مفكرة المترجم: مع أيمن حسن

مفكرة المترجم: مع أيمن حسن

23 ديسمبر 2018
(أيمن حسن في مدينة الحمّامات التونسية، صيف 2018)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات العالمية المختلفة اليوم.


■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟ وما أول كتاب ترجمته وكيف جرى تلقّيه؟
- هي حكاية حب، نعم حب، بيني مع الفرنسية من جهة، وهي حكاية طويلة يطول شرحها، ومع رغبة منّي في الرجوع إلى النبع عبر الترجمة، إذ وجدتُني أترجِم بطريقة طبيعية من العربية إلى الفرنسية، ثم فُرض عليَّ نوع آخر من الحب ترجمةَ نصوص من لغتي الأخرى، أي الفرنسية، إلى لغة أمّي، أي العربية. هل تبدو الأمور معقّدة؟ لا أعتقد. هو الحب بما يحمله من مشاكل، مع العلم أن الترجمة كفعل حركة مليئة بالمصاعب والتعقيدات.


■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
- أنا الآن بصدد ترجمة الشاعر التونسي فتحي النصري، وهو كاتب وجامعي مرموق جدّاً تربطني به وبنجله فرات - وهو ابني كذلك لأنه من تلاميذي المرموقين في "دار المعلّمين العليا بتونس - صلة محبة وصداقة واحترام. سيصدُر الكتاب بداية السنة القادمة عن "منشورات معهد تونس للترجمة". كما أنني سأشرع قريباً جدّاً في ترجمة ديوان ثالث للشاعر السوري نوري الجرّاح. هذا العمل سيكون مفصليّاً لأنه سيعطي للشاعر، ولي كمترجِم، معنى حقيقياً كبيراً في الفضاء الفرنسي والفرنكوفوني، لأن الأعمال أفعال، وبعد ترجمتي "قارب إلى لسبوس" سنة 2016 و"يأس نوح" سنةً بعدها، ثم قصائد متفرّقة صدرت في كتب جماعية ومجلّات مرموقة، يجب الآن الذهاب قُدُماً عبر كتاب ثالث لنوري الجراح يعبّر عن مكانته كشاعر أعتبره من أفضل الشعراء المعاصرين.


■ ما العقبات التي تواجهك كمترجم من اللغة العربية؟
- الحماقة العربية والغيرة هي أوّل عائق لي في عملي كمترجم. البقية، أي المسائل التقنية من لغة وشعرية وفن، كلّها متوفرة. تعلّمتُ من أصدقائي الكبار، أمثال إيف بونفوا وفيليب جاكوتي وبرنار نويل وصلاح ستيتية وأدونيس - والجميع يعلمون أنه تجمعني بهم رغم صغر سنّي علاقة صداقة ومحبّة ومراسلات لا تُحصى ولا تُعد - أن العمل هو الحل. لكن للأسف لنا، كعرب، أعداء كثر أوّلهم عرب مثلنا يحاربوننا ويسفكون دماءنا لدى دور النشر الغربية. لا داعي لذكر الأسماء، لكن أتمنّى أن يتعرّف بعضهم على مساوئهم من خلال كلامي هذا.


■ نلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معيّنَين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظر إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
- والله، لو كنتُ ناشراً غربياً نافذاً، لما نظرتُ إلى ما يفعله العرب، ولكنتُ اقتصرت على بحث خاص وفردي لما يمكن للحضارة العربية الإسلامية أن تضيفه لي. هذه حرية فكرية ونشاط أدبي وعلمي لا يقتصر عليَّ كمتقبّل، بل كباث لشيء سأقدّمه لمواطني كسلعة أو بضاعة من شأنها أن تكون مفصلية في تاريخنا وحياتنا كشعوب. أتمنى أن أكون واضحاً: لسنا من نقترح على الآخرين ترجمة كتاب الملك أو قصائد الأميرة أو أكاذيب زوجة الرئيس المخلوع، لا، على المتقبّل الأجنبي أن يختار بنفسه، وهنا تكمن الإشكالية الحقيقية: ما الذي بوسعنا تقديمه للعالم اليوم؟


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- خضتُ تجارب متعدّدة منها التي فرضتُ فيها كلَّ شيء ووقع احترام اختياراتي وحتى شيء من "ديكتاتوريتي" الأدبية كمترجم ومدير سلسلة، ومنها التي طُلب منّي ترجمة الكتاب ثم بعدها طُلب مني المشاركة في شيء مثل اللجنة أو "اللجنة" على طريقة صنع الله إبراهيم، كي يُسمح لي بترجمة الكتاب، لأن الشفافية المؤسّساتية تفرض ذلك، ومنها التي قمتُ بكل شيء من اختيار للنص وحصول على الحقوق والعثور على ناشر، ومنها أخيراً تلك التي لا أفعل فيها سوى الترجمة وقد جرى التكفُّل بكل شيء من حقوق ونشر ومتابعة.


