"دوريات إلكترونية" في الأردن تهدد حرية التعبير

"دوريات إلكترونية" في الأردن تهدد حرية التعبير

26 يونيو 2021
"دوريات" على المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -

شكّل إعلان النيابة العامة لمجلس القضاء الأردني، الأربعاء الماضي، عن إطلاق "دوريات إلكترونية" بالتعاون مع وحدة الجرائم الإلكترونية في مديرية الأمن العام لرصد منشورات مواقع التواصل الاجتماعي، محلّ جدلٍ على اعتبار أنّه قيد جديد على حرية التعبير، بعد إجراءات سابقة. 

وقالت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية (بترا) إنّ النيابة العامة بدأت برفع مستوى وآلية التنسيق بينها وبين وحدة الجرائم الإلكترونية في مديرية الأمن العام لتعزيز مكافحة الجرائم الإلكترونية بصورها كافة، مشيرةً إلى أنّ النيابة العامة للمجلس القضائي ممثلةً برئيسها القاضي يوسف ذيابات والنائب العام في عمان ومدَّعي عام عمَّان عقدت مع وحدة الجرائم الإلكترونية في مديرية الأمن العام اجتماعاً تضمن البحث في رفع آلية التَّنسيق بينهما وتعزيز سُبل التعاون لغايات مكافحة الجرائم الإلكترونية بجميع صورها.

وأوضح مدير وحدة الجرائم الإلكترونية أنَّ "الوحدة تقوم بدوريات إلكترونية بشكل دائم على المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، وفي حال الاشتباه بوجود منشور من شأنه أن يشكل جريمة معينة تتم عملية المتابعة الفنية وتنظيم الضبوط اللازمة وتقديم إخبار للنيابة العامة لغايات الملاحقة".

ووفق البيان الرسمي، جرى في الاجتماع وضع أولويات لملاحقة المنشورات التي تشكل جرائم إلكترونية مثل "إثارة النعرات الدينية وخطابات الكراهية والمس بأمن الدولة الداخلي والخارجي والمس بالآداب والأخلاق العامة للمجتمع وذم الهيئات الرسمية والجرائم التي تأخذ طابع الرأي العام والجرائم التي تمس بالاقتصاد الوطني والاستثمار". 

تسبّب الخبر بردود فعلٍ سريعة، أبرزها تستنكر الإجراء وتشير إلى أنّه قيد على التعبير وعلى المنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وكتب يزيد المجالي في تغريدة له: "إذا سمحت يا شب هويتك والباسوورد.. عندك منشور مش حاط عليه حزام الأمان". أما أمير حداد فنشر تغريدة ساخرة جاء فيها: "#عاجل تم القبض على تلفوني وبحوزته 50 جيجا حرية رأي و10جيجا تواصلا اجتماعيا من قبل #دوريات_إلكترونية". 

من جهته، كتب محمد العموش: "دوريات_إلكترونية استمراراً لتكميم الأفواه ومنع الرأي الذي يخالف منظومة الفساد وفي ظل الأنظمة التي تخشى الكلمة وقول الحق والمحاسبة". وكتبت رغد حمايدة: "من يوم وطالع التغريدة المخالفة تعتقل، والرجاء عدم مخالفة حظر حرية التعبير، قصدي حظر التجول... وبس". وتساءل خالد المحامدة في تغريدة له، "شباب شو يعني #دوريات_إلكترونية على المنشورات في السوشال ميديا؟ أنا ما بعرف بهيك قصص معقول قصدهم يراقبوا محتويات منشوراتنا!! أنا تعودت على الديمقراطية والإعلام الحر النزيه، وحرية التعبير سقفها السماء السابعة، آه مهو الصحيح هيك تعودنا".

وفي السياق، قال الخبير في قوانين الإعلام ورئيس لجنة الحريات في نقابة الصحافيين الأردنيين، يحيى شقير، لـ"العربي الجديد" إن "مسألة القيام بدوريات إلكترونية كما أعلنت عنها السلطات لغايات مكافحة الجرائم الإلكترونية بجميع صورها، خطوة إلى الخلف ستضر بترتيب الأردن في مؤشرات حرية التعبير والصحافة، وحرية الإنترنت، والتي هي أصلاً في مراتب متأخرة". 

وصف شقير الخطوة بأنها "محاولة غير موفقة للسيطرة على مضمون ما ينشر على منصات التواصل الاجتماعي والتحكم بالحوار العام، بعدما فقدت وسائل الإعلام التقليدية القديمة، مصداقيتها وجمهورها"، معتبرًا أن ذلك "يدل على صفات الدولة المتدخلة"، أي التي تتدخل في كل صغيرة وكبيرة للسيطرة على ما يحدث من حوار بالمجتمع والتحكم به.

