خان نابلس

خان نابلس

14 مارس 2015
يتمتع الخان بمكانة مميزة لدى أهل نابلس والسيّاح(إسراء غوارني)
+ الخط -
في وسط مدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة، يقع خان التجار القديم أو ما يتعارف عليه محلياً بـ "الخان". على الرغم من تعدّد الأسواق الحديثة، يُعدّ هذا الخان الذي يعود إلى زمن الحكم العثماني في فلسطين، الوجهة الاقتصاديّة الأولى لسكان المنطقة. فهو يتمتع بمكانة مميزة لدى ناسها، كذلك لا يفوّته أي زائر لنابلس سواء أكان عربياً أو أجنبياً.

منذ بنائه في عام 1563، يمثّل خان التجار القديم المركز التجاري الرئيس للمدينة. وكان الوزير العثماني لالا مصطفى باشا قد بناه بمثل طراز سوق الحميدية في مدينة دمشق. ووفقاً لما كتبه المفكر محمد عزة دروزة نقلاً عن ميري ميري روجرز شقيقة القنصل البريطاني في حيفا أواخر عام 1850، فإن هذا السوق كان أفخر سوق للأقمشة في فلسطين.

عصام الشخشير هو صاحب أحد محلات السكاكر والحلويات في الخان. يقول إنه وعلى الرغم من انتشار المحلات الحديثة، يبقى خان التجار في البلدة القديمة الوجهة الاقتصادية الأولى لسكان نابلس أو القرى المجاورة الذين يقصدون المدينة للعمل ولإنجاز أمورهم. يضيف أن "للوضع الاقتصادي دوراً كبيراً جداً في توجّه الناس إليه للتسوق. فأسعاره تنافس أي أسعار في الأسواق الأخرى. والأسعار المنخفضة لا تعني رداءة البضاعة، وهذا ما يلاحظه المتسوقون الذين يعودون مراراً وتكراراً".

لكن الشخشير يلفت إلى أن "تراجع الوضع الاقتصادي بشكل عام أخيراً بسبب وقف تحويل عائدات الضرائب وعدم تمكن الحكومة الفلسطينيّة في رام الله من دفع رواتب الموظفين، لم يعد يسمح للمواطن بالإنفاق كما في السابق. واليوم، بالكاد يقصد محلي بعض الزبائن. فالسكاكر والحلويات تعتبر من الكماليات التي استثناها المواطن من حياته".

إلى ذلك، ساهم إغلاق الطرقات في خلال انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000 إلى حد كبير، في تراجع الوضع الاقتصادي لتجّار الخان. فأصبح البيع يقتصر على سكان المدينة والموجودين فيها باستمرار. فمحلات عديدة فتحت أبوابها في القرى، بعكس ما كان عليه الوضع سابقاً.

الحاج محمد الزربا أو "أبو العبد"، قضى معظم محطات حياته في الخان يعمل في تصليح بوابير الكاز. يتحدّث الرجل الذي يتجاوز العقد الثامن من عمره، عن تاريخ الخان وذكرياته فيه. يقول: "تزوجت عندما كنت أبلغ من العمر 17 عاماً. كان الخان في ذلك الوقت مركزا للحياة الاجتماعية والاقتصادية. وكانت عادات أهالي نابلس في الأفراح تقتضي الاتفاق مع شخص يجوب الخان ويقرع الطبل لدعوة الناس إلى حمام العريس ومن ثم إلى حفل الزفاف".

وحول مهنته التي ما زال متمسكاً بها، يخبر هذا السمكري أنه يصرّ على فتح محله يومياً، على الرغم من ضعف إقبال الناس. ويقول: "اليوم، لا أحد يستخدم بابور الكاز. الجميع يستخدم الغاز والوسائل الحديثة، والبابور لا نجده إلا في المتاحف ومحلات بيع الأدوات القديمة. لكنني وحفاظاً على تاريخ مهنتي التي ورثتها عن والدي، فضلت إبقاء هذا المحل مفتوحاً. لا يمكنني أن أتخيّل الخان من دون سمكري".

في الخان، كان عنان عبد اللطيف يشتري بعض حاجيات منزله. وعند سؤاله عن سبب توجّهه إلى هذا المكان تحديداً على الرغم من كثرة المجمعات التجارية الحديثة، يجيب أن "ثمّة فرقاً بين الأسعار. أحياناً يكون الفرق في السعر بين الخان وغيره من الأسواق كبيراً، وأحياناً يكون بسيطاً. لكنني كموظف ورب أسرة، فإن توفير أي مبلغ مالي مهما كان بسيطاً، يحدث فرقاً بالنسبة إلي".

فريال أبو صالحة أيضاً من مرتادي الخان. تقول: "أنا ربة منزل وأبحث دائماً عن أفضل الأسعار وأكثرها توافقاً مع وضعنا المادي. وفي ظل الأزمات الاقتصادية الحالية، أبحث عن السلعة الجيدة والرخيصة في الوقت ذاته".