سنتان على غياب وردة: حكايات وصور تُنشر للمرّة الأولى

سنتان على غياب وردة: حكايات وصور تُنشر للمرّة الأولى

16 مايو 2014
أحبّت بليغ حمدي حتّى أيّامها الأخيرة... وماتت حزينة
+ الخط -
سنتان من الغياب الكبير لصاحبة الصوت الماسي، والأغنيات التي سكنت وجدان جمهور من مختلف الأعمار. سنتان على رحيل السيّدة وردة الجزائرية، التي كُتِبَ لها ألا تشهد هذا البؤس العربي الكبير والتخبّط الفنّي الذي لم تستسِغه، فكان الموت ملاذها من الألم والصحّة التي خانتها، والنقد الذي وصل إلى حدّ التجريح.

فقد أنهت وردة برحيلها أكثر من خمسين عاماً من العطاء الفنّي، كانت بدأته من الجزائر مروراً بالقاهرة وباريس، رغم كلّ العراقيل، خصوصاً بعد زواجها وطلاقها، وإنجاب لولديها رياض ووداد.

أذكر قبل خمس سنوات، وكنت أزورها في فيلتها في المَنيَل بالقاهرة، كانت تتحضّر لتوقيع عقدها الأخير مع شركة روتانا. يومها أيضا تهيّأت كأنّها المرة الأولى التي تقابل الناس والصحافة بعد غياب قسري، سببه التعب، والحالة الصحية التي كانت تزداد سوءاً! 

"خائفة"، قالت لي وردة: "نعم أنا خائفة". فقلت لها: "نحن يجب أن نخاف من حضورك اليوم". فابتسمت كثيرا بعدما مازحها صديقي طوني سمعان بالقول: "ربيع من أكثر الناس إعجابا بك".

في الطريق إلى فندق "الفورسيزن" كانت تسألنا عن كلّ شاردة وورادة، عن التنظيم، والحضور: "يا ربّ ما تكنوش نسيتو حدّ". النجمة أصالة ومحمود ياسين وإلهام شاهين وآثار الحكيم وصديقها الصدوق الإعلامي وجدي الحكيم وغيرهم، كلّهم أرادت أن يكونوا إلى جانبها في حضرة العودة. فرحنا نطمئنها إلى أنّهم وصلوا والجميع في انتظارها:"يا ريت نبيلة هنا"، قالت قاصدة صديقتها الممثلة نبيلة عبيد التي كانت موجودة في لندن. وروت لنا أنّها "صديقة وفيّة جدا، فنبيلة لها فضل عليّ، لأنّها رافقتني إلى كليفلاند عندما خضعت لزراعة كبد". 




لكن رغم ذلك ظلّت مشغولة البال وظلّ الخوف متشبّثا بها. وبكت كثيرا بعد عرض "الريبورتاج" الخاصّ عن سيرة حياتها: "اختصرت مسيرة ستّين عاما بست دقائق"، قالت لي. وطلبت نسخة عنه: "هذه حياتي كلّها.. فنّ وغناء ونجاح وسقوط".

لم يكن الغياب طويلا عن بيروت. فبعد حفل التوقيع مع شركة روتانا في مارس/آذار2009 عادت نهاية أغسطس/آب 2009 إلى بيروت للمشاركة في الحلقة الأولى من برنامج “مايسترو" مع الزميل نيشان ديرهاروتيونيان. يومها كان اللقاء أطول برفقة الصديق طوني سمعان مدير الشؤون الفنية في روتانا وكاتم أسرار وردة الفنية حتّى وفاتها.
في غرفة خاصة في فندق بيروتي على البحر في عين المريسة جلست وردة حتّى الفجر على الشرفة وروت لنا ذكريات حياتها: "كنت أهرب من كلّ شيء إلى بليغ زوجي وحبيبي". الموسيقار بليغ حمدي الذي عندما تذكره تدمع عيناها. فهي أحبّته "كما لم أحبّ أحداً، وغرت عليه نعم، حاربت من أجله نعم"، تقول. فهو من أمدّها بجرعات زائدة من القوّة المعنوية، ورافقها في جموعة من أجمل الأغنيات التي رسخت في الذاكرة: "كان زوجي وحبيبي، كنت أفهمه من نظرة ولا أفهمه بالمرّة، فهو شخصية عبثية لها ما لها، وعليها الكثير". هنا تتنهّد وردة. فهي تحبّه: "لم يقوَ على إيذاء أحد، بل كان يهرب عند تفاقم المشكلة، ويبدع في الموسيقى، كنّا ملجأه أنا وعبد الحليم حافظ، فخيّط لنا أجمل الألحان، ورغم ذلك كان يصفّق لنجاحاتي مع الآخرين، محمد عبد الوهاب ومحمد الموجي وسيّد مكاوي وحتّى حلمي بكر". 

