ما بعد استفتاء كردستان: تحركات عراقية إيرانية تركية لإجهاضه

ما بعد استفتاء كردستان: تحركات عراقية إيرانية تركية لإجهاضه

27 سبتمبر 2017
قوات التدخل السريع العراقية تراقب احتفالات أكراد كركوك(كريس مكغراث/Getty)
+ الخط -
بعد سير إقليم كردستان بإجراء الاستفتاء على الانفصال عن العراق، متحدّياً كل التحذيرات، تتصاعد الإجراءات العقابية ضد الإقليم لمنعه من القيام بأي إجراء عملي لتطبيق نتائج الاستفتاء، أو تحدي إرادة بغداد في فرض سلطتها على المناطق المتنازع عليها، في ظل تنسيق كبير بين العراق وإيران وتركيا في هذا الملف، وتواصل التحذيرات من صراعات جديدة قد تواجهها المنطقة جراء هذا الملف. مقابل ذلك، تبرز مؤشرات إلى ميل أربيل للتهدئة وعدم اتخاذ أي خطوات تصعيدية على الأرض، على الرغم من تأكيدها أنها حاضرة لأي طارئ.

وكشف مسؤولون عراقيون في بغداد أمس الثلاثاء، أن تنسيقاً عالي المستوى جرى خلال الساعات التي أعقبت عملية الاستفتاء على الانفصال، وتضمّن إجراءات سياسية واقتصادية مختلفة سيتم الإعلان عنها لاحقاً. وأوضح مسؤول عراقي بارز في بغداد لـ"العربي الجديد"، أن التنسيق يشمل مجالات عدة، أبرزها النفط المصدّر من حقول كردستان عبر ميناء جيهان التركي، والذي يعتمد عليه الإقليم حالياً في وارداته المالية بشكل رئيس. كما سيتم الإعلان عن خطوات "عقابية" أخرى ضد كردستان حزمة واحدة في حال صعّد الإقليم من موقفه وأصر على اعتماد نتائج هذا الاستفتاء وقام بأي إجراء عملي أو عرقل فرض بغداد سلطة الدولة الاتحادية على المناطق المتنازع عليها أو على النفط والمنافذ الحدودية. وأكد أن طهران وأنقرة أبلغتا بغداد بأنهما لن تتعاملا مع أربيل اعتباراً من الآن، خصوصاً في ما يتعلق بتصدير النفط والمنافذ الحدودية.

في هذه الأثناء، قال المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية، سعد الحديثي، لـ"العربي الجديد"، إن "اتصالاً هاتفياً جرى بين رئيس الوزراء حيدر العبادي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتلقّت الحكومة وعوداً من أنقرة بأنها تدعم وحدة العراق وسيادته على أراضيه ولن تتعامل مع الإقليم بأي شكل من الأشكال". وأضاف الحديثي: "الموقف التركي داعم لموقف العراق ووحدة أراضيه، وأكدت أنقرة التزامها بدعم كل قرارات الحكومة العراقية في هذا الملف، ولدينا الآن تواصل وتنسيق مع تركيا وكذلك إيران وسنتخذ إجراءات بما يتعلق بفرض سلطة الدولة الاتحادية، خصوصاً في ملف تصدير النفط من الإقليم والمنافذ الحدودية". وكشف أن اجتماع مجلس الأمن الوطني العراقي أقر عدة توصيات من بينها مخاطبة الدول بعدم التعامل مع الإقليم وحصر أي تعامل مع السلطة الاتحادية في بغداد فقط. وفي حال رفضت أربيل الانصياع لقرارات بغداد وسلطتها خصوصاً في ملف إدارة المنافذ الحدودية بين العراق وإيران وتركيا الواقعة ضمن الإقليم وملف تصدير النفط، قال الحديثي: "إذا رفضت أربيل، سيكون لدينا إجراءات نعلن عنها لاحقاً وهي كفيلة بفرض سلطة الدولة الاتحادية".

من جهته، أعلن النائب عبد الكريم عبطان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، "أننا خوّلنا رئيس الحكومة لاستخدام التدابير اللازمة للحفاظ على وحدة العراق ونشر قوات اتحادية في المناطق المتنازع عليها ومنها كركوك، ولذا على الحكومة أن تبسط يدها في تلك المناطق، وإذا حدث تصادم أو رفض من الإقليم، فسيكون علينا فرض هيبة الدولة الاتحادية بمختلف السبل".
أما عضو لجنة الأمن والدفاع العراقية، ماجد الغراوي، فأكد لـ"العربي الجديد"، أنه سيتم اليوم الأربعاء مناقشة ملف الاستفتاء مع العبادي وسيناريو رفض أربيل التجاوب أو عرقلتها انتشار القوات العراقية، مضيفاً: "أي رد فعل من البشمركة تجاه القوات العراقية الاتحادية سيتعين على قواتنا الرد بما يضمن تنفيذ القانون وقرار البرلمان العراقي وأمر الحكومة".

