"الخبر" الجزائريّة تتستّر على الفساد!

"الخبر" الجزائريّة تتستّر على الفساد!

14 نوفمبر 2014
الصحافي بوعلام غمراسة (خاص)
+ الخط -

أثارت ممارسة صحيفة جزائرية الرقابة على أحد صحافييها، ورفض نشر مقال يكشف صلة مسؤولين حاليين وسابقين في الحكومة بقضية فساد شهيرة في الجزائر، جدلاً إعلاميّاً كبيراً. ورفضت صحيفة "الخبر"، وهي كبرى الصحف الناطقة باللغة العربية في الجزائر، نشر مقال الصحافي، بوعلام غمراسة، تطرق فيه الى تورط شخصيات حكومية سابقة وحالية في قضية الفساد.

وقال الصحافي إن مدير الصحيفة اطلع على الموضوع ووافق على نشره، لكنه غيّر رأيه في وقت لاحق وقرر سحبه من النشر، لافتاً الى أن المدير أبلغه أن مصلحة الصحيفة لا تسمح بنشر المقال. لكن مدير "الخبر"، شريف رزقي، قال في تصريح صحافي، إن سبب سحب المقال جاء على خلفية استناده إلى وثيقة لا تحمل أي توقيع، ولا يمكن أن تكون مستنداً يُبنى عليه مقال يتضمن اتهامات لمسؤولين.

ودفع هذا الموقف الصحافي بوعلام غمراسة، إلى نشر المقال على صفحته على "فيسبوك"، وسرد طريقة رفض نشره. ويتضمن المقال، محل الجدل، الذي يستند الى وثيقة رسمية مسرّبة من ملف قضية "بنك الخليفة"، وهي من أكبر قضايا الفساد في الجزائر، أن 20 شخصاً، بينهم وزراء ومسؤولون وسفراء، بعضهم ما زالوا في مناصب المسؤولية وفي الحكومة، استفادوا من مبالغ كبيرة بالدولار بواسطة بطاقة ائتمان، "ماستر كارد"، حصلوا عليها كهدية من عبد المؤمن رفيق خليفة لإنفاق ما توفره من أموال في سفرياتهم إلى الخارج. وتتضمن قائمة الأشخاص، التي أعدها منصف بادسي، مصفي بنك الخليفة، أسماء عضوين في الحكومة الحالية ووزيراً سابقاً وابن ضابط كبير في الجيش ومسؤولاً بارزاً سابقاً في رئاسة الجمهورية.

وعلى رأس هؤلاء الأشخاص، كما توضحه الوثيقة، مراد العماري، ابن الفريق الراحل محمد العماري، رئيس أركان الجيش الجزائري سابقاً، الذي سحب "الهدية الثمينة" التي "صبّ" له فيها خليفة مبلغ 250 ألف دولار. كما استفاد وزير الصناعة والمناجم الحالي، عبد السلام بوشوارب، بما يقرب من 40 ألف دولار، ولم يدفع المبلغ للمصفي عندما كان بصدد استرجاع أموال بنك الخليفة المنهوبة. وأخذ وزير السكن الحالي، عبد المجيد تبون، نحو 34 ألف دولار، ولم يدفع هو الآخر المبلغ للمصفي الذي كلفته المحكمة بتصفية ممتلكات عبد المؤمن خليفة، المتهم الرئيس في قضية الفساد.

وتؤكد الوثيقة أنه، وعلى خلاف كل المنتفعين من هدية الخليفة، حصل سفير الجزائر في إيطاليا المنتهية مهماته في الحركة التي جرت الأسبوع الماضي في السلك الدبلوماسي، وهو مدير التشريفات في الرئاسة سابقاً، رشيد معريف، على بطاقتين، واحدة تتضمن أكثر من 19 ألف دولار بقي أن يسدد منها نحو 3700 دولار، والثانية فيها أكثر من 39 ألف دولار، ومطلوب أن يسدد 12 ألف دولار منها.

ويوجد في القائمة وزير الاتصال ومدير عام التلفزيون الرسمي وسفير الجزائر في رومانيا سابقاً، حمراوي حبيب شوقي، الذي سحب "ماستر كارد" وفيها مبلغ 514 دولاراً، ولم يسدده هو أيضاً للمصفي. وتتضمن أيضاً اسم أمين عام الاتحاد العام للعمال الجزائريين، عبد المجيد سيدي السعيد، ومدير عام الأمن الوطني المقتول، العقيد علي تونسي، وعبد المالك ساسي، مدير التعاون في وزارة الدفاع الوطني سابقاً. والثلاثة لم يسحبوا بطاقاتهم رغم أن خليفة جهزها لهم. كما تتضمن القائمة الممثلين السينمائيين الفرنسيين الشهيرين، جيرار ديبارديو وكارول بوكي، اللذين لم يسحبا بطاقتيهما.

وكانت قضية "بنك الخليفة" الخاص، والذي كان يملكه نجل عميل سابق للاستخبارات الجزائرية، يدعى رفيق عبد المؤمن خليفة، قد تفجرت في الجزائر نهاية 2003، بعد اكتشاف ثغرة مالية بقيمة تقارب ربع مليار دولار أميركي في الخزينة الرئيسية للبنك في الشراقة بأعالي العاصمة، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2003. وعلى هذا الأساس، عيّن البنك المركزي محمد جلاب، وهو وزير المالية الحالي، متصرفاً على البنك المنهار. بعدها عيّنت اللجنة المصرفية في البنك المركزي منصف بادسي، كمصفٍ للبنك عام 2004، ومعه قاضيان من المحكمة العليا، وأعضاء من البنك المركزي. وتمت الملاحقة القضائية لـ104 أشخاص.

وتعتقد فتيحة بوروينة، مديرة موقع "الحدث الجزائري"، أن موضوع الرقابة "يشرعن السؤال الكبير في شأن علاقة السلطة بما يجري للصحف، إنها مربط الفرس في الموضوع كله". وأشارت إلى أن "منع الإشهار عن الصحف الجادة والمهنية، لا يختلف عن فعل الرقابة التي تمارسها الصحف على مهنية صحافييها، فكلاهما عنف يجب التنديد به واستنكاره.

 ويرى الصحافي، كمال منصاري، أن حالة الرقابة على كتابات الصحافيين كهذه، تؤكد أن لشجاعة الصحف سقفاً لن تتجاوزه حين تختلط بالمصالح، وخصوصاً أن صحيفة "الخبر" المعارضة، كما صحيفة "الوطن"، تواجه في الفترة الأخيرة حملة ضدها، يقودها وزير الاتصال الجزائري، حميد قرين. إذ اتهمت الصحيفة، قبل أسبوعين، الوزير قرين بالسعي لاغتيالها عبر تحريض المعلنين والمؤسسات الاقتصادية بعدم نشر إشهاراتها في "الخبر".  

دلالات

المساهمون