بليغ مرض استثنائي، تقول وردة إنّها لا تستطيع الشفاء منه مطلقا: "أخبرني الكثير وعلّمني الكثير، وعندما تنتابني لحظات الحزن أعود لأفكر به فأرتاح". 

حكت وردة عن كلّ شيء لكنها لم تشأ ذكر ميّادة الحناوي وما حُكِيَ عن كيف حاربتها: "كنتُ أغار منها فنيا فقط، فهي أخذت أجمل الالحان من بليغ"، تضحك هنا وتضيف: "كما أصبح معروفا فإنّ أغنية "مش عوايدك" كانت لي وكنتُ سأغنّيها أنا، ولا أعتقد أنّها نجحت فيها". هنا ينهي طوني سمعان الجلسة التي جمعتنا بوردة "حتّى ترتاح" قبل يوم واحد من التصوير. 

في برنامج "مايسترو" بدت متعبة أيضا. لكنها تناست ذلك. لم تغنّ في تلك الليلة. لكنّ نيشان حاول أن يقنعها بالغناء.. فتمتمت بضع كلمات. وبعد البرنامج خرجنا في عشاء خاصّ وكانت ترافقنا زوجة ابنها رياض وطفله. يومها تأكّدت أنّ صحّة وردة تخونها. فهي لم تبدأ بتناول الطعام إلا بعدما حقنتها كنّتها بـ"الأنسولين" خوفا من ارتفاع نسبة السكّر في دمها. ولم تستكمل عشاءها  بل اعتذرت ومشت بخطى بطيئة إلى باب المطعم في منطقة الروشة، وطلبت في اليوم التالي لقاء الفنان فضل شاكر الذي كان أصدر أغنيته "وافترقنا" التي أعجبتها جدا. فالتقت فضل في مطعمه "ألحان" بمدينة صيدا جنوب لبنان قبل أن تغادر إلى القاهرة وتبدأ عثرات إنتاج البومها الأخير مع شركة روتانا. 

فقد انتظرت وردة سنتين حتّى تكرّمت عليها روتانا وانتجت البومها الأخير. ومستواه لم يكن على قدر الآمال التي علّقتها عليه، ما دفع عددا كبيرا من الملحّنين، ومنهم صلاح الشرنوبي وحلمي بكر، إلى مهاجمتها. وطالبها آخرون بالاعتزال، خصوصا أنّ روتانا حرمتها من أغنية للبناني بلال الزين كان يجب أن تكون ضمن الألبوم، وذلك بسبب خلاف بين الشركة وزين. ما زاد حزنها كثيرا... وبعدها توفيت بنوبة قلبية في 17 مايو/أيّار 2012 ونُقِلَت بطائرة خاصّة إلى بلدها الجزائر.

تفاصيل

حزنت وردة كثيرا لأنّها أرسلت باقة ورد إلى السيدة أم كلثوم في إحدى حفلاتها بالقاهرة العام 1972 فلم تكلّف كوكب الشرق نفسها عناء الردّ أو مبادلة التحية بالشكر، وإن عبر الهاتف.

تعتبر النجمتان شيريهان ونبيلة عبيد من أكثر الفنانات اللواتي كنّ مقربات من وردة.

تؤكد وردة أنّ اغنية "عايزة معجزة" لم تحبّها، فهي قالت لي: "بليغ لم يقدّم جديدا في هذه الأغنية، لكنّني أدّيتها جيدا".

لم تكن وردة تؤمن بمقولة "فنّان يخلف فنّانا". وعندما سألتُها عن نجوى كرم وإذا ما كان في استطاعتها أن تكمل مسيرة صباح في الغناء اللبناني، ردّت بتعجّب: "أبدا... صباح استثناء لا بل أسطورة، ونجوى شي تاني خالص". 

لم تكن علاقة وردة بابنتها وداد على خير ما يرام حتّى الأشهر الأخيرة من حياتها. والسبب هو أنّ وردة تركت وداد وحيدة في الجزائر وحرمتها من أمومتها عندما عادت إلى القاهرة وبدأت مسيرتها الفنية بعد زواجها وطلاقها. لكنّ ابنها رياض كان دائما إلى جانبها ويدير أعمالها.

كانت خائفة جدا في حفلتها الأخيرة التي اقامتها في أسواق بيروت العام 2011. ولم يسعفها الطقس ولا الرطوبة المرتفعة نسبيا في بيروت على الغناء بالطريقة التي تريدها.

رفضت وردة رفضا قاطعا أن تقوم أيّ شركة إنتاج بتقديم سيرة حياتها في مسلسل تلفزيوني. وحتّى اليوم يؤكّد ابنها رياض القسري أنّ وردة لم تكن راضية على أيّ سيناريو يجري الحديث عنه ويتعلّق بمسيرتها الفنية! وكلّ ما حُكِيَ عن مسلسلات تتعلّق بتجسيد سيرة حياة وردة يبقى مجرد حكي.  

 

 

 

المساهمون