امحمد بوستة... موحِّد حزب الاستقلال المغربي لم يتعب بعد

امحمد بوستة... موحِّد حزب الاستقلال المغربي لم يتعب بعد

16 سبتمبر 2016
بوستة (في الوسط) عراب المصالحة في حزب الاستقلال(العربي الجديد)
+ الخط -
يستغرق وقتاً كافياً في التأمل. يتمعن بالسؤال جيداً قبل أن يجيب بلهجته المراكشية المعروفة بالمغرب. لم يسجل عليه يوماً أنه أخطأ في التعبير، أو في التقدير. كثيرون باتوا يلقبونه بحكيم السياسة في المغرب، أو "الحكيم الصامت" لما عُرف عنه من حكمة وتريث. إنه امحمد بوستة، الزعيم السياسي المغربي الذي ولد في مدينة مراكش سنة 1925. استطاع أن يحظى بسمعة سياسية ناصعة خلال مساره السياسي والحزبي، سواء حين كان وزيراً للخارجية في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، أو حين أصبح الأمين العام لحزب الاستقلال العريق.

وكما بلغ الزعيم في الاتحاد الاشتراكي، عبد الرحمن اليوسفي، مكانةً محترمةً، وتميز خصوصاً خلال تجربة "حكومة التناوب" في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، بين 1998 و2002، راكم بوستة رأسمالاً اجتماعياً من التقدير السياسي يشهد له به خصومه قبل أصدقائه.

وواجه بوستة، الذي درس القانون والفلسفة في جامعة السوربون الفرنسية، قبل أن يعمل محامياً، وزير الداخلية القوي الراحل إدريس البصري، أيام الملك الحسن الثاني، بكثير من الحزم والصرامة. ولم يُعْرف عنه يوماً أنه خضع لأوامر البصري السلطوية التي كان الكثير من السياسيين والأحزاب يخنعون لها من أجل التقرب من السلطة.

ومواجهة "الحكيم الصامت" للبصري وصلت إلى أوجها حين رفض طلب الملك الحسن الثاني بتشكيل حكومة لإنقاذ المغرب من "السكتة القلبية"، وعزا رفضه إلى "إفساد وزارة الداخلية للحياة السياسية وتزويرها للانتخابات". يذكر أن البصري توفي في 27 أغسطس/آب 2007، بمنفاه الاختياري في باريس، بعدما تم إبعاده من طرف الملك محمد السادس، وذلك خلال مرحلة توتر العلاقة بين الحكومة والمعارضة.

وعلى الرغم من أن الصمت هو السمة التي تغلب على بوستة، إلا أن هذا الزعيم السياسي، الذي ينطلق من خلفية قانونية متينة، لم يكن يلتزم الصمت عندما يشعر بأن الخطر يدهم الديمقراطية التي يحاول المغرب الانتقال إليها. ولم يكن يتردد في انتقاد تحول وزارة الداخلية في عهد البصري إلى "غول سياسي لا يبقي ولا يذر".


وعمل بوستة وزيراً للوظيفة العمومية عام 1961، ووزيراً للخارجية بعد ذلك، قبل أن يقدم استقالته من منصبه سنة 1963، ليعود إلى منصبه في الفترة التي تراوحت بين 1977 و1983. وعين بعد 17 عاماً رئيساً للجنة الملكية لإصلاح مدونة الأسرة. وهو المنصب الذي ظهرت فيه "حكمته السياسية" بعدما قام بالتوفيق بين تيارين متنافرين تماماً، تيار إسلامي محافظ وآخر حداثي.

وظهرت حكمة بوستة، الذي يُحسب له أنه كسر هيمنة ذوي الأصول الفاسية (نسبة إلى مدينة فاس المغربية) على حزب الاستقلال، بعدما خلف زعيم الحزب ومؤسسه، الراحل علال الفاسي. فهو نجح بأن ينسج "خيطاً أبيض" بين قيادة الحزب الحالية وتيار سمى نفسه "بلا هوادة"، وطالب بعدها برحيل الأمين العام للحزب، حميد شباط.

واستطاع بوستة نزع فتيل الصراع داخل حزب الاستقلال، الذي انسحب من التشكيلة الأولى لحكومة عبد الإله بن كيران (رئيس مجلس الوزراء المغربي منذ عام 2011)، ليصطف في خندق المعارضة، ثم عاد إلى "التودد" للحكومة بصيغتها الحالية. ودفع بوستة الغاضبين والمحتجين إلى "المصالحة" مع قيادة الحزب. ودعا الجميع إلى تناسي الماضي والانكباب على المستقبل، لا سيما في أفق الانتخابات التشريعية المقبلة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2016.

ولخص بوستة المصالحة التي أرساها داخل حزب الاستقلال بقوله إن "التوجه نحو المستقبل يستوجب التخلي عن اللغة التي تعمق الجراح". وأضاف أن أحداً غير معصوم من الأخطاء بمن فيهم هو، لما كان الأمين العام للحزب، ولكنه صبر على الشتائم التي وجهت إليه من طرف بعض الناقمين، ليصل بسفينة الحزب والبلاد إلى بر الأمان.