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- طبعاً، كل شيء عندي أو معي سياسة، كيف لا وأنا أعيش وأتصرّف وأكتب وأدرّس كشاعر وكاتب وجامعي ومترجِم ملتزِم. قلتُها وأعيدها، ليس من التناقض أن أترجم لأدونيس ولنوري الجراح في الوقت نفسه. يريد بعضهم أن يجعل بين الرجلَين كرهاً وعداوة وطائفية. لا أرى شيئاً من هذا. أعرف الرجلين وأكثر قليلاً. ما يهمّني هو الشعر ولا أرى عند أدونيس تنكّراً للثورة ولمبادئها السامية، وعند الثاني ركوباً عليها. هذه قراءتي واختياراتي مثلاً. لكن، على الجميع أن يعلموا أني لن أترجم للأثرياء من الساسة والأمراء وغيرهم من المتملّقين. يتّصل بي باستمرار أناس من بلدان عربية أو من القاطنين في بلدان أجنبية طالبين مني أن أترجم لهم، لكني أرفض العمل من أجلهم بشكل قاطع، وعوضاً عن ذلك، أترجم بكل حب وسخاء نصوصاً تروق لي أو أقع في حبّها.


■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
- تتحوّل العلاقة إلى أخوّة أو صداقة. حصل أن انقطعت العلاقة، كي لا أقول أننا "تشاجرنا"، لكني لست المذنب. العالم الأدبي مليء بالتعقيدات وأرفض الإملاءات والضغوط وخاصة الدغمائية.


■ كثيراً ما يكون المترجِم كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجِم في داخلك؟
- أنا بالأساس شاعر وهي صفة مشحونة بالمعاني، أوّلها بالنسبة إليّ الدقّة والصرامة. ما يُهمُّني قبل كل شيء أن يكون النص المترجَم فرنسياً لا نصاً عربياً مترجَماً إلى الفرنسية. ليست هي بالخيانة وليست بالنقل إلى لغة أخرى، هو النص ذاته بكامله في لغة أخرى، فعل عبقري كالنص ذاته، وهو كذلك من نص إلى آخر ترجمة فأخرى، فهذه النصوص ليست لي ولا يجب أن تُقرأ عبري أو بي أو من خلالي. هذا هو فعل الترجمة: خلطة عجيبة لا تمثّل إلّا إبداعاً عن الإبداع.


■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
- أذُني دليلي وحبّي للفرنسية نبع قريحتي وقراءتي الموسيقية. يتحدّث بعضهم عن عبقرية اللغة، لكني مثل صديقي القديم ريشار ميي، أحب عبارة "الإحساس باللغة"، وهو أسمى عبارات الحب والإبداع اللغوي والشعري والموسيقي.


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
- هو نص أعجبني وأحببته وعشته وعملت عليه يومياً من أجل موضوعه وطموحه وكل شيء، لكن أجمع كل من قرأه من خبراء وناشرين محترفين، أن لا مستقبل له بالفرنسية أي عند القارئ الفرنسي، يعني أن الموضوع والقصّة ربما قوية، لكن الكتابة غير مهيكلة وعلاج الموضوع تنقصه الدقة والموضوعية. رفضت كلّ دور النشر هذه الرواية، ما أثار جنون الكاتب، بل تعقّدت الأمور بسبب "ميغالومانيا" صاحبه الذي طلب مني في إحدى الصباحات نصّاً لتقديم عمله لنشره عبر "أمازون" والإنترنت. لم أرفض حبّاً في النص وفسرتُ الأمور، أي صعوبة العمل، جانبه السينماتوغرافي الذي يجعله جد صعب روائياً، والجوانب الأيديولوجية الأخرى التي للأسف تجعل منه نصّاً "معادياً للسامية"، كما يقول بعضهم، ومطبّعاً عند آخرين. كتبتُ كل ذلك بوضوح وبيداغوجية كبيرة، ووصلت بي الجرأة أني طلبت من صديقين اثنين، كاتبة فرنسية مشهورة جداً، وجامعي تونسي أكثر من ألمعي، كي يصاحبوا النص بمقدّمة وتتمّة، لكن ما راعني هو أن الكاتب صار يملي عليَّ كلمات وفقرات ومواقف يريد أن يقرأها الناس عن نصه وكأني بوقه أو خادمه، وهي حقّاً "إنشائيات". وكان لاستعمالي لهذه العبارة الأخيرة وقعاً كبيراً ممّا تسبّب في القطيعة بيننا.


