فخّار غزة... مهنة تراثية تتحدى الواقع والحصار

فخّار غزة... مهنة تراثية تتحدى الواقع والحصار

26 نوفمبر 2016
صناعة الفخّار رمز للهوية وأصالة التراث (عبدالحكيم أبو رياش)
+ الخط -
"مهنة الآباء في أيدي الأبناء".. شعار اتخذه الفلسطيني الستيني صبري عطا الله وأشقاؤه وأولاده للحفاظ على صناعة الفخار، وهي المهنة التاريخية الأقدم والتي تعبر عن التراث القومي الفلسطيني، اشتهرت بها فلسطين وكانت تصدر منتوجاتها إلى عدد من الدول الأجنبية والعربية.
المهنة التراثية أثبتت قدرتها على الصمود في وجه الانقراض والتوقف رغم الكثير من التحديات والصعوبات، التي تواجه عملهم، وذلك نتيجة انتماء أبنائها إليها، باعتبارها مهنة الأجداد التي يصعب التفريط فيها، لأصالتها ولكونها رمزاً من رموز التراث الفلسطيني.
قِدَم "الفواخير" التي تعمل على الوقود والحطب تعود إلى عقود طويلة، وضخامة جبال الفخار المكسر وجبال الطين فيها تعيد الأذهان إلى العصور القديمة، التي تعبق برائحة التاريخ والانتماء إلى الأرض والهوية، ولسان حال القائمين عليها: "ننتمي إليها لأننا نحبها، ونتمنى أن تزول العقبات".
الفخار الفلسطيني أظهر استمرارية ملحوظة على مدار العصور، حيث الأواني، والطاسات والأباريق والأكواب، وعدد من الأشكال الفنية والزخرفية التي عرفت قبل النكبة الفلسطينية وقيام كيان الاحتلال الاسرائيلي عام 1948 الذي حاول سرقة ذلك التراث ونسبه إلى نفسه.
زارت "العربي الجديد" أقدم "فاخورة" (مصنع فخار)، التي ما زال يعمل صاحبها، صبري عطا الله، في هذه المهنة منذ سنوات عمره الأولى، بعد أن ورثها عن أبيه وجده، وقد عَلّمها لبقية أولاده الى جانب دراستهم الجامعية.
المُسِن عطا الله يبين أن جده فتح المصنع في مدينة عكا، وبعد تهجير الفلسطينيين من مدنهم الأصلية تم فتحه مجدداً في لبنان، وبعد ذلك عاد جده الى مدينة غزة وفتح المصنع عام 1961، وما زال المصنع قائماً حتى الآن على الرغم من الأوضاع الاقتصادية التي ألمت بالمواطنين، وتوقف تصدير الإنتاج.
ويبين أن عدد المصانع تجاوز في السابق 50 فاخورة، لكن الآن عددها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة بفعل التضييق والحصار المطبق على القطاع. ويضيف: "مصنعي ما زال يصنع مختلف الأشكال والأواني الفخارية التي تستخدم في الطعام، والأشكال الفنية التي تستخدم للتزيين".
وفي ما يتعلق بطريقة تصنيع الفخار، قال ابنه الأكبر أيمن عطا الله (42 عاماً): "يتم شراء الطين من منطقة شرق جباليا شمال قطاع غزة وعدد من المناطق، وتجميعها وفردها حتى تجف، وبعد ذلك يتم وضعها في بركة ماء وإذابتها لتصفيتها من الشوائب، ومن ثم توضع في حوض كبير لتجف مجدداً".
ويضيف عطا الله لـ"العربي الجديد": بعد أن يتماسك الطين ويبدأ بالتفسخ يتم وضعه في "العجانة" وهي الآلة التي تقوم بعجن وتخليط الطين وتطييبه، ومن ثم يخرج الطين عبارة عن قوالب تؤخذ وتوضع في الدولاب الذي يعمل يدوياً، ويقف عليه العامل الذي يقوم بتشكيل الطين بأشكال مختلفة، وبعد انتهاء العملية يتم وضع الأواني في منطقة مفتوحة كي تجف، ومن ثم إدخالها إلى الفرن لكي تحرق بدرجة حرارة تصل إلى 900 درجة مائوية، وتصبح أواني فخارية جامدة".
ويتابع: "اللون الغالب على الفخار، هو اللون الأحمر والأبيض، ولكن يتميز قطاع غزة بالفخار الأسود، وهو نفس الفخار الأحمر، ولكن يتم خلال تصنيعه إغلاق التنور بعد وضع الزيت المحروق أو إطارات السيارات، وتركه لمدة يوم، ما يحول لونه كلياً إلى اللون الأسود".
ويقول نجله العشريني صبري عطا الله الذي يدرس العلوم المالية والمصرفية أنه يهوى تلك المهنة رغم صعوبتها وتكلفتها العالية، ويضيف: "عندما أعود من الجامعة أدخل لمساعدة والدي وجدي وأعمامي في صناعة الأواني الفخارية".
ويوضح أن مهنة الفواخير تربط الفن بالتراث الفلسطيني من خلال تشكيل الطين بأشكال جميلة، ويقول: "لو استمر اعتماد الناس على الأواني الفخارية في الطعام والشراب بدلاً من الأواني البلاستيكية لانخفضت نسب الأمراض التي تسببها بعض الأواني المسرطنة".
المهنة التراثية الأقدم في فلسطين والمنطقة العربية ما زالت قائمة بانتماء عدد من المواطنين والحرفيين إليها، معتبرين أنها تراثهم القديم ورمز أصالتهم، غير منكرين في الوقت ذاته حجم التحديات التي تعصف بهم نتيجة الاحتلال الاسرائيلي وإغلاق المعابر كافة.


دلالات

المساهمون