جعفر عبد الحميد: أخلط الدراما بالكوميديا فالواقع ألم وابتسامة

جعفر عبد الحميد: أخلط الدراما بالكوميديا فالواقع ألم وابتسامة

02 ابريل 2024
جعفر عبد الحميد: أعاين تأقلم المهاجرين مع مجتمعاتهم الجديدة (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- "كال وكامبريدج"، عمل روائي لجعفر عبد الحميد يستكشف الفجوة الثقافية والعاطفية بين المهاجرين العرب وأبنائهم في بريطانيا، مع التركيز على التحديات الهوياتية والعنصرية.
- الفيلم يعبر عن تجارب الجيل الثاني من المهاجرين، معتمداً على دعم الجالية وأداء جماعي يبرز التنوع الثقافي، ويعكس الحياة الاجتماعية للعرب في لندن.
- عبد الحميد يمزج الكوميديا بالمواضيع الجادة، مستخدماً ممثلين من الجالية لإضفاء الأصالة، ويظهر اهتماماً بالمشاركة في المهرجانات لإسهامه في السينما العربية.

"كال وكامبريدج".. ثاني روائي طويل لجعفر عبد الحميد، المخرج العراقي المقيم في لندن، بعد "مسو كافيه" (2009)، انتهى تصويره قبل وقتٍ، علماً أنّ له أفلاماً قصيرة عدّة، منها: "اختبار سياقة" (1991)، و"ساعتا تأخير" (2001)، و"عينان مفتوحتان على اتساعهما" (2005). جديده الأخير تُطلق عروضه التجارية في الأشهر القليلة المقبلة، كما سيُوزَّع على منصّات مختلفة.

عن "كال وكامبريدج" ومسائل أخرى، حاوره "العربي الجديد".

ما موضوع "كال وكامبريدج، وفكرته؟ ما أسلوب تنفيذه الذي اتّبعته؟

يسكن الفيلم في تلك المساحة العاطفية والثقافية، التي تفصل جيل الآباء والأمهات المهاجرين إلى بريطانيا عن بناتهم وأبنائهم، المولودين في المملكة المتحدة. هناك حبّ واحترام مُتبادل بين الجيلين، لكنْ هناك أيضاً حاجة، ربما يُمكن وضعها في خانة الترجمة والشرح، للوصول ليس إلى التعبير عن المشاعر والأفكار، بل إلى إدراك الأسس التي تنطلق منها.

لعامل اللغة الجديدة أيضاً دور، كون الآباء والأمهات يحتاجون غالباً إلى تعلّمها، عند وصولهم إلى بريطانيا، مقابل ولادة أطفالهم في عالمٍ كلّه يتحدث الإنكليزية، فتنحسر لغتهم العربية عن الفضاء العام، وتنحصر في المنزل وبين أفراد العائلة.

كلّ هذا تتضاعف أبعاده عند النظر إلى صراع المهاجرين في التأقلم مع المجتمعات الجديدة التي قدموا إليها، في مسائل السكن والتعليم وفرص العمل. بعد هذا، هناك العنصرية، ووَسْم المهاجرين، بدرجات متفاوتة، بسمة "الآخر"، والحصول على التقبّل من المجتمع. أما الجيل الثاني، المولود في المهجر، فله صراع يتطابق بعض طياته مع تجربة الآباء والأمهات، ويختلف أيضاً. فبسبب وجوده في هذا البلد منذ الولادة، أو منذ سنّ باكرة، تكون علاقته بالمكان والمجتمع مغايرة لتجربة الجيل الأكبر. لكنْ، يبقى الصراع حول الهوية ومحاربة الأفكار النمطية عن المهاجرين والعنصرية والتحيّز.

مختصر القصة: بين العمل في سوبرماركت والده في الحيّ العربي في لندن، ومساعدة أفراد الجالية العربية في الترجمة، ومحاولة الإشراف على عمل خاص به، لا يكاد خليل، المعروف بـ"كال"، أنْ يجد فرصة لالتقاط أنفاسه. كلّ هذا يتغيّر لحظة تعرّفه إلى سارة، المحامية الناجحة، التي تلقّبها الجالية العربية بـ"كامبريدج"، فخراً بتخرّجها في تلك الجامعة العريقة. كلّ شيءٍ كان يُمكن أنْ يكون ربيعاً وجمالاً، لولا خطأ إداري يرتكبه خليل، مُتسبّباً بكارثة مالية لأفراد الجالية العربية.

إضافة إلى خليل وسارة، اللذين تتمحوّر القصة حولهما وسط الجالية العربية في لندن، هناك شخصيات أخرى في الجالية نفسها، ما يفسح المجال لي للاعتماد على الأداء الجماعي. هذا بدوره له أثر في تكوين الأطر في التصوير والزوايا واللقطات الواسعة.

من الجهة المنتجة؟ ماذا عن التمويل الذي أعانك على إنجازه؟

منذ بداية رحلتي مع الإنتاجين السينمائي والتلفزيوني في بريطانيا، قبل ربع قرن، أموّل مشاريعي بمدّخراتي التي أوفّرها من عملي كموظّف في شركات بريطانية مختصّة بالإعلام، من الرصد الصحافي إلى الدعم البرمجيّ لمنصّات رقمية.

