صفعة على الوجه

صفعة على الوجه

03 أكتوبر 2016
لن نتعوّد مشاهد الموت (فيسبوك)
+ الخط -
إذا كنت تقرأ هذه الكلمات في الجريدة التي بين يديك فسيكون عليك أن تستعين بخيالك قليلاً، كي تشارك صاحب هذا المقال في ما يريد قوله. أما إذا كنت تقرأه على الموقع الإلكتروني فربما تُغنيك مشاهدة الصورة المرفقة معه عن قراءته من الأساس. فمهما كُتبَ حول هذه الصورة لن يبلغ مستوى الألم الذي يمكن أن تنقله لك. فما تريك إياه عيناك، ويصل إلى قلبك، سيظلّ أقوى وأقسى من كلّ كلام قد يُكتب أو يقال.

مثل صفعة، نزلت الصورة على وجهي عندما فتحت "فيسبوك". الزميلة التي شاركتها لم تملك تعليقاً عليها. ومع أنها عاهدت نفسها، مثل كاتب هذه السطور، على عدم مشاركة صور الضحايا، إلا أنها لم تتمكن من ذلك في حالة هذه الصورة. تماماً، الأمر الذي حدث هنا.

نظنّ أحياناً أننا تعوّدنا مشاهد القتل والموت والدمار في البلاد التي نعيش فيها، فلا تعود تؤثّر فينا. نظن ذلك إلى أن يأتي موقف أو مشهد أو صورة واحدة، لتهزّنا وتعيدنا إلى إنسانيتنا التي تخدّرت بسبب المشاهد المتكرّرة، التي قد نظنّ أننا تعوّدنا عليها أو أن تجنّبنا إياها قد ينقذنا من التفكير فيها ويجعلنا نظنّ أنها ليست موجودة.

الصورة صورة حرب. قد تكون من سورية أو من اليمن أو من العراق. هذا ليس مهماً. فصورة الموت واحدة وإن تغيّرت الأمكنة. يقول متداولوها إنها من الحرب السورية، من حلب تحديداً. هي صورة لقدم عارية لطفل، دون الرابعة أو الخامسة على الأرجح، ترتفع وحيدةً وسط كومة من الركام والحجارة. لم يظهر من الطفل، الذي لم نعرف له اسماً أو وجهاً وقتل إثر تفجير مهول بحسب ما هو واضح، إلا قدمه التي بقيت ظاهرة بين الأنقاض. قدم منتصبة بين الحجارة، شاهدة على ما حدث، تشير إلى صاحبها الصغير الذي دفن مظلوماً وسط الركام.

أذكر أنه عندما كنا طلاباً في كلية الإعلام، قبل سنوات طويلة، كانت هناك مادة من بين المواد التي ندرسها اسمها سيميائية الصورة. كان الأستاذ المحاضر يختار مجموعة من الصور، من دون مناسبات محددة، يضعها أمام الطلاب من أجل أن يحلّلوا محتواها والعناصر الموجودة فيها. كان بعض هذه الصور حمّال أوجه، وكان كل طالب قادرا على قراءته بطريقة مختلفة. لكن بعض هذه الصور لم يكن يحمل تأويلاً. كان واضحاً، ومباشراً، وأحياناً صادماً، مثل صورة قدم الطفل التي انتصبت وسط الركام.

السطور السالفة كان لا بدّ منها لسببين؛ الأول محاولة التحرّر من الألم الذي سبّبته الصورة. والثاني طرد شعور الذنب المرتبط بها كلما عادت إلى البال.

فعذراً على عجزنا يا صاحب القدم الصغيرة.

المساهمون