زحمة طلب على غاز قطر: الحرب الروسية الأوكرانية تغير خريطة الواردات

زحمة طلب على غاز قطر: الحرب الروسية الأوكرانية تغير خريطة الواردات

23 مارس 2022
تستهدف قطر زيادة إنتاجها بنسبة 40% بحلول عام 2026 (Getty)
+ الخط -

تحولت العاصمة القطرية الدوحة خلال الشهور الماضية إلى وجهة رئيسية لكبار المسؤولين الأجانب الباحثين عن الغاز الطبيعي المسال والمتطلعين إلى إبرام عقود طاقة طويلة الأجل تتجاوز العشرين عاماً.

ومع اندلاع أزمة الطاقة عالمياً وحدوث قفزات قياسية في أسعار الغاز الطبيعي، اتجهت الأنظار أكثر نحو الدوحة، بحثاً عمن يطفئ ظمأ الأسواق الملتهبة ويهدئ من سعر الوقود الأزرق، خاصة داخل الدول الأوروبية التي سجلت فيها الأسعار مستويات غير مسبوقة وسببت أزمة للمواطن الذي بات يئن من زيادات فواتير الكهرباء وغاز التدفئة وأسعار البنزين والسولار.

ذروة الاهتمام
بلغت ذروة الاهتمام العالمي بالغاز القطري خلال اللقاء الذي جمع بين الرئيس الأميركي جو بايدن وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني في العاصمة الأميركية واشنطن نهاية شهر يناير/ كانون الثاني الماضي؛ وبحث توريد الغاز القطري إلى أوروبا وإعلان البيت الأبيض أن اللقاء تناول "ضمان استقرار الإمدادات العالمية للطاقة"، في وقت كانت تبحث فيه واشنطن والأوروبيون عن بدائل تحسباً لتوقف إمدادات الغاز الروسي في حال شنت موسكو هجوماً على أوكرانيا.

ومع الغزو الروسي لأوكرانيا زاد تعلق العالم بالغاز القطري، خاصة أن الدوحة تملك احتياطياً هائلاً وهي أول مصدر عالمي للغاز الطبيعي المسال، وسارعت العديد من دول التحالف الغربي إلى البحث عن بدائل لاستيراد الغاز الروسي وتعويض إمدادات موسكو عقب دخولها حرباً ما زالت متواصلة ضد أوكرانيا.
واكبت هذه التحركات الدولية تحركات حثيثة من الدوحة بزيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي لتلبية الاحتياجات الدولية المتزايدة والمتعطشة للطاقة النظيفة، وبالفعل بدأت شركة قطر غاز تشييد 4 خطوط إنتاج كبيرة للغاز الطبيعي المسال سترفع طاقتها الإنتاجية السنوية من 77 مليون طن حالياً إلى 110 ملايين طن.

كذلك قررت السلطات القطرية ضخ استثمارات جديدة في قطاع الطاقة تقدر بعشرات المليارات من الدولارات في إطار خطة البلاد للمحافظة على موقعها كأكبر منتج ومصدر للغاز المسال والأكثر موثوقية في العالم. وتستهدف قطر زيادة إنتاجها بـ40% بحلول عام 2026 بتوسعة حقل الشمال؛ أكبر حقل للغاز غير المصاحب في العالم.
وكانت قطر قد بدأت بالفعل في تخفيف أزمة الطاقة التي تعاني منها القارة الأوروبية منذ شهور، ففي شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أفادت صحيفة فايننشال تايمز (Financial Times) في تقرير لها بأن الحكومة البريطانية تواصلت مع قطر في مسعى للتوصل إلى صفقة غاز طويلة الأمد وزيادة الإمدادات، إذ يؤدي عجز في الغاز الطبيعي بأوروبا إلى ارتفاع أسعار البيع بالجملة.

ونقلت الصحيفة البريطانية عن مصادر مطلعة أن وزراء بريطانيين ونظراءهم من قطر، التي تعد أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم، أجروا محادثات حول اتفاق طويل الأجل ستصبح قطر بموجبه "مورد ملاذ أخير". وأضاف التقرير أن بريطانيا تسعى إلى إبرام صفقة محتملة طويلة الأجل في ضوء المخاوف من زيادة المنافسة على إمدادات الغاز الطبيعي المسال مع آسيا.