■ ما الذي تتمنّاه للترجمة من اللغة العربية وما هو حلمك كمترجِم؟
- حُلمي كمترجِم بسيطٌ جدّاً: أن تكون لي سلسلة أو - لمَ لا - دار نشر بأتم معنى الكلمة في فرنسا كي أفعل ما أشاء، وستكون النتائج واضحة وجلية من إنتاج وجوائز وتراث كامل. أطمح إلى ترجمة ديوان عنترة بن شداد كاملاً للفرنسية. سبق أن ترجمتُ له أبيات وقصائد أدرجتها في نصوص لي، لكن الديوان طموحي وسيتحقّق هذا الطموح.


■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي، ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟
- إن انقرضَ العرب اليوم، لما بكاهُم أو رثاهم أحد. أعتقد ذلك وأرى أننا في غياب إنتاجاتنا العلمية والفنية نمثّل منذ سنوات خطراً داهماً على أنفسنا وعلى العالم. لا فائدة من التذكير بما يحدث بيننا كعرب ومسلمين منذ دهور وما صدّرناه من كوارث للعالم منذ فترة وجيزة، أي منذ أن قرّرنا تحويل الربيع إلى شتاء. لا فائدة إذن. المهمّ أن لنا بعض الأبيات والجمل والقصائد والفقرات والمعلّقات والمقامات وغيرها من الأشياء الجميلة التي ستبقى. هذا هو. في الخلاصة، لو نربّي بناتنا وأولادنا على هذا القليل، لصرنا فعلاً ما يجب أن نكون: مواطنين وشعوباً وحضارة.


بطاقة
وُلد أيمن حسن عام 1981 بحمّام سوسة في تونس، وهو شاعر يكتب باللغة الفرنسية وناقد أدبي ومترجم وأستاذ جامعي.

من بين مجموعاته الشعرية وكتبه السردية والفكرية: "على راحة يدي" 2003، "شظايا النّجوم - اكتشاف الرّجل الأعوج" (2006)، "أبجديّة السّاعة الزرقاء" مع مقدمة لإيف لوكلير وتتمّة لبيار ڨاريڨ (2007)، "اليأس الجذل لدى سيوران" (2007)، "إيريبونغ" ("سموّ" بالألمانية) مع صور فوتوغرافيّة ليان توماشفسكي، (2008)، "الصّمت العمى" مع مقدّمة للشّاعر برنار نُوال (2009)، "طفولات تونسيّة" (2010)، "حضوريًّا. شذرات الدّيجا فو" (2010)، "الكذبة العظيمة" 2011.

ترجم نصوصًا من العربيّة إلى الفرنسيّة والعكس بالعكس. من بين الأعمال التي نقلها إلى العربية "لحظة موتي" لموريس بلانشو، وهو بصدد تحضير ترجمة عربية لـ"أسطورة الإنسان" لأرمال فارن و"غائب عن بغداد" لجون كلود بِيروت.

أما ترجماته إلى الفرنسية: فمن آخرها: "قارب إلى لسبوس" للشاعر السوري نوري الجرّاح (2016)، و"كونشيرتو القدس" للشاعر السوري أدونيس (2016)، و"شحرور المدينة المعتقَلة" مختارات من قصائد الشّاعر المنصف المزغنّي (2014)، و"ما أكثر ما أعطى، ما أقلّ ما أخذت" مختارات من الشاعر التونسي محمد الغُزّي (2009).

آخر إصدارات أيمن حسن كان رواية تحت عنوان "المأزق أو فنّ الحب التونسي" وهي بمثابة لقاء جديد بين معلّم وتلميذه، كانت فرّقتهما الثورة. لقاء يبدو ضارباً في التعقيد لأنّ السيد يبدو متورطاً في قضية اختفاء امرأة. وسط الفوضى السياسية، قصة حب تختم مصير رجل ومصير جيل عدة صفحات من تاريخ بلد بأسره ‒ كلّها مدفوعة إلى "مأزق".

دلالات

المساهمون