ومن المقرر أن يحضر العبادي جلسة البرلمان غير الاعتيادية قبل ظهر اليوم الأربعاء بناءً على استدعاء البرلمان له لمناقشة إجراءات الحكومة، ويُرجَّح أن يكون جانب من جلسة البرلمان مغلقاً. ومن المتوقع أن تشهد هذه الجلسة تقديم نواب "التحالف الوطني" طلباً لإقالة الرئيس فؤاد معصوم. وكان العبادي قد عقد أمس وللمرة الثانية في غضون أقل من 24 ساعة، اجتماعاً مغلقاً مع كبار قيادات الجيش العراقي بحضور ضباط من جهاز المخابرات الوطني داخل المنطقة الخضراء لمناقشة خطة إعادة نشر الجيش العراقي في المناطق المتنازع عليها مع أربيل تطبيقاً لقرار البرلمان الإثنين. وقال مسؤول عراقي رفيع في أمانة مجلس الوزراء العراقي لـ"العربي الجديد" إنه "في حال اعتراض البشمركة قوات الجيش العراقي أو إعاقة تقدمها فسيصار إلى الرد عليها بعنف، وتم إبلاغ قوات التحالف الدولي بذلك". في غضون ذلك، أفاد بيان لمكتب العبادي بأن الأخير عقد اجتماعاً هاماً مع قيادة العمليات العراقية المشتركة وجرى خلاله بحث عدد من الملفات المهمة. ونقل البيان عن العبادي قوله "لن نرضى بنتائج الاستفتاء، لا نحن ولا أي جهة أخرى، ولن يترتب عليه أي نتائج"، مضيفاً: "سنصعّد من إجراءاتنا لتحميل من قاموا بهذه الفتنة والفوضى من المسؤولين عنها، وليس المواطنين الأكراد".


في السياق نفسه، علمت "العربي الجديد" من مصادر رفيعة في أمانة مجلس الوزراء العراقي، أن العبادي وجّه بإرسال طاقم عراقي من بغداد لإدارة منفذ إبراهيم الخليل العراقي-التركي الواقع في مدينة زاخو 70 كيلومتراً شرق دهوك في إقليم كردستان والذي تديره حكومة أربيل. وأفاد مسؤول في الحكومة العراقية بأنه تمت تسمية عشرات الموظفين المختصين لإدارة المنفذ ونقل صلاحياته لحكومة بغداد، فيما رفض أربيل ذلك يعني إغلاق المنفذ من قبل الحكومة التركية بشكل كامل بحسب تنسيق مسبق بين العبادي وأردوغان.

التحركات المحلية لمواجهة نتائج الاستفتاء، قابلتها تحركات إقليمية داعمة لبغداد. وفي هذا الصدد، أعلنت السلطات الإيرانية أمس إرسال تجهيزات صاروخية جديدة إلى الشريط الحدودي الغربي لإيران، أي القريب من إقليم كردستان، للرد على أي اعتداء. كذلك اجتمع وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي بالسفير التركي لدى طهران، هاكان تكين، أمس الثلاثاء، وبحثا عناوين ترتبط بالعلاقات الثنائية وآخر التطورات المتعلقة بالمنطقة وكردستان العراق. وأبدى حاتمي قلقه مما أسماه التبعات الأمنية التي سيتركها الاستفتاء، آملاً أن يكون قادة كردستان قد فهموا الرسالة جيداً بعد إغلاق إيران لمعابرها الجوية مع الإقليم. في السياق، قال مستشار المرشد الإيراني الأعلى، علي أكبر ولايتي، إن إيران لا يمكن أن تقبل نتائج استفتاء كردستان كونه غير قانوني وغير دقيق، معتبراً أنه سيؤدي في النهاية لحالة فوضى ونزاع في المنطقة. من جهته، أعلن عضو الهيئة الرئاسية في مجلس الشورى الإسلامي، أكبر رنجبر زاده، أن أعضاء البرلمان سيعقدون اليوم اجتماعاً مغلقاً بحضور أمين مجلس الأمن القومي الأعلى علي شمخاني لبحث تبعات استفتاء انفصال كردستان.

أما التحذير الأبرز لكردستان، فكان من أنقرة، التي لم تستبعد الخيار العسكري لمواجهة تداعيات الاستفتاء. وأعلن أردوغان، أن "كل الخيارات مطروحة وقيد الدراسة لفرض عقوبات على إدارة إقليم كردستان، بدءاً من العقوبات الاقتصادية وصولاً للخيارات العسكرية، وإغلاق المجال الجوي، والمعابر الحدودية". أردوغان الذي يلتقي نظيره الروسي فلاديمير بوتين في أنقرة غداً الخميس، ويُتوقع أن يكون ملف كردستان حاضراً في لقائهما، اعتبر في كلمة له أمس، أن إجراء الاستفتاء "ليس سوى نذير لصراعات وآلام جديدة"، مضيفاً: "عندما نبدأ بفرض عقوباتنا، ونقطع تصديرهم للنفط؛ فالمسألة تنتهي، لن يبقى بأيديهم أية مصادر للدخل، وفي حال توقفت الشاحنات من التوجّه إلى شمالي العراق، فلن يجدوا شيئًاً يأكلونه ويلبسونه، حينئذ ماذا يمكن لإسرائيل أن تقدّم لهم ومن أين وكيف سترسل ما يحتاجونه؟". وأضاف: "لم نكن نتوقع حتى اللحظة الأخيرة أن يقع (رئيس إقليم كردستان مسعود) البارزاني في خطأ كهذا، وإنّ اتخاذ قرار كهذا في وقت كانت فيه علاقاتنا في أفضل ما يكون، ومن دون التشاور أو إجراء لقاءات، هو خيانة لتركيا".

