاد.

حكومة قيس سعيّد راهنت على مساعدات خليجية ضخمة لم تأت بعد ويبدو أنها لن تأتي أصلا رغم الفوائض المالية لدى دول الخليج

وكيف أن سياسات الحكومة ساهمت بشكل مباشر في هروب المستثمرين الأجانب وحتى السياح، وكيف راهنت على مساعدات خليجية ضخمة لم تأت بعد ويبدو أنها لن تأتي أصلا رغم الفوائض المالية لدى دول الخليج، وكيف أنها أوجدت شرخا كبيرا في بنيان المجتمع ونظامه السياسي، ومارست اعتداء صارخا على المؤسسات الدستورية وتجربة ديمقراطية وليدة.

على حكومة قيس سعيّد أن تتحمل مسؤوليتها تجاه واحدة من أسوأ الأزمات المعيشية والاقتصادية التي تعيشها تونس، وأن تفسح المجال لسلطة منتخبة جديدة ربما تحاول إنقاذ السفينة قبل غرقها.