ألمانيا وإمدادات الغاز
عقب الغزو الروسي لأوكرانيا قصد الدوحة كبار المسؤولين في غير بلد أوروبي، فضلاً عن الاتصالات الهاتفية أو ما يعرف بـ"دبلوماسية الجوال". وكانت ألمانيا؛ صاحبة أكبر اقتصاد بأوروبا، في مقدمة الدول التي اتجهت إلى الدوحة من أجل الاتفاق على تأمين إمدادات غاز عقب اجتياح روسيا لأوكرانيا.

آخر الزوار الواصلين إلى العاصمة القطرية الدوحة، من المسؤولين الأوروبيين، هو نائب المستشار الألماني والوزير الاتحادي للشؤون الاقتصادية وحماية المناخ الألماني روبرت هابيك، والذي استقبله أمير قطر، الأحد الماضي. كذلك اجتمع هابيك مع عدد من المسؤولين القطريين، ومع رجال الأعمال الذين يستثمرون في مجال النفط والغاز.
وقال روبرت هابيك إن ألمانيا وقطر اتفقتا على "شراكة طويلة الأمد" في مجال الطاقة للمساعدة في خفض الاعتماد على الغاز الروسي بعد غزو أوكرانيا. وكشفت شركة قطر للطاقة عن اتفاق مع الجانب الألماني لاستئناف المناقشات ومواصلتها حول إمدادات الغاز الطبيعي المسال طويلة الأجل من قطر إلى ألمانيا بين الشركات التجارية الخاصة بالطرفين.

وقال بيان صادر عن قطر للطاقة، الأحد الماضي: إن "النقاشات مع الشركات الألمانية بخصوص توريد الغاز الطبيعي المسال القطري إلى ألمانيا تعود لعدة سنوات، ومع ذلك لم تتجسّد هذه المناقشات في اتفاقيات نهائية بسبب الافتقار إلى الوضوح بشأن الدور طويل الأجل للغاز في مزيج الطاقة في ألمانيا من جهة والبنية التحتية اللازمة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من جهة ثانية".

وأشارت القناة الثانية في التلفزيون الألماني "زد دي إف" إلى أن ألمانيا تريد سياسة واقعية لأنها بحاجة لتلبية احتياجاتها من الطاقة في المستقبل، ومن منطقة الخليج العربي وبالأخص قطر كي تتمكن من التضييق على واردات الغاز الروسي، وبالتالي تقليص المدفوعات لخزينة نظام الكرملين.

الدوحة مستعدة لدعم عملائها الأوروبيين
ومنذ أن بدأت طبول الحرب الروسية تقرع، وقبل أن يأمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته المسلحة بغزو أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي، وهاجس نقص إمدادات الطاقة يقلق القادة الأوروبيين، إذ يعتمد الاتحاد الأوروبي بنسبة تقدر بـ 40% على الغاز الروسي.

وفي أول فبراير/ شباط اجتمع وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري، سعد الكعبي، مع مفوضة الطاقة في الاتحاد الأوروبي كادري سيمسون. وأكد الكعبي خلال اللقاء أن قطر "على أتم الاستعداد لدعم عملائها في جميع أنحاء العالم عند الحاجة". وأضاف الكعبي: "الحفاظ على التزاماتنا التعاقدية في دولة قطر هو أمر نحرص عليه ولا نقبل الإخلال به، ولذلك فإننا نتمتع بالثقة الكاملة من شركائنا التجاريين والمشترين العالميين".

إيطاليا وبريطانيا وكوريا الجنوبية
لم يتوقف الإقبال على التعاون مع قطر في مجال الطاقة وعقد اتفاقات لاستيراد الغاز على ألمانيا فقط، بل امتد إلى إيطاليا وبريطانيا وكوريا الجنوبية وغيرها من دول العالم الراغبة في التعاون مع قطر التي تعدّ حالياً أكبر منتج ومصدر في العالم للغاز الطبيعي المسال.

وفي 16 فبراير/ شباط اجتمع الكعبي في الدوحة مع غيرالد غريمستون، وزير الدولة للاستثمار لدي وزارتي التجارة الدولية والطاقة الصناعية في بريطانيا، وجرى خلال الاجتماع استعراض العلاقات الثنائية في مجال الطاقة، وسبل تعزيزها.

وفي 5 مارس/ آذار الجاري زار الدوحة وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، وبحث مع المسؤولين القطريين التعاون بين البلدين بقطاع الطاقة. وفي 20 مارس/ آذار أجرى رئيس الوزراء القطري، وزير الداخلية، الشيخ خالد بن خليفة آل ثاني، في الدوحة، مباحثات مع رئيس الوزراء الكوري كيم بو كيوم، تناولت التعاون في إمدادات الطاقة والصحة والتعليم والزراعة.