من جهته، أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أن تركيا ستقيّم كل الطلبات التي تقدّمت بها الحكومة المركزية العراقية في أعقاب الاستفتاء، بما في ذلك إجراء عملية مشتركة مع العراق. وفي السياق نفسه، قال الوزير التركي لشؤون الاتحاد الأوروبي، عمر جليك، إنّ كل سلاح يذهب مستقبلاً إلى البشمركة سيُستخدم ضد التركمان والعرب وبقية مكونات العراق. وفي مقابلة مع قناة تركية أمس، اعتبر أن "قرار الاستفتاء بحد ذاته يعتبر كارثة، واقحام كركوك في الاستفتاء، هو اقتراح البارزاني لتحويل العراق إلى حمام دم جديد".

إزاء هذا التصعيد المحلي والإقليمي، تبدو سلطات كردستان ساعية لتهدئة الأجواء. وكشف عضو في حزب "التغيير" الكردستاني الذي يتزعمه عمر علي، لـ"العربي الجديد"، أن أربيل تميل للتهدئة حالياً، مضيفاً أنه من المقرر أن تعلن نتائج الاستفتاء في وقت لاحق من يوم الأربعاء، لكن حكومة أربيل وبسبب ردة الفعل غير المتوقعة تتجه للتهدئة وعدم التصعيد حالياً، لكنها تعتبر نفسها حققت مكسباً كبيراً في الحصول على وثيقة مهمة تدعم مطالبتها بالانفصال عن العراق، وفق قوله.

مقابل ذلك، كشف قائممقام مدينة أربيل، نبز عبد الحميد، عن وجود خطة وُضعت تحسباً لأي طارئ قبل إجراء استفتاء الانفصال. وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد" أن "المنافذ الحدودية مفتوحة حتى الساعة بما فيها طريق بغداد أربيل، والشاحنات التجارية وصلت من جنوب العراق إلى أربيل وبالعكس بشكل طبيعي". وأعلن "أننا عقدنا اجتماعاً مع التجار في الإقليم ولدينا خطة مسبقة والمواد الموجودة في المخازن تكفي لأكثر من ستة أشهر أو تزيد عن ذلك، كما أن الإنتاج المحلي في الإقليم قادر على سد الحاجة اليومية".

تتزامن هذه التطورات مع استمرار الاستنكار الإقليمي والدولي لإجراء الاستفتاء. وفي هذا المجال، أعربت دولة قطر عن قلقها الشديد بشأن تنظيم الاستفتاء، وقالت إنه "سوف يشكل خطراً على وحدة العراق وأمن واستقرار المنطقة"، وفق مصدر مسؤول في وزارة الخارجية القطرية.
كذلك أعربت الخارجية المصرية عن "قلقها البالغ" بشأن التداعيات السلبية المحتملة للاستفتاء. وأكدت في بيان لها أهمية الحوار للتوصل إلى تسوية شاملة ومرضية بشأن القضايا العالقة بين بغداد وأربيل. كما أسفت الجامعة العربية، لـ"إصرار" الأكراد على إجراء الاستفتاء. وجدّد الأمين العام للجامعة، أحمد أبو الغيط، في بيان، دعوة العراقيين لـ"نبذ الفرقة وفتح حوار شامل بضمانات عربية ودولية حول كافة الموضوعات الخلافية، تفادياً لأي صدام محتمل".

دولياً، أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر نويرت، أن بلادها أصيبت بـ"خيبة أمل عميقة" بسبب الاستفتاء، مؤكدة أنه "سيزيد من انعدام الاستقرار والمصاعب" في الإقليم. كما أعرب الاتحاد الأوروبي، في بيان، عن "أسفه لعدم الاكتراث بنداءاته السابقة" المطالبة بوقف الاستفتاء. وناشد جميع الأطراف، بممارسة الهدوء وضبط النفس، والالتزام المتجدد بحل جميع المسائل العالقة من خلال حوار سلمي بنّاء. من جهته، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، إن الاستفتاء "جرى في مناطق متنازع عليها، ولا سيما في كركوك، الأمر الذي يزعزع الاستقرار بشكل خاص".

المساهمون