"أحبك أبي": الحياة في حي "الزبالين" في مصر

"أحبك أبي": الحياة في حي "الزبالين" في مصر

18 ديسمبر 2016
يُصوِرالفيلم حياة الطبقة العاملة (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -
بالرغم من كثرة الحديث عن تطوير العشوائيات عبر المنظمات الرسمية والجمعيات الأهلية والهيئات الدولية؛ فإن حياة الفئات المنسية في المجتمع المصري لم تمسّها عصا التغيير إلا مسّاً خفيفاً، ومن مسافة عازلة؛ كأن عصا التطوير المزعومة تخشى أن ينالها الفقر أو تؤذيها الرائحة.
في وسط ما تعانيه مصر حالياً؛ يطلُّ علينا مخرج أميركي شاب برائعة قصيرة حول حياة فئة مسحوقة تحاول أن تصنع لنفسها حلماً. براندن براي، رأى في منشية ناصر بالقرب من القلعة، أو حي الزبالين كما يسميه العامة، وكثير من المسؤولين في مصر، مجالاً خصباً لإلقاء حجر في المياه الراكدة عسى أن يستطيع الإسهام في تغيير أوضاع تلك الفئة المنسية.
فيلم "أحبك أبي" (LOVE, DAD) يصور عبر الصورة والموسيقى التصويرية فقط، نضال الطبقة العاملة المصرية، أو على الأقل شريحة منها، تعيش أسوأ أوضاع معيشية، في أفقر بيئة في قلب القاهرة، داخل مساحة لا تتجاوز الستة كيلومترات مربعة، إذ يعيش فيها أكثر من مليون شخص.
يتتبَّع الفيلم حياة أبٍ مصري يعمل في فرز القمامة وإعادة تدويرها في أحد المصانع البدائية لصهر العبوات المعدنية المجمعة من قمامة القاهرة الكبرى، ثم تحويلها إلى سبائك تُكدَّس وتُبَاع لإعادة تشغيلها مرة أخرى.
في كلّ صباح، يخرجُ الملايين من الفقراء إلى أعمالهم المختلفة أملاً في توفير متطلبات الحياة الأساسية من طعام وملبس وتعليم. تتعالى أصواتهم وهم يتحدّثون عن طموحاتهم في أن يعيش أطفالهم بالتعليم غداً أفضل من حاضرهم المليء بالبؤس.

وسط "حي الزبالين" يعيش الأب، بطل الفيلم، مع ابنته الصغيرة التي ترتدي ملابسها الرثة مثل جميع الأطفال الموجودين بالحي. في الصباح الباكر، يغادر الأب مُتّجهاً نحو المصنع، وتنطلق الفتاة للمدرسة التي أنشأتها منظمات غير حكومية، تحاول حماية الأطفال من التشرد والعمل في فرز القمامة أو إطعام الخنازير في مكبات القمامة، وهما الوظيفتان اللتان تمتصان معظم أطفال المنطقة، وتدمران صحتهم العامة.
يبدو مُؤثّراً مشهد الأب الذي يجلس مع ابنته في مكانٍ متواضع للغاية، فهو مُجرّد حوائط مبنية بالطوب الأحمر بلا أي إضافات على الجدران، وأرضيّة عارية من أي أثاث، باستثناء منضدة طعام شعبية قصيرة "طبلية". يجلس الرجل مع ابنته لتدرس دروسها على ضوء الشموع؛ فوجود الكهرباء وكذلك الماء النظيف والصرف الصحي من أحلام اليقظة، فهي مشروعات عزيزة التنفيذ في هذه المنطقة البائسة التي تنمو فيها الغرف السكنية المبنية عشوائياً، كما ينمو فطر عش الغراب على حد تعبير قاطنيها.
ينجَح الأب في الحفاظ على ابنته بعيداً عن حقل العمل والاستهلاك في أرض ضياع الطفولة، ويستمر رغم ظروفه في دعمها في التعليم حتى تصل الفتاة إلى دراسة الطب بالولايات المتحدة. يعرض الفيلم بطريقة الفلاش باك مشاهد الفتاة في كليتها المرموقة النظيفة، وهي تتذكر مشاهد جلوسها مع أبيها على الطبلية المتهرئة؛ لتستذكر دروسها تحت ضوء ابتسامة أبيها التي يداري بها شقاءه كي يسعد ابنته.
جميلُ الفيلمِ بأنه ينقل صورةً إيجابية لآباء فقراء مطحونين، لم يمنعْهم بؤسُهم من العمل على دفع أطفالهم للمراتب العليا في الخارج بعد أن حرموا منها في الداخل، فالفتاة التي في الفيلم ذهبت لتدرس الطب بالولايات المتحدة ويمكنها أن تصل هناك إلى أعلى المناصب بينما في وطنها الأم لا يمكنها أن تتقلّد شيئاً، فهي في النهاية في نظر النخبة المصرية الحاكمة ابنة زبال.
مدة الفيلم ثلاث دقائق فقط، ويقوم فحسب على الصورة والموسيقى التصويرية، وبدون سيناريو منطوق، وقد قامت بإنتاجه شركة أميركية، وقام بمعاونة، براندن براي، طاقم أميركي بالكامل. أمّا الممثلون المصريون، فكانوا شخصيات غير محترفة في التمثيل، يعيشون بالفعل في منشية ناصر المنطقة التي تم فيها التصوير.

المساهمون