زيادة حادة لأسعار الخبز في مصر وسط أزمة الدولار

زيادة حادة لأسعار الخبز في مصر وسط أزمة الدولار

30 اغسطس 2023
تصاعد أسعار السلع الأساسية يفاقم الصعوبات المعيشية لملايين المصريين (روجر أنيس/ Getty)
+ الخط -

رفعت المخابز الخاصة أسعار الخبز في مصر بنسب حادة تراوحت بين 25% و33%، مبررة ذلك بارتفاع أسعار الدقيق (الطحين) المورد إليها، ما يفاقم الأعباء المعيشية لملايين المواطنين، بعدما جرى شطب نحو 40 مليون شخص من بطاقات الدعم في وقت تتصاعد معدلات الفقر بفعل الغلاء المستعر الناجم عن تهاوي العملة الوطنية أمام الدولار.

وصل سعر الرغيف البلدي الصغير، وزن 60 غراما، إلى 1.25 جنيه مقابل جنيه واحد، والمتوسط وزن 90 غراما من 1.5 جنيه إلى جنيهين، والكبير وزن 110 غرامات من 2.5 جنيه إلى 3 جنيهات.

كما لجأت المخابز إلى تصغير رغيف الخبز "الفينو" المخصص لعمل الساندوتشات، للمحافظة على سعر القطعة التي تباع بجنيه واحد، بينما يتقلص حجمه للمرة الرابعة على التوالي خلال العام الحالي.

وفي جولة ميدانية لـ"العربي الجديد" برر أصحاب مخابز خاصة رفع الأسعار، بتعرضهم لموجات متتالية من ارتفاع أثمان الدقيق (الطحين) في الأسواق، حيث زاد طن الدقيق بنحو 2400 جنيه دفعة واحدة، ليصل متوسط سعر التوريد من المطاحن إلى 24600 جنيه للطن (797 دولارا)، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الزيوت والزبدة المستوردة، والسمن المهدرج، بنسب تصل إلى 20%، منتصف أغسطس/آب الجاري، لافتين إلى تلقيهم تحذيرات من الموردين بمزيد من الارتفاعات خلال الأسبوعين القادمين، مع بداية موسم المدارس.

في الجهة المقابلة، يبرر موردو الدقيق زيادة الأسعار بارتفاع أسعار البيع في بورصة القمح المحلية، لتوازي المستويات العالمية، مؤكدين ارتفاع سعر طن القمح من 9750 جنيها للطن إلى 12 ألف جنيه (388.5 دولارا)، ما أثر على زيادة سعر توريد الدقيق والردة (نخالة الدقيق المستخدمة في صناعة الخبز) بنفس المعدلات.

وتأتي زيادة الخبز الخاص، في وقت بدأت وزارة التموين تشغيل "الكارت الموحد" على نطاق تجريبي في مدينة بورسعيد الساحلية شمال مصر، لصرف الخبز المدعوم والسلع الأساسية، تمهيداً لتحويل دعم الخبز العيني إلى دعم نقدي، يصرف عبر منظومة التحول الرقمي للدعم والكروت الموحدة التي ستقدم لحاملها خدمات التموين والتأمين الصحي والمدفوعات الإلكترونية. وتدعم الحكومة 150 رغيف خبز شهرياً للأسرة بحد أقصى 4 أفراد، مع سلع تموينية بقيمة 50 جنيهاً شهرياً.

وقال رئيس شركة مضارب كبرى خاصة غرب القاهرة لـ"العربي الجديد"، إن الزيادة الحالية في أسعار الدقيق تعكس حالة الارتباك التي سيطرت على الأسواق، بسبب قفزات سعر صرف الدولار الذي وصل إلى 41.5 جنيها في المتوسط حالياً مقابل 38 جنيها في يوليو/تموز الماضي، الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على أسعار جميع السلع الأساسية وعلى رأسها القمح والدقيق والردة (نخالة الدقيق) المستخدمة في الخبز أو الأعلاف.

وأوضح رئيس الشركة، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن القطاع الخاص ملزم أمام الحكومة بتدبير النقد الأجنبي لشراء احتياجاته من القمح المستورد أو انتظار المناقصات التي تعرضها هيئة السلع التموينية الحكومية، ويكون الشراء بما يوازي قيمة الطن في السوق الدولية، بما يحمّل المضارب والموزعين أي ارتفاعات بقيمة الدولار أو تكلفة الاستيراد التي تتولاها الجهات الحكومية.

وشدد على أن الحكومة ملزمة بتدبير القمح كسلعة استراتيجية للمواطنين، خاصة بعدما اتجهت إلى تخفيض عدد الأفراد المستفيدين من الخبز المدعوم، حيث شطبت نحو 40 مليون مواطن من قوائم الدعم العيني للخبز على مدار السنوات الأربع الماضية، وأصبح القطاع الخاص هو الجهة الوحيدة المكلفة بتوفير الخبز الحر لملايين المصريين، ممن هم خارج قوائم الدعم.