هذه الآلية الذاتية في التمويل تغيّرت، بعض الشيء، في المشروعين الأخيرين، القصير "تبولة وفطيرة باي"، والطويل "كال وكامبريدج". في القصير، وفّرت أريج السلطان (منتجة ومخرجة عراقية بريطانية ـ المحرّر) نصف ميزانية المشروع، وقدّمتُ النصف الآخر من الميزانية. في "كال وكامبريدج"، دعم زملائي في الشركة، التي كنتُ أعمل موظّفاً فيها أكثر من 10 سنوات، المشروعَ عبر ما يُسمّى "التمويل الجماعي"، فمنحوه نحو سبعة في المائة، أي أقلّ من عُشر الميزانية. هذا كان، حقيقة، تجربةً جديدة: أنْ يحصل مشروع لي على هذه النسبة، التي ربما تكون غير كبيرة من ناحية المال، لكنّها عظيمة بدفئها الإنساني، وعشق السينما المستقلّة التي (النسبة المئوية ـ المحرّر) عبّرت عنه.

هموم المهاجرين موضوع أفلامك القصيرة السابقة. في هذا الفيلم، تنتقل إلى الجيل الثاني من المهاجرين العراقيين.

فعلاً. كان التركيز في "تبولة وفطيرة باي" على الشخصية العراقية المهاجرة، وكيفية تقاطعت حياتها مع جار إنكليزي متقاعد. قبله، كان هناك الروائي الطويل "مسو كافيه"، الذي جرت أحداثه وسط الجالية العراقية في لندن. "كال وكامبريدج" توسّع في السرد، بتناوله حكايات مركّزة على جيل المهاجرين العراقيين، وجيل المهاجرين العرب عامّة، مع إفساح المجال أمام قصص الجيل الثاني، المولود في المملكة المتّحدة. هذا التوسّع صدى لحياة المرء في لندن، وللفعاليات الثقافية والاجتماعية التي تتّسم بحضور عربي من أنحاء العالم العربي كافة.

وسط مئات اللغات التي تُنطق في لندن، إضافة إلى اللغة الإنكليزية الرسمية، هناك نوعٌ من الألفة التي يشعر بها المرء نحو من ينطق بلغته الأم، بغض النظر عن اللهجة. هذا شعور باختزال شرحٍ كثير، ووجود قواسم ثقافية مشتركة. مثلاً، عندما يجد المرء نفسه يتحاور مع عربيّ آخر، يتعرّف إليه للمرّة الأولى في مقهى عربي، في العاصمة البريطانية.

الحوار في "كال وكامبريدج" و"مسو كافيه" باللغة الإنكليزية. لكنّ المُشاهد يسمع إيقاع اللغة العربية في نبرة الشخصيات ولهجتها. ورغم أنّي وضعتُ تاريخاً خاصاً بكلّ شخصية، يشير إلى البلد العربي الذي قدمت منه إلى بريطانيا، بالكاد يبوح الشريط بذلك، عبر عبارات عربية عدّة تنطق بها شخصيات مختلفة، وتتخلّل الحوار الإنكليزي. أترك للمُشاهد استشفاف البلد العربي الذي تنتمي إليه الشخصية، عند مشاهدته الفيلم.

سينما ودراما
التحديثات الحية

ما سبب ميلك إلى الأفلام ذات الطابع الكوميدي، وإنْ كانت تتناول مواضيع جادّة؟

منذ سِن صغيرة، كان لديّ شغف بالأعمال الكوميدية، خاصة تلك المنتمية إلى السينما الصامتة: تشارلي شابلن وباستر كيتون مثلاً. ثم كانت هناك أعمال العبقري الفرنسي جاك تاتي، وسينما بيلي وايلدر، وصولاً إلى سيناريوهات بيلي فورسايث في بريطانيا، ونورا إيفرون في الولايات المتحدة الأميركية. بعدها، في التسعينيات الماضية، كتابات ريتشارد كيرتيس للسينما، والكوميديا اليابانية، وأوروبا الشرقية بعد سقوط الستار الحديدي.

كلّ هذا خلق عندي ميلاً إلى كتابة الدراما المختلطة بالكوميديا، في محاولة ربما لحمل مرآة أمام الواقع، حيث يختلط الألم مع الابتسامة، والإحباط مع الأمل.

هل استعنت بممثلين محترفين؟ هل هم من الجالية العربية في لندن؟

بالنسبة إلى جيل الأبناء والبنات، الجيل الثاني للجالية العربية، اعتمدت على ممثلين وممثلات ذوي أصول عربية، كوسيم عباس ذي الأصل العراقي، الذي ظهر في "بغداد في خيالي"، وآمبر لطفي، ذات الأصل السوري، وطلال كركوتي السوري الأصل، والكوميدي الناجح، الذي له أداء في حفلة مع الكوميدي العربي باسم يوسف، وياسمين البلوشي، الإماراتية البريطانية، وإيمان بوجلواح الجزائرية.

بالنسبة إلى جيل المهاجرين من الآباء والأمهات، هناك الفنان التشكيلي أمير الخطيب، والناقد السينمائي فيصل عبد الله، والإعلامية والمحلّلة السياسية سلوى القزويني، والفنانة فاتن كركوتي، ومُصمّم المؤثّرات البصرية حارث المبارك، والشاعر والمحلّل السياسي ناجي سلطان الزهيري، والصحافية سالي المبارك، والفنانة شفاء جبر، والفنان التشكيلي عماد الراوي، والفنانة إيمان نجيب.

لم نشاهد لك فيلماً في "مهرجان بغداد للأفلام" الأخير، ولم تكن حاضراً شخصياً.

فرحتُ كثيراً بمتابعة "مهرجان بغداد السينمائي" هذا العام. فبغداد عاصمة ثقافية، تزخر بحضور واسع لعشّاق السينما والنقّاد والكُتّاب المختصين بالفن السابع. هذا مؤكّد. تابعت أنشطته عبر القنوات الإخبارية، وما نشره سينمائيون في مواقع التواصل.

بالنسبة إلى الحضور، حتماً ستكون هناك فرص في المستقبل، وأفتخر بأنْ أشارك في المهرجان بعمل سينمائي، أو مشاركة مساندة له.

المساهمون