وقال كيوم إن قطر أعادت تأكيد التزامها بتوفير إمدادات مستقرة من الغاز الطبيعي المسال إلى كوريا الجنوبية بموجب اتفاقهما طويل الأجل.
ويمثل الإنتاج القطري أكثر من 25% من واردات كوريا الجنوبية من الغاز الطبيعي المسال.

وكانت شركة كوريا للغاز قد وقعت في العام الماضي اتفاقية لتوريد الغاز الطبيعي المسال، ستشتري بموجبها كوريا الجنوبية مليوني طن من الغاز الطبيعي المسال سنوياً من قطر لمدة 20 عاماً بدءاً من عام 2025.

الطلب وإمكانات الدوحة
وحول الزحمة الأوروبية على الدوحة، يقول الباحث في مجال النفط والغاز، نصر أبو نبوت، لـ"العربي الجديد": "حتى نستطيع فهم ما تقوم به ألمانيا وبعض الدول الأوروبية التي تحتاج إلى الطاقة، والتواصل المزدحم والمكثف مع دولة قطر، يجب أن نوضح أن قطر أكبر مصدر للغاز المسال في العالم، أعلنت أنها لا تستطيع تغطية الحاجة الأوروبية من الغاز القطري بسبب العقود الطويلة الأجل المبرمة مع الدول الأخرى، ولكن قطر بنفس الوقت مقبلة على رفع إنتاجيتها من الغاز بنسبة 40% من 77 مليون طن سنوياً حالياً إلى 126 مليون طن بحلول 2027، وبالتالي هذا الأمر يعطيها هامشاً من المناورة لتعويض جزء لا بأس به من الغاز القادم من روسيا في المستقبل.

ويتابع أبو نبوت أن ألمانيا بحاجة إلى وقت من سنتين إلى ثلاث لبناء محطتين على الأقل لزيادة القدرة الاستيعابية لاستقبال الغاز المسال، سواء القادم من أميركا أو الذي سيأتي في المستقبل من دولة قطر.

اقتناص الفرص
في السياق، يرى المحلل الاقتصادي، محمد حمدان، أن بإمكان قطر اقتناص الفرص المتاحة حالياً والتي أفرزتها تداعيات غزو روسيا لأوكرانيا وما ترتب على ذلك من توسيع نطاق العقوبات على روسيا من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وحسب المحلل الاقتصادي تتمثل هذه الفرص بشكل رئيسي في الغاز الطبيعي المسال والنفط، وتعتبر قطر ودول أخرى البديل المحتمل لسداد فجوة نقص الطاقة في السوق الأوروبي، خاصة أن ذلك يتزامن مع ارتفاع أسعار الغاز لمستويات قياسية.

ويقول حمدان إن نتائج زيارة نائب المستشار الألماني إلى الدوحة تعد ضربة بداية لاعتماد الأوروبيين على قطر في تأمين احتياجاتهم من الطاقة، وخاصة الغاز المسال، ومن الواضح أن الشركات الألمانية ستدخل فوراً في ترتيبات مع نظيراتها القطرية في كيفية تصدير الغاز المسال إلى أوروبا.

وبالنظر إلى تزايد زيارات الوفود الأوروبية والأميركية إلى قطر، يقول حمدان لـ"العربي الجديد": "باتت قطر ودول أخرى تشكل بديلاً محتملاً يساهم بشكل فاعل في سدّ فجوة الغاز الروسي، ولكن هذا يعتمد على عاملين؛ الأول زيادة الغاز القطري المطروح في السوق الفوري، وهو لا يتجاوز 15% تقريباً، خاصة أن قطر لديها عقود مع شركاء استراتيجيين آسيويين تحد من قدرتها في تلبية الطلب المتزايد على الطاقة في ظل الأزمة.
والعامل الثاني هو عدم وجود بنية تحتية كافية لمحطات الاستقبال للغاز القطري في أوروبا، كما أن بناء محطات قد يستغرق فترة لا تقل عن عامين، ففي حال معالجة هذين العاملين فإن قطر ستشكل مصدر إمداد آمناً من الطاقة للقارة العجوز.
ويتفق المتحدثان أبو نبوت وحمدان على أن قطر لديها الإمكانات لإعادة توجيه بعض الشحنات للسوق الأوروبي، كما أن بعض عقود قطر طويلة الأجل متوقع أن تنتهي في غضون 3 سنوات، وهذا يتيح لقطر زيادة الحصة الفورية القابلة للبيع مما يعني رفع حصتها الفورية فوق 15%.

المساهمون