وتلجأ المضارب الخاصة إلى الحصص المبيعة من هيئة السلع التموينية، رغم ارتفاع تكلفتها عن السائد ببعض الأسواق الدولية، لعدم قدرتها على تدبير العملة الصعبة، من البنوك الرسمية، بينما تضع الحكومة استيراد القمح عبر الجهات الحكومية، على قمة أولوياتها، عند تدبير النقد الأجنبي اللازم للاستيراد من الخارج.

وتعد مصر من أكبر مشتري القمح في العالم، وزادت حدة احتياجاتها، مع ندرة النقد الأجنبي وارتباك سلاسل التوريد مع اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، وعدم قدرة الحكومة على الحصول على تمويل من مؤسسات مالية، لشراء القمح، دفعها إلى شراء القمح المنتج محلياً من شركات إماراتية بالدولار عبر قرض قيمته 500 مليون دولار.

وتصل احتياجات مصر من القمح خلال العام المالي الجاري 2023/2024 إلى 20.5 مليون طن، وفقا لتقديرات مركز المعلومات بمجلس الوزراء بينما يمثل الإنتاج المحلي أقل من 50% من احتياجات البلاد.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وحصلت هيئة السلع التموينية على 3.8 ملايين طن من القمح المحلي المورد من المزارعين، بقيمة 33 مليار جنيه، بزيادة 5 مليارات جنيه عن العام الماضي، بما يدفعها إلى استيراد كميات كبيرة من الأسواق الدولية، لمواجهة احتياجات الدقيق المخصص للخبز المدعوم، وطرح حصص للبيع أمام مضارب القطاع الخاص، التي توفر الدقيق للمخابز الخاصة، ومصانع المعكرونة والبسكويت والحلويات.

وتوقع عبد الغفار السلاموني نائب رئيس غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد" أن تصل كميات القمح المستوردة من الخارج إلى 12 مليون طن، لمواجهة زيادة الاستهلاك المحلي، وتوجه كميات كبيرة من الدقيق ومنتجات المعجنات، التي تشمل المعكرونة والحلوى إلى السودان التي تعطلت بها كافة المضارب وتواجه أزمة نقص حادة في الأغذية الأساسية، مع تصدير المعكرونة إلى جنوب أفريقيا.

وقال السلاموني إن الحكومة اتجهت إلى تنويع مصادر البلاد من القمح، لمواجهة أزمة محتملة من تراجع الواردات من السوق الروسي والأوكراني، حيث ظلت الحكومة تستورد 80% منهما على مدار العقد الماضي، مشيراً إلى استيراد صفقات قمح من فرنسا ورومانيا والولايات المتحدة والأرجنتين.

وعوّلت الحكومة على استيراد صفقات قمح من الهند، مقابل تصدير بضائع مصرية أو دخول الطرف الهندي الضامن لتدبير النقد اللازم لعمليات الشراء من الأسواق الدولية.

بينما أكدت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" فشل تنفيذ الاتفاق المصري الهندي، المتفق عليه منذ شهرين، مع لجوء الحكومة الهندية إلى منع وحظر قيود على تصدير القمح والأرز، للحد من غلاء الحبوب الأساسية بالداخل، مع توقع ارتفاعها خلال الفترة القادمة متأثرة بسوء الأوضاع المناخية وتصاعد الحرب الروسية في أوكرانيا، وضغوط الدولار على الأسواق الدولية.

يأتي سعر القمح في مقدمة السلع التي تتسبب في تصاعد غلاء أسعار السلع الأساسية، وتدفع التضخم بمعدلات غير مسبوقة تاريخياً. وفاقت معدلات زيادة أسعار السلع الأساسية، نحو 96%، خلال الفترة من يوليو/تموز 2022 إلى نفس الشهر من العام الجاري، حيث رصد جهاز التعبئة والإحصاء ارتفاع معدل التضخم السنوي بشكل عام في يوليو/تموز بنسبة 38.2% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

ويتفاقم الوضع مع تهاوي قيمة الجنيه المصري، إذ يتوقع مستثمرون ومحللون انخفاضاً في قيمة العملة الوطنية، مع عدم قدرة الحكومة على تأمين احتياطات كافية من النقد الأجنبي تمكنها من شراء القمح نقداً، لاسيما في ظل عدم التزامها ببرنامج طرح الأصول الحكومية للبيع المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي، بما يمكنها من الحصول على تمويلات مالية جديدة.

ويشير محللون إلى أن الحكومة تركت السوق على حافة الهاوية، حيث يصارع المواطنون التضخم غير المسبوق تاريخياً، في ظل أزمة حادة في النقد الأجنبي، لم تشهدها البلاد، منذ ستينيات القرن الماضي.

وتتوقع وزارة التموين ارتفاع المخصصات السنوية المقررة لاستيراد القمح، مدفوعة بزيادة أسعار القمح عالمياً، منذ يوليو/تموز الماضي، بنحو 8% في البورصات العالمية.

وتنتج وزارة التموين نحو 100 مليار رغيف سنوياً، بمعدل 275 مليون رغيف يومياً، يباع بسعر 5 قروش، للمستفيدين من بطاقة الدعم التمويني، البالغ عددهم 64 مليون شخص من بين 105 ملايين نسمة يمثلون تعداد السكان العام الجاري.

المساهمون