نفايات غزة تتحول إلى "إسمنت"

نفايات غزة تتحول إلى "إسمنت"

06 يناير 2016
مشروع لأربع طالبات في الهندسة المدنية (محمد الحجار)
+ الخط -

حلم صغير لأربع فتيات فلسطينيات من غزة، تحول إلى مشروع كبير. الطالبات الأربع يدرسن الهندسة المدنية في الجامعة الإسلامية في غزة. ويقوم مشروعهن على إنتاج مادة أشبه بالإسمنت يمكن استخدامها في مشاريع البناء والمنشآت المختلفة. الأغرب أنّ المادة المعالجة منتجة من النفايات.
مضى على المشروع نحو عام كامل قبل أن يتحول إلى حقيقة يمكن تطبيقها في غزة. ففي الشهور الستة الأولى أجرت الطالبات أبحاثاً مكثفة، إلى أن توصلن إلى إمكانية التطبيق، لتكون الأشهر التالية عملية ميدانية.

وجدت الطالبات اللواتي يتهيأن للتخرج هديل أبو عابد (22 عاماً) وعائشة محمد أبو خطاب (22 عاماً)، ودعاء ماجد صيام (21 عاماً) ودعاء أيمن الحليمي (21 عاماً) في هذه الفكرة خدمة اجتماعية يحتاج إليها أهل القطاع. كذلك، هي خدمة بيئية تساهم في التخلص من الأطنان الشهرية من النفايات العضوية والصلبة وتأثيراتها السلبية.

تقول أبو عابد لـ"العربي الجديد": "في ظل الواقع البيئي الذي يعيشه قطاع غزة، المتمثل في انتشار مكبات النفايات على الشريط الحدودي، والأزمة الاقتصادية التي يفرضها الاحتلال، وجدنا أنّ حرق النفايات قد يفيد في استخراج مادة تساهم في التحسين الاقتصادي والاجتماعي".
والفكرة تلخصت في دراسة خصائص المواد التي نتجت عن حرق النفايات، وبحث إمكانيات استخدامها، في ظل إنتاج غزة طناً من النفايات يومياً. وخلال عملية البحث الموسع، وجدت الفتيات أنّ الدول المتقدمة تستخدم مخرجات النفايات الصلبة، مثل سنغافورة، التي تستخدمها بنسبة 99 في المائة في إنتاج الإسفلت والغاز والكهرباء، وهي تساعد في اقتصاد البلاد.

تشير أبو خطاب بدورها، إلى أنّ التوجه الأول للفريق كان استخدام تلك المواد الناتجة عن النفايات كبديل للرمل في البناء، لكنّهن لاحظن أنّ المادة أشبه بالإسمنت، فقررن حينها أن يبدلن المشروع إلى إنتاج مادة بديلة للإسمنت.
تقول أبو خطاب: "أجرينا العديد من التجارب لإنتاج مادة البناء النهائية. خلطنا مواد الخرسانة التقليدية بكاملها وحصلنا على مادة بناء جيدة. تبين لنا بعد ذلك أنّ بإمكاننا استبدال نسبة 30 في المائة من الإسمنت بالمادة التي حصلنا عليها من النفايات، وبذلك أطلقنا على مشروعنا اسم: بيئة نظيفة وإسمنت فعال".

وقفت عدة معوقات في طريق مشروع الفتيات، أبرزها كان عدم وجود الفرن الحارق. فخلال حرقهن كمية صغيرة، حدث حريق كاد يسبب لهن الأذى، وتكرر الحريق مرة أخرى في الفرن، إلى أن استطعن حرق أول عينة.

وبالرغم من توجههن إلى العديد من الأماكن للحصول على فرن يفيد مشروعهن، إلا أنّهن لم يحصلن إلا على أفران عادية، بحسب الإمكانيات المتاحة، مع العلم أنّهن يحتجن إلى فرن يعمل بنظام السيطرة، ويضم حرارة عالية تزيد على 1000 درجة مئوية، لتسهيل عملية الحرق بشكل أكبر، كي يحصلن بعد فترة قصيرة على كميات كبيرة تغطي الحاجة.

تتحدث صيام عن فوائد المشروع البيئية خصوصاً بالنسبة للقطاع الواقع تحت الحصار: "يفيد هذا المشروع بشكل أساسي البيئة في قطاع غزة. وباستخدام النفايات بشكل متواصل، ستساهم في تعزيز صمود مكونات التربة، ومنع تسريبات النفايات إلى المياه الجوفية. وبذلك، نعالج مشكلة بيئية تتعلق بالمياه والتربة، بالإضافة إلى إنتاجنا مواد البناء المفيدة بدورها".
ما يميز مشروع الطالبات أنّه الأول في قطاع غزة الذي يخصّ قضية النفايات المتراكمة التي ساهمت في انتشار الكثير من الأمراض في عدة مناطق سكنية حدودية وباتت تهدد البنية التحتية للتربة.

واجهن في بداية المشروع استهجانا، خصوصاً أنّ فكرة الخوض في تجارب خاصة بالنفايات غير مقبولة لدى كثيرين. وهي تجارب لم يخض فيها المختصون البيئيون نظراً لعدم امتلاكهم الإمكانيات اللازمة.

بالنسبة للمجتمع الغزي يعتبر الأمر غريباً. وقد لاحظت الطالبات ذلك بالفعل خلال المشروع. تقول العضوة الرابعة في الفريق، دعاء الحليمي: "لم تؤثر فينا محاولات إحباطنا، بل ازددنا شغفاً في خوض هذا المجال، بالرغم من أنّ المختصين اعتبروه صعباً علينا، لكنّهم اقتنعوا بالفكرة وبالمشروع بعدما ظهرت النتائج".
بعد تطبيق المشروع ونجاحه داخل مختبرات الجامعة الإسلامية في غزة، تتمنى مجموعة الطالبات وهن في طريقهن إلى التخرج، عدم الاكتفاء بالفكرة فقط وتنفيذها كمشروع جامعي فحسب، بل يسعين إلى تطبيقه على نطاق أوسع بما يخدم القطاع وأهله بطرق مختلفة.

اقرأ أيضاً: غزيون في ثلاجة البيوت المؤقتة