وأشار إلى أنّ تكنولوجيا المعلومات والإنترنت والتواصل الاجتماعي شكّلت فرصة غير مسبوقة للمواطن لكي يصبح صحافياً، ينشر ويبث من دون الرقابة التقليدية التي كانت تقوم بها الحكومات تجاه الصحافة ووسائل الإعلام. وقال: "إنّ مثل هذا القرار لن يكون مؤثرًا كثيرًا على المواطنين، فالمواطن حر ولا يعرف الرقابة الذاتية"، لافتاً إلى وجود أكثر من 10 ملايين مستخدم أردني على مواقع التواصل، مضيفاً: "إذا أرادت الدولة عمل دوريات إلكترونية فيمكنها أن توظف مليون شخص لمتابعة جميع السكان على مواقع التواصل، وهو أمر يأتي في ظل أزمة كورونا والأوضاع الاقتصادية الصعبة في الأردن"، ناصحاً الحكومة "بتوظيف العاطلين عن العمل من الأردنيين والذين تصل نسبتهم الى 25%، بدلاً من الانشغال بمطاردة طواحين الهواء".

ولفت شقير إلى أنّ "هذه محاولة أخرى من الحكومة لتجريم خطاب الكراهية الذي حاولت سابقاً إدخاله في مشروع معدل لقانون الجرائم الإلكترونية، ورده مجلس النواب، وبما أن مجلس النواب رفض التعديلات، فهذه محاولة يائسة من الحكومة لإعادة الكرة مرة أخرى"، متوقعاً لهذه الخطوة الفشل. وقال إنّ "القرار تطرّق إلى إثارة النعرات الدينية وخطابات الكراهية والمس بأمن الدولة الداخلي والخارجي والمس بالآداب والأخلاق العامة للمجتمع، وذم الهيئات الرسمية"، موضحاً أنّ "هذه المبررات لا تتعلق بخصوصية الأفراد، بل تتحدث عن جرائم الخطر على المجتمع"، معتبراً أنّ "الحكومة تبالغ في تقدير حجم الخطر الذي سينتج عن حرية التعبير في وسائل التواصل الاجتماعي، لأنها ترى في هذه الوسائل نصف الكأس الفارغ، ولا تعدو أن تكون تقليدًا لما فشل فيه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب".

وأشار أيضاً إلى أنّ وزراء الإعلام العرب تلقفوا الأسبوع الماضي في القاهرة ما طرحه وزير الإعلام الأردني صخر دودين حول ضبط محتوى منصات التواصل الاجتماعي، وجرت تزكية الأردن لرئاسة لجنة بهذا الخصوص، مضيفاً أن هذا لا يعتبر ميزة بل سيتحمل الأردن وزر أنظمة لا تتحمل حرية التعبير والديمقراطية. 

هذا الخطاب المضاد لحرية التعبير كان واضحاً في تصريحات سابقة لأهم شخصيتين حكوميتين إعلاميتين. ففي 29 مايو/أيار الماضي، قال وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق باسم الحكومة صخر دودين إن هناك حاجة لتنظيم محتوى مواقع التواصل الاجتماعي، معللاً ذلك بالحاجة للحد من الشائعات التي تنتشر عليها. فيما رأى مدير هيئة الإعلام طارق أبو الراغب، منتصف يونيو/حزيران الحالي، ضرورة أن "تقود الصحافة الرسمية منصات التواصل الاجتماعي وليس العكس، في ظل ما وصفه بتعرض الأردن لانتقادات قد تكون ممنهجة عبر منصات التواصل الاجتماعي، لتشويه المشهد ونشر السلبية ومحاولة خلخلة بعض جهات أو مؤسسات الإجماع الوطني". وقال إن المشهد الإعلامي اليوم بحاجة إلى عدم السماح لمنصات التواصل الاجتماعي بخطف الرأي العام باتجاه مغاير لما هو على أرض الواقع. 

يُشار إلى أنّ المادة 15 من الدستور الأردني تنص على أن "تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون، وتكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام ضمن حدود القانون ".

وتراجع الأردن خلال الفترة الأخيرة في مؤشرات تقييم وضع الحريات، فقد حصل على علامة 3.8 من 10 في مؤشر الديمقراطية لعام 2020، والموقع من قبل 118 من بين 167 دولة بينها 164 دولة عضواً في الأمم المتحدة، وفق تقرير وحدة الاستخبارات في مجلة "إيكونومست" التي صنّفت الأردن كنظام سلطوي، على الرغم من وجود برلمان وقضاء وأحزاب ونقابات وانتخابات. 

وفي بداية مارس/ آذار الماضي، دانت المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه تضييق الخناق على حرية التعبير والتجمّع في الأردن، مطالبة الحكومة بالسماح بالعمل النقابي، وفتح المجال أمام حرية التعبير والتجمّع.

وأظهر مؤشر منظمة "فريدوم هاوس" (منظمة غير حكومية مقرها الولايات المتحدة)، في تقريرها السنوي الذي صدر في مارس/ آذار الماضي، تراجع الأردن في سلم الحريات المدنية والحقوق السياسية، ليصبح دولة "غير حرة"، بعدما كان مصنفاً ضمن الدول الحرة جزئياً، على الرغم من أنّ عام 2020، شهد إجراء الانتخابات العامة للبرلمان التاسع عشر في البلاد.

ووفق تقرير أصدرته شركة "هوت سيت" أواخر العام الماضي، فإنّ عدد حسابات الأردنيين على مختلف شبكات التواصل الاجتماعي بلغت نحو 10.9 ملايين حساب